نظرة الشيخ
سعيد إلى الحركات والجماعات الإسلامية المعاصرة
وإلى جماعة
(الإخوان المسلمين) خصوصاً
وكيف ينظر
لقضية التعاون والتكامل بين الجماعات
كتبه ولده:
د. معاذ سعيد حوى
لم يكن ينظر الشيخ
رحمه الله إلى الحركات الإسلامية على أنها فِرَق، وأن واحدة منها على الحق وغيرها
على الباطل، وإنما كان يرى أنها جميعاً تدخل في دائرة الإسلام، بغض النظر عن
الأخطاء أو الانحرافات التي قد توجد في كل جماعة، فكل جماعة هي قائمة على جانب أو
أكثر من جوانب الإسلام أو ثغرة من ثغره، فإذا نظرنا إلى هذه الحركات من حيث
المنهج، فهي كلها على خير، وكلها مطلوبة، فبعضها يقرر في منهجه إقامة الجماعة
المسلمة ويعمل لإعادة الخلافة الراشدة، وهذا أمر مطلوب، وبعضها يقرر في منهجه تحري
الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة، وهذا أمر مطلوب، وبعضها يهتم بالعلم والتعليم،
وهذا مطلوب، وبعضها يقرر في منهجه الاجتهاد في دعوة الناس إلى الإسلام وطَرق
بيوتهم ونواديهم لأجل ذلك، وهذا أمر مطلوب، وبعضها يقرر في منهجه تزكية النفس
وطهارة القلب، وهذا أمر مطلوب، فلا يرى الوالد رحمه الله مانعاً من أن يكون المسلم
منتمياً إلى جميع هذه الحركات بآن واحد، ما دامت ترجع إلى الكتاب والسنة، ليعمل معهم
جميعاً في نصرة دين الله وتحقيق العبودية له.
لكن مشكلة هذه الحركات
من حيث الواقع تكمن في أمرين:
الأول: أن كل حركة
تنظر إلى نفسها على أنها هي ممثلة الإسلام كله، وأن غيرها على فرقة باطلة، فهذا
يجعلها تقع فيما أخبر الله به عن النصارى حيث قال: (ومن الذي قالوا إنا نصارى
أخذنا ميثاقهم، فنسوا حظاً مما ذكروا به، فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء)، فكل
حركة نسيت حظاً من الإسلام، وظنت نفسها الإسلام كله، وظنها هذا جعلها تنظر إلى
غيرها على أنها زيادة باطلة، فحصلت العداوة والبغضاء لأجل هذا الظن المخطئ، ولو
أدركت كل جماعة أنها على ثغرة وأن غيرها على ثغرة أخرى، فتعاونت الحركات وتناصحت
فيما بينها لحصلت وحدتها ولأقامت الدين كله بذلك، ولحققت قوله تعالى: (أن أقيموا
الدين ولا تتفرقوا فيه)، فكل جماعة طلبت إقامة الدين وظنت أنها قامت بها، ونسيت
عدم التفرق فيه.
الثاني: أن في كل
جماعة من يلتزم بالمنهج حقاً وفق مراد الله، وفيها من يخالف عن ذلك أو يضعف عنه، قلّ
هؤلاء أو كثروا، فإذا رأينا في جماعة من الجماعات انحرافاً في بعض أفرادها فلا
ينبغي أن يقال: إن المنهج مخطئ، وإنما يقال: إن هؤلاء منحرفون عن المنهج، فلا
ينبغي أن تحمل الجماعة والحركة أخطاء بعض أفرادها.
ولكن مع ذلك فإن
الحركة إذا صارت تسير من خلال قياداتها أو كثير من أفرادها في طريق منحرف عن
المنهج، فإن هذا سيكون مبرراً للبعد عن الحركة وأهلها، ولا يجوز أن يعتبر ذلك
مبرراً مسوغاً للبعد عن منهجها ما دام ذلك المنهج مستمداً من الشريعة مطلوباً
فيها.
أما نظرة الشيخ سعيد
رحمه الله إلى جماعة الإخوان المسلمين خصوصاً، فقد كان يرى أن المنهج الذي وضعه
الإمام حسن البنا رحمه الله يمثل في جملته الإسلام كله بجوانبه، فالمفترض أنه يؤدي
إلى إقامة الدين، من غير أن يلغي جهود الآخرين فيما يجتهدون فيه من أمر الدين،
ولكن واقع الحال ـ فيما يراه الوالد ـ أن الجماعة لم تحمل منهج الإمام كاملاً، وهو
منهج الإسلام بتكامله وشموله، وإنما اهتمت بجوانب على حساب جوانب، كما وجدت أخطاء
كبيرة من بعض الأفراد والقيادات، مما جعل الوالد رحمه يدعو إلى إنشاء ما سماه:
الجمعية العالمية لعلماء الإسلام ودعاته، لتستكمل النقص عند الجماعات الأخرى،
متجنبة أخطاء غيرها من الجماعات قدر الإمكان، وقد كان كتاب )جند الله تنظيماً( هو الكتاب الذي تكلم فيه بتوسع عن هذه الجمعية ومواصفات قياداتها
وأخلاقهم.
ومما يراه الشيخ رحمه
الله في شأن الحركة الإسلامية أن طبيعة التنظيم التي توجد عند الإخوان المسلمين
تجعلهم أكثر تأهيلاً من غيرهم لحمل الإسلام ونشره والعمل به، إذا وجد الإخلاص
والصدق والهمة العالية لنصرة الدين عند قيادات الحركة وأفرادها، أما إذا قصروا
وركنوا، فلا بد من عمل آخر وفق الشعار الذي كان يدعو إليه الوالد رحمه في آخر
حياته: (دعم الموجود وإيجاد المفقود).
وأخيراً فلا بد من
التنبيه إلى أن من أدرك طبيعة الحركات الإٍسلامية يعلم أنها تمثل وسائل لإقامة
الدين، فلا ينبغي أن يتعصب واحد لجماعته، ولا ينبغي أن يجعل انتماءه إلى جماعته
فوق انتمائه للإسلام، ولا أن يجعل الوسيلة هدفاً، فالإسلام هو الهدف وهو الذي
يجمعنا تحت اسمه (هو سماكم المسلمين).