دراسة
نقدية
في حديث العرباض
بن سارية
«
وعظنا
رسول الله ... »
د. محمد سعيد حوى
د. عبد عيد الرعود
جامعة مؤتة / كلية الشريعة
قسم أصول الدين
ملخص
يثير
حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه « وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة
بليغة ذرفت منها العيون ... » تساؤلات كثيرة منها:
أين
هي هذه الموعظة؟
ولماذا
لم تحفظ لنا مع أهميتها؟
وكيف
يوصي صلى الله عليه وسلم باتباع السنة؛ ولا يوصي باتباع القرآن في هذا النص؟
ومن
هم الخلفاء الراشدون؟
وما
معنى أن يوصي باتباع سنتهم؟
وهل
كل فقرات الحديث ثابتة؟
وهل
الحديث نفسه صحيح؟
تلكم تساؤلات نواجهها من بعض طلبة العلم، وتكلم
حولها بعض علماء سابقون، مما اقتضى دراسة شاملة للحديث، محاولة للإجابة عنها.
Abstract
still the Hadith of Al-Erabadh
Ben Sarya "may Allah be pleased
with him" (advice us the Messenger of Allah peace be upon him eloquent admonition shed their eyes ...) raises many questions, including:
Where is this a dmonition?
Why no one keep it for us
the admonition with it
significance?
And how to recommend peace be upon him following the Sunna and does not recommend following the Quran in
this text (Hadith)?
Who are the Caliphs?
What does it mean to recommend following their Sunna?
Are all the paragraphs of the Hadith proved?
Is the Hadith itself true?
these are some of the questions facing students of Shariah , which required a
comprehensive study of the Hadith, try to answer them.
المقدمة
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
يعد
حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: « وعظنا رسول الله موعظة بليغة، ذرفت منها العيون
… »؛ من الأحاديث المشهورة عند أهل العلم.
ولعل
من أسباب شهرته اختيار الإمام النووي رضي الله عنه له في الأربعين النووية، ومن ثم
تداوُلُه بكثرة من قبل الوعاظ والأئمة والمدرسين على المنابر وغيرها من مجالس
العلم.
ولكثرة
تداوله واشتهاره؛ فإن عامة طلبة العلم ينظرون إليه على أنه حديث صحيح.
ومع
ذلك فقد كنا نواجَه من قبل بعض طلبة العلم وبعض المثقفين في مجالس علمية مختلفة
بكثير من التساؤلات حول هذا الحديث، من مثل:
أين
هذه الموعظة البليغة لرسولنا (صلى الله عليه وسلم) ؟ وكيف لم تحفظها لنا كتب السنة
؟
وحري
بهكذا موعظة أن تحفظ وتنقل لبلاغتها وخصوصية الموقف الذي قيلت فيه، وهو موقف وداع
. .
ولماذا
يوصي النبي (صلى الله عليه وسلم) باتباع السنة؛ ولا يوصي باتباع القرآن؟
وما
هي سنة الخلفاء الراشدين؟ ومن هم؟
وهل
ثمة شيء زائد على الكتاب والسنة؟
وما
حقيقة صحة بعض الألفاظ الواردة فيه من مثل : « كل محدثة بدعة »، ومن مثل : « كل
ضلالة في النار ».
وإذا
نحن رجعنا إلى شراح الحديث ومنهم ابن رجب وجدنا صدىً لبعض هذه التساؤلات، مما يشير
إلى أنها كانت محل إشكال عند بعض المتقدمين أيضاً.
لهذا
وغيره رأينا أن من الضروري جداً أن يكون لهذا الحديث دراسة وافية نقداً وفقهاً،
سنداً ومتناً، تصحيحاً أو تعليلاً.
لعلنا
نستطيع أن نقدم إجابة وافية عن كل ما يطرح من تساؤلات حول هذا الحديث، في ضوء
معرفة الموقف النقدي من الحديث ابتداءً.
وللإجابة
عن هذه التساؤلات وغيرها جاء البحث في المطالب الآتية:
المطلب
الأول: نص الحديث وتخريجه وبيان طرقه.
المطلب
الثاني: نقد الأسانيد وبيان علل الحديث، سنداً ومتناً.
المطلب
الثالث: مشكل الحديث.
المطلب
الرابع: بيان القضايا الكبرى التي اشتمل عليها الحديث.
ثم خاتمة أثبت فيها أهم النتائج التي توصل البحث
إليها.
فإن
وفقنا فمن الله وفضله ومنِّه وكرمه، وإن كانت الأخرى فمن أنفسنا، ونستغفر الله.
راجين
من أهل العلم الفضلاء التسديد والتقويم.
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الباحثان
د. محمد سعيد
حوى
د. عبد عيد الرعود
المطلب الأول:
نص الحديث وتخريجه وبيان طرقه:
1-
نص الحديث:
للحديث
ألفاظ عدة، وفي بعضها ما ليس في الأخرى من الزيادات، وسنقف عليها جميعاً، إلا أننا
نضع بين يدي القارئ الكريم أحد هذه الألفاظ، وهو اللفظ الذي اختاره الإمام النووي
وشهر به، وهو أحد روايات الإمام أحمد.
عن
العرباض بن سارية رضي الله عنه؛ قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة
وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله؛ كأنها موعظة مودع، فأوصِنا،
قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم
فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها
بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة».
2-
تخريج الحديث:
روى
هذا الحديث الصحابي الجليل العرباض بن سارية، وقد وصلنا عنه من طرق ثمانية؛ وفيما
يلي بيانها:
الطريق الأول: عن عبد
الرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض:
أ-
أخرجه أحمد (4/126)، وابن ماجه (43)، والآجري
في الشريعة ص47، والطبراني في مسند الشاميين (619)، وأبوعوانة في المستخرج على
مسلم (1/36)، والحاكم (1/96)، من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي وغيره، عن معاوية بن
صالح، عن ضمرة بن حبيب .
ب-
أخرجه أحمد (4/126)، والدارمي (96)، والترمذي
(2676)، والطبراني في مسند الشاميين (617)، وأبو عوانة في مستخرجه على مسلم (1/35)،
وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/181)، والطحاوي في المشكل (2/69)، مختصراً، والحاكم
(1/95_96)، وأبو نعيم في الحلية (5/220)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم
(2/182)، والبغوي في شرح السنة (102)، وفي تفسيره (2/145). من طرق عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد .
-
وأخرجه أحمد (4/126)، وابن أبي عاصم في السنة (رقم 32)، وأبو داود (4607)، والآجري
في الشريعة ص(46)، وابن حبان في صحيحه رقم (5) وتمام في فوائده (355)، وأبو نعيم
في الحلية (10/115)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/182)، والحاكم (1/97) وابن
عبد البر في التمهيد(21/279). من طرق عن
الوليد بن مسلم .
-
وأخرجه ابن ماجه (44) عن يحيى بن حكيم، قال
حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي .
-
وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه على مسلم
(1/35)، وابن البخاري في مشيخته (1/136), عن عيسى بن يونس .
أربعتهم (أبو عاصم والوليد بن
مسلم وعبد الملك وعيسى) عن ثور بن يزيد. _ وأخرجه الترمذي (2676)؛قال: حدثنا علي
بن حجر.وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (27)مختصراً؛ قال:حدثنا عمرو بن عثمان .
كلاهما: عمرو وعلي، قالاحدثنا بقية بن الوليد، عن بجير بن سعد .
وأخرجه الطحاوي في المشكل (1/69)، والحاكم(
1/96)، من طريقين عن الليث بن سعد؛ قال: حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم
بن الحارث .
ثلاثتهم:
( ثور بن يزيد وبجير ومحمد بن إبراهيم) عن خالد بن معدان .
ج- وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1379)، من
طريق بقية عن سليمان بن سليم، قال حدثنا يحيى بن جابر .
د-
وأخرجه الطحاوي في المشكل (2/69)قال حدثنا أبو امية، قال: ثنا عمرو بن يونس اليامي
ثنا عكرمة بن عمار ثنا عوف الأعرابي .
أربعتهم: (ضمرة بن حبيب وخالد بن معدان ويحيى بن جابر وعوف
الأعرابي) عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي قال: يحيى: ثني عبد الرحمن، وقال الوليد
في حديثه: عن عبد الرحمن وحجر بن حجر مصرحاً بالسماع.
وقد
اضطربوا في رواية المتن:
أ
ـ أما ضمرة بن حبيب فقال في روايته: «وعظنا رسول الله صلى الله علية وسلم موعظة
ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله: إن هذه لموعظة مودع؛ فماذا
تعهد إلينا، قال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنا إلا هالك، ومن
يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين
المهديين، وعليكم بالطاعة، وإن عبداً حبشياً، عضوا عليها بالنواجذ، فإنما المؤمن
كالجمل الأنف، حيثما انقيد انقاد»([1]).
فلم
يذكر شأن البدعة والمحدثات، وزاد لفظة: فإنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما انقيد
انقاد.
ب
ـ و أما أبو عاصم عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان:
فرواها
أحمد والدارمي بلفظ: «صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا
فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين، ووجلت منها القلوب، قلنا أو قالوا يا رسول
الله، كأن هذه موعظة مودع فأوصينا؛ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن
كان عبداً حبشياً؛ فإنه من يعش منكم يرى بعدي اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل
محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة».
فزاد
ذكر التحذير من البدع، وزاد قوله: ((فإن كل محدثة بدعة )).
وقال
الدارمي: قال أبو عاصم مرة: «وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة»ا.هـ أي لم
يذكر «كل محدثة بدعة»، وكذا في رواية الطبراني والحاكم وأبي نعيم عن أبي مسلم
الكشي، وأبي عوانة في مستخرجه وابن البخاري في مشيخته والبغوي في تفسير وشرحه .
ج-
وأما رواية الوليد؛ ففيها:
«أتينا العرباض بن سارية، وهو ممن نزل فيهم ﴿ ولا على الذين
إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً
ألا يجدوا ما ينفقون ﴾ ]التوبة:
92[, فسلمنا، وقلنا أتينا زائرين وعائدين، ومقتبسين،
فقال عرباض: صلى بنا رسول الله الصبح ذات يوم ثم اقبل علينا فوعظنا ... » ( وساق
نحو رواية الضحاك عن ثور عن خالد ).وقال فيها: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة
بدعة، وكل بدعة ضلالة»، ولم يذكر في رواية ابن ماجه وأبي نعيم «فإن كل محدثة بدعة».
د-
وأما رواية عيسى بن يونس؛ فلم يذكر في روايته: (( كل محدثة بدعة ))
هـ-
وأما رواية عبد الملك؛ فذكرها ابن ماجه مختصرة؛ عقب رواية ضمرة السابقة وقال: ...
فذكره (وليس فيها ذكر البدعة).
و_
وأما رواية بجير عن خالد بن معدان، فعلى نحو رواية ثور مع تقديم وتأخير، وفيها: «
... فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة،
فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها
بالنواجذ».
ز_
وأما رواية محمد بن إبراهيم عند الطحاوي، ففيها بعض التصرف؛ فجاءت بلفظ: «خرج
علينا رسول الله يوما فقام ووعظ الناس رغبهم وحذرهم، وقال ما شاء الله أن يقول، ثم
قال: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأطيعوا من ولاه الله أمركم، ولا تنازعوا
الأمر أهله، ولو كان عبداً حبشياً، وعليكم بما تعرفون من سنة نبيكم والخلفاء
الراشدين المهديين، وعضوا على نواجذكم بالحق».
ح- وأما رواية يحيى بن جابر فلم يرد فيها: «وكل
محدثة بدعة».
ي-
وأما رواية عوف الأعرابي عن عبد الرحمن السلمي؛
فجاءت بلفظ: «وعظنا رسول الله موعظة ذرفت منها العيون، واقشعرت منها الجلود،
ووجلت منها القلوب، فقال قائل: كأن هذا عند الوداع منك يا رسول الله؛ فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله ولزومكم من بعدي سنتي وسنة
الخلفاء الهادية، عضوا علها بالنواجذ».
الطريق الثاني: عن
حجر بن حجر وعبد الرحمن السلمي، عن العرباض:
وهي
رواية الوليد بن مسلم السابق ذكرها عند أحمد وابن أبي عاصم وأبي داود وابن حبان
والآجري وأبي نعيم والحاكم وابن عبد البر [سبق تخريجها مفصلة].
الطريق الثالث: عن
يحيى بن أبي المطاع، عن العرباض:
-
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (رقم 26) وابن ماجه (42)، وأبو عوانة في المستخرج
1/37 عن الوليد بن مسلم.
-
وأخرجه ابن ماجه، والطبراني في مسند الشاميين (622)، والحاكم (1/97)، من طريق عمروبن
أبي سلمة التنيسي .
-
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (622)، وأبوعوانة في المستخرج (1/37) من طريق
إبراهيم بن عبد الله.
-
وأخرجه تمام في فوائده (225)، من طريق محمد الطاطري، أربعتهم (الطاطري، وإبراهيم
بن عبد الله، وعمرو بن أبي سلمة، والوليد بن مسلم )، قالوا حدثنا عبد الله بن
العلاء بن زبر، حدثني يحيى بن أبي المطاع عن العرباض، نحو رواية ثور عن خالد إلا
أنه قال في آخرها: «وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة» ولم يقل ( وكل
محدثة بدعة ) .
الطريق الرابع: عن
مهاصر بن حبيب، عن العرباض:
أخرجه
ابن أبي عاصم في كتاب السنة (28)، والطبراني؛ مسند الشاميين (623) والكبير (رقم18/248)،
من طريق إسماعيل بن عياش، عن أرطاة بن المنذر، عن مهاصر بن حبيب، عن العرباض
مختصراً .
وفيه
لفظه: ( وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ) ولفظ ابن أبي عاصم: ( وإياكم
ومحدثات الأمور فإنها ضلالة )، ولم يقل: ( فإن كل بدعة ضلالة ).
الطريق الخامس: عن
عبد الله بن أبي بلال، عن العرباض:
أخرجه
أحمد (4/127)، والطبراني (624)، من طريق بقية بن الوليد، قال حد ثني بجير بن سعد.
وأخرجه أحمد (4/127) من طريق يحيى بن أبي كثير،
عن محمد بن إبراهيم بن الحارث. كلاهما ( محمد بن إبراهيم، وبجير بن سعد)، عن خالد
بن معدان، عن عبد الله بن أبي بلال، عن العرباض، ولم يذكر أحمد متنه، ولفظ
الطبراني: (( وإياكم ومحدثات الأمور وكل محدثة ضلالة )).
الطريق السادس: عن عم
خالد بن معدان، عن العرباض:
أخرجه
الطبراني في مسند الشاميين (621) والكبير (18/284) بسنده عن خالد بن معدان عن عمه
عن العرباض، وليس فيها ذكر البدعة .
الطريق السابع: عن
جبير بن نفير، عن العرباض:
أخرجه
ابن أبي عاصم في السنة رقم (34) والطبراني في مسند الشاميين (642) وفي الكبير
(18/257)، وأبو نعيم في المستخرج على صحيح الإمام مسلم (1/37/رقم 5) والخطيب في
الموضح (2/476) من طريق شعوذ الأزدي عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير به، واختلف
على شعوذ، فوقع في رواية الخطيب أبو عمرو الحمصي، وفي رواية أبي نعيم أبو بكر
الحمصي، وفي رواية الآخرين أبو حمزة الحمصي، جميعاً من طريق عيسى بن يونس عنهم.
الطريق الثامن: عن
معبد بن عبد الله بن هشام القرشي، عن العرباض:
أشار
إليها الحاكم (1/97) معلقة وقال: وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب.
خلاصة التخريج:
والخلاصة
أن الحديث قد رواه عن العرباض ثمانية، هم:
1-
عبد الرحمن بن عمرو السلمي .
وعنه
أربعة: ضمرة بن حبيب، وخالد بن معدان، ويحيى بن جابر، وعوف الاعرابي .
وعن خالد بن معدان ثلاثة:
ثوربن
يزيد، وبجيربن سعد، ومحمد بن ابراهيم .
2-
حجر بن حجر، من طريق الوليد بن مسلم عن
ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن حجر عن العرباض به.
3-
يحيى بن أبي المطاع، من طرق عن عبد الله
بن العلاء عن يحيى عن العرباض به.
4-
مهاصر بن حبيب، من
طريق إسماعيل بن عياش عن أرطاةبن المنذر عن مهاصر عن العرباض به.
5-
عبد الله بن أبي بلال، من طريق محمد بن
إبراهيم وبجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبدالله بن أبي بلال عن العرباض به .
6-
خالد بن معدان، عن عمه، عن العرباض به.
7-
جبير بن نفير، عن العرباض.
8-
معبد بن عبد الله عن العرباض.
وقد اختلفوا في بعض ألفاظ المتن كما بينت.
المطلب الثاني:
نقد الأسانيد وبيان علل الحديث سنداً ومتناً
أولاً: نقد الأسانيد
وبيان عللها:
بعد
تتبع طرق الحديث في مظانه وجد أنه يدور على ثمانية رواة جميعاً عن العرباض بن
سارية .
وفيما
يلي بيان لأحوال هؤلاء الرواة ونقدهم مبيناً حال من روى عنهم إذا اقتضى الأمر
للوقوف على حكم تلك الأسانيد والطرق وسنلاحظ أن جميع طرق الحديث شامية . مبتدئاً
بالتعريف بالصحابي الجليل العرباض بن سارية رضي الله عنه .
العرباض بن سارية:
هو
عرباض بن سارية السلمي، أبو نجيح، من أهل الصفة، وهو أحد البكائين الذين نزل
فيهم:
﴿وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ
قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾ [التوبة: 92]،
نزل
الشام، وسكن حمص، وله بضعة عشر حديثاً، توفي سنة خمس وسبعين أو قبلها([2]).
الطريق
الأول:
مداره
على عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وهو عبد الرحمن بن عمرو بن عبسة السلمي الشامي، روى
عن: عتبة بن عبد السلمي والعرباض بن سارية، وروى عنه: ابنه جابر، وخالد بن معدان
وضمرة بن حبيب ويحيى بن جابر الطائي وعبد الأعلى بن هلال ومحمد بن زياد الألهاني. ذكره
ابن حبان في الثقات([3])،
ولم يصرح بتوثيقه، ونقل ابن حجر عن ابن القطان الفاسي ـ تعليقاً على الحديث الذي
رواه (حديث العرباض) ـ : لا يصح لجهالة حال عبد الرحمن بن عمرو([4])،
قال ابن سعيد: مات سنة عشر ومائة في خلافة هشام([5])،
ولا يعرف لهذا الراوي إلا هذا الحديث عند أبي داود والترمذي وابن ماجة، ولم يرو له
باقي أصحاب الكتب الستة فهو مجهول، كما ترى، لكن أبا زرعة العراقي استدرك على ابن
القطان وذكر توثيق بن حبان له([6])،
قلت: ذكره ابن حبان ولم يوثقه، وفرق كبير بين الأمرين.
وقد
رواه عنه أربعة:
1- ضمرة
بن حبيب، أبو عتبة الحمصي، ثقة، ت 130([7])،
وفي إسناده معاوية بن صالح الحمصي، صدوق له أوهام وتكلم فيه([8]).
2- خالد
بن معدان الحمصي، ثقة، عابد يرسل كثيراً، ت 103([9])،
إلا انه صرح في بعض طرقه بالسماع، كما ان الحديث روي من طرق عنه:
أ.
ثور بن يزيد (ثقة ثبت)([10])،
وهو أشهر الطرق عن ثور بن يزيد إذ رواه عنه أربعة.
ب. بحير
بن سعد، وهو (ثقة ثبت)([11])
إلا أن الطريق إليه فيه بقية بن الوليد وهو ممن يدلس تدليس التسوية، ويكثر التدليس
عن الضعفاء([12])،
وقد عنعن في الإسناد([13]).
ج.
محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن خالد بن
معدان، وهذا قال فيه أحمد: أحاديثه منكرة، ومع ذلك قال الذهبي: وثقه الناس، واحتج
بن الشيخان([14])،
وعلى هذا فلا يثبت عن خالد بن معدان إلا طريق ثور بن يزيد، وتبقى العلة أن كل ذلك
مداره عن عبد الرحمن بن عمرو وهو مجهول.
3- يحيى
بن جابر بن حسان الطائي الحمصي، ثقة وأرسل كثيراً، ت، 126([15])،
إلا أنه من طريق بقية وقد عنعن في حديثه وهو ممن يدلس تدليس التسوية، ويكثر
التدليس عن الضعفاء([16]).
4-
عوف الأعرابي هو
ابن أبي جميلة، ثقة ورمي بالتشيع، ت146([17])،
إلا أن الطريق إليه لم يصح، ففيه عكرمة
بن عمار العجلي، صدوق يغلط([18])،
كما أن المزي لم يذكر عوفاً فيمن روى عن عبد الرحمن بن عمرو.
الخلاصة:
أنه مدار كل هذه الطرق على عبد الرحمن
السلمي وهو مجهول ولا يعرف إلا بهذا الحديث، كما أن جميع الطرق إليه متكلم فيها
خلا طريق خالد بن معدان .
الطريق الثاني:
من طريق حجر بن حجر الكلاعي الحمصي، مقروناً
بعبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر لم يرو عنه إلا خالد بن معدان وهو مجهول، ذكره
ابن حبان في الثقات ولم يصرح بتوثيقه، وليس له إلا هذا الحديث في سنن أبي داود، ولم
يرو له أحد غيره من أصحاب الكتب الستة([19])،
وقد تفرد بهذا الطريق الوليد بن مسلم قال ثنا ثور بن يزيد قال ثني خالد بن معدان
قال حدثني عبد الرحمن بن عمرو وحجر بن حجر به([20]).
وقد
علمنا أن الحديث روي من طرق عن خالد بن معدان لم يذكروا حجر بن حجر، ثم إن الوليد
بن مسلم مختلف فيه، فمنهم من وثقه إذا صرح بالسماع، وردّ ما عنعن فيه إذ كان يدلس
عن الكذابين ويدلس تدليس التسوية .
ومنهم
من تكلم فيه مطلقاً، قال أبو حاتم: صالح الحديث. (وهذه اللفظة تفيد الاعتبار
بحديثه إذا توبع، وهنا لم يتابع في روايته عن حجر).
وقال
أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن صدقة بن خالد فقال: هو أثبت من الوليد بن مسلم،
الوليد روى عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل، منها عن نافع أربعة([21]).
وقال
أحمد في الوليد بن مسلم: هو كثير الخطأ([22]).
وقال
الذهبي: البخاري ومسلم قد احتجا به لكنهما ينتقيان حديثه ويتجنبان ما ينكر له([23]).
الطريق
الثالث:
طريق
يحيى بن أبي المطاع القرشي الشامي الاردني، ابن أخت بلال مؤذن رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) .
قال
عثمان بن سعيد الدارمي: ثقة معروف([24])،
وذكره ابن حبان في الثقات([25]).
لم
يرو له من أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو قليل الحديث كما أنه لم يثبت سماعه
من العرباض بن سارية([26]).
قال
الذهبي عن روايته عن العرباض: فلعله أرسله فهذا في الشاميين كثير الوقوع، يروون
عمن لم يلحقوهم .كما رجح الإنقطاع في هذه الرواية ابن رجب([27]).
وضعف إسناد حديثه د. بشار عواد معروف في تعليقه على سنن ابن
ماجه([28])، ورجح انقطاع
السند.
الطريق
الرابع:
طريق
مهاصر بن حبيب، ذكره ابن حبان في الثقات([29])،
ولم يصرِّح بتوثيقه .
وقال
أبو حاتم: لا بأس به([30])،
فالملاحظ أنه لم يوثقه أحدٌ من المتقدمن، وأبو حاتم يستخدم هذا المصطلح (لا بأس به)
أحياناً، فيمن يعتبر به، أي فيه ضعف .وليس لمهاصر ذكر في الكتب الستة .
وقد تفرد بهذا الطريق إسماعيل بن عياش الحمصي، عن أرطاة بن المنذر الحمصي .
أما
إسماعيل بن عياش الحمصي فقد اختلف فيه:
فقال
البخاري: إذا حدث عن اهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر.
وقال
أبو حاتم: لين الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن حبان: كثير الخطأ في حديثه،
فخرج عن حد الاحتجاج به، وقال أبو إسحاق الفزاري: ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه([31]).
وقد
ترجم له الذهبي مطولاً ويلاحظ أن بعض أهل العلم أنكر ما كان من حديثه عن غير
الشاميين وقبل ما كان عن أهل بلده .
وبعضهم
ضعفه مطلقاً كما رأينا، وهذا الحديث من روايته عن أرطاة وهو حمصي من أهل بلده .
أما
أرطاة بن المنذر، فثقة([32]).
الخلاصة: أن هذا الطريق فيه
علل: منها ضعف وجهالة راويه مهاصر، وقد تفرّد برواية حديثة إسماعيل بن عياش، وقد
تكلم فيه، مع كون الحديث اشتهر من طريق عبد الرحمن بن عمرو السلمي .
الطريق
الخامس:
طريق
عبد الله بن أبي بلال، وهو مجهول، ما روى عنه سوى خالد بن معدان، ذكره ابن حبان في
الثقات([33])،
ولم يصرح بتوثيقه، وقال ابن حجر: مقبول([34])،
وهذه يطلقها ابن حجر فيمن كان مجهولاً وذكره ابن حبان في الثقات.
والملاحظ: أن هذه الرواية جاءت
من طريقين:
الأول:
عن بقية بن الوليد، وهو ممن يدلس عن الضعفاء كثيراً، ويدلس تدليس تسوية([35])،
وقد عنعن في سندها.
الثاني:
من طريق يحيى بن أبي كثير، وهو كثير التدليس والإرسال أيضاً([36])،
وقد عنعن فيها عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، الذي تكلم فيه الإمام أحمد، كما أنها
مخالفة لما عرف واشتهر عن خالد بن معدان روايته للحديث عن عبد الرحمن بن عمرو، فلا
يسلم بصحة هذا الطريق .
الطريق
السادس:
روى
الطبراني الحديث من طريق خالد بن معدان عن عمه عن العرباض، ولم أقف على ذكر لعمه، ومما
يلاحظ هنا أن هذه الطريق من رواية محمد بن إبراهيم الحارث عن خالد بن معدان عن عم
خالد، عن العرباض، وقد تفرد بهذا الطريق، ثم هو نفسه (محمد بن إبراهيم) روى الحديث
عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وقد علمنا أن محمد بن إبراهيم هذا
له أحاديث منكرة كما قال الإمام أحمد، فهل هي ذات الطريق السابقة.
ومن
ثم يلاحظ أن محمد بن إبراهيم بن الحارث، روى الحديث عن خالد بن معدان على ثلاثة
أوجه: أ. عن خالد عن عبد الرحمن ب. عن خالد عن عبد الله بن أبي بلال، ج. عن خالد عن
عم خالد، ولعل هذا يؤكد ما قاله الإمام أحمد فيه: في حديثه شيء يروى مناكير، أو
قال: أحاديثه منكرة. ويكون قول الذهبي: (وثقه الناس واحتج به الشيخان، وقفز
القنطرة)([37])
محمولاً في حال عدم اضطرابه ومخالفته الثقات، أو تبين الخطأ في حديثه.
الطريق
السابع:
فيه
:
1.
جهالة أبي حمزة الحمصي، وقد اختلف فيه
فسماه بعضهم أبو بكر وآخرون أبو عمرو كما أشرت في التخريج، وقد ابن أبي حاتم عن
أبيه أن ممن روى عن شعوذ أبو حمزة بن سليم الحمصي، علق المحقق: لم أجده، قال: وفي
الرواة محمد بن سليمان أبو ضمرة الحمصي([38])،
قلت: وبالعودة إلى ترجمة محمد بن سليمان فلا يوجد ما يشير إلى أنه من تلاميذ شعوذ
أو من شيوخ عيسى بن يونس([39])،
وقال ابن حجر: مقبول([40])،
فهو في حكم المجهول، وأما أبو بكر فقال الذهبي: أبو بكر بن عياش الحمصي لا يدرى من
هو([41])،
وأما أبو عمرو فوجدت في الرواة من هذه الطبقة (السادسة) يحيى بن جابر الطائي أبو
عمرو الحمصي، لكنه كما مر معنا في التخريج، فأبو عمرو إنما يرويه عن عبد الرحمن
السلمي، وعلى كُلٍّ فالجهالة والاضطراب يكتنف هذا الراوي كما هو بيِّن.
2.
وفيه شعوذ بن عبد الرحمن الأزدي، ذكره
ابن حبان في الثقات([42])
ولم يوثقه، وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً([43])،
فالإسناد فيه مجاهيل، ولا يمكن أن يعتد به.
الطريق
الثامن:
من
طريق معبد بن عبد الله بن هاشم القرشي، فقد ذكره الحاكم([44])
معلَّقاً، وبين أن الطريق لا يصح إليه، ثم إن معبداً هذا في حكم المجهول أيضاً،
فقد ذكره ابن حبان في الثقات([45])
من غير توثيق، وقال الذهبي في الميزان([46]):
تفرد عنه ابنه، قلت: فهو مجهول([47]).
الخلاصة:
أن
للحديث ثمانية طرق عن العرباض لم يسلم منها واحد:
1_ طريق عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وقد
رواه عنه أربعة، لا يسلم منها إلا طريق خالد بن معدان، عن عبد الرحمن، إلا أن عبد
الرحمن بن عمرو نفسه مجهول .
2- طريق حجر بن حجر، ففيه جهالة حجر
وتفرد بروايته الوليد بن مسلم ، وهو مدلس تدليس التسوية.
3- طريق يحيى بن أبي المطاع، وهي منقطعة
لا تثبت عن العرباض .
4- طريق مهاصر بن حبيب؛ ففيه ضعف مهاصر،
وهو إلى الجهالة أقرب . وقد تفرد بحديثه إسماعيل بن عياش، وله مناكير وأخطاء .
5- وأما طريق خالد بن معدان عن عبد الله
بن أبي بلال، فقيه جهالة عبد الله، وقد جاءت من طريقين فيهما مدلسان كثيراً
التدليس، وقد رواياه بالعنعنة، كما إنها مخالفة لما عرف من اشتهار الحديث عن خالد
بن معدان عن عبد الرحمن السلمي .
6- وأما طريق عم خالد فمجهول، وتفرد بها
محمد بن إبراهيم بن الحارث عن خالد بن معدان، وقد قال أحمد في محمد بن إبراهيم: يروي
مناكير أ.ه وهذا من تفرداته، وخالف ما عرف واشتهر من رواية خالد بن معدان عن عبد
الرحمن السلمي.
7- طريق جبير بن نفير، فيه مجاهيل.
8- طريق معبد بن عبد الله، مجهول، ولم
يصح الطريق إليه.
وإذا
دققنا في كلام إبن رجب سنجده يرجح أن الحديث لا يعرف إلا برواية عبد الرحمن بن
عمرو وحجر([48])،
وسأورد كلامه بعد قليل .
ثانياً: علل المتن:
1- العلة الأولى:
التفرد مع المخالفة:
فقد
تبين لنا من تخريج الحديث أنه لم يرو إلا من
طريق العرباض بن سارية وقد أكد هذا ابن رجب بقوله: (وروي من حديث بريدة عن
النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن إسناد حديث بريدة لا يثبت)([49]).
والعلة
في هذا من وجهين:
الأول:
كيف يخطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة جليلة بليغة ويعظ عظة تذرف لهاالعيون أمام
جمع من الصحابة، وحري بها أن تنقل وأن يهتم بها؛ لما أنها وصية مودع، ولكونها
بليغة عظيمة؛ ثم لا تعرف إلا من طريق صحابي واحد، ثم لا تثبت عنه من طريق صحيح أو
حسن لذاته؟([50]).
الثاني:
أنه قد نقلت لنا عدد من مصادر الحديث ما عرف من خطبه صلى الله عليه وسلم بين يدي
وفاته مما ودع به أصحابه والناس، وليس في واحد منها هذا السياق، ومن ذلك:
1-
خطبة حجة الوداع([51]).
2- ومنها:
ماجاء في الصحيحين عن عقبة بن عامر: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى
أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات، فقال: (( إني فرطكم على الحوض، فإن
عرضه كما بين إيلة إلى الجحفة، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخشى
عليكم الدنيا أن تنافسوها وتقتتلوا؛ فتهلكوا كما هلك من قبلكم ))([52]).
3- ومن
ذلك: ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري، قال: خطب النبي (صلى الله عليه
وسلم) فقال: (( إن الله عز وجل خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك
العبد ما عند الله... )) الحديث([53])،
وليس فيه شيء من هذا السياق.
4- ومنها:
حديث جندب بن عبد الله، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أنه يموت بخمسٍ
وهو يقول: إني أبرأ إلى الله منكم أن يكون لي منكم خليل ... الحديث([54])،
وليس فيه شيء من هذا السياق.
5- ومنها:
الحديث الذي يروى عن ابن عباس في الصحيحين، والمعروف بحديث يوم الخميس، وفيه: (( هلموا
أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي ))([55]).
6- ومنها:
ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن أم سلمة، أن رسول الله كان يقول في مرضه الذي
توفي فيه: (( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ))([56]).
7- ومنها:
ما أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو: خرج علينا رسول الله يوماً كالمودع
...وقال فيه: (( فعليكم بكتاب الله ... )) الحديث([57])،
وفي سنده ابن لهيعة؛ ضعيف([58])([59])،
وليس فيه شيء من ألفاظ حديث العرباض أيضاً.
والملاحظ
في جميع ما ذكر أنه لا يوجد سياق يشبه هذا السياق ولا يقاربه، هذا من جهة، ومن جهة
أخرى فقد ذكرت رواية العرباض الأمر باتباع السنة وسنة الخلفاء الراشدين، بينما كل
خطبه، صلى الله عليه وسلم، تؤكد على اتباع الكتاب، هذا مع ما قد يستشكل من الحديث،
في هذا الجانب، كما سنرى في المطلب القادم، والمحمل في هذه العلل على الرواة عن
العرباض لضعفهم أو جهالتهم .
2- العلة الثانية:
أن
ضمرة بن حبيب روى عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وقد خالف أكثر الرواة في عدم ذكر
الفقرة المتعلقة بالابتداع، وزاد في حديثه: (إنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما
انقيد انقاد)([60]).
وقد
رأينا أن رواية ضمرة من طريق معاوية بن صالح ـ وقد تفرد بهذه الزيادة ـ وهو صدوق
يخطئ وتكلم فيه، قال ابن رجب: وقد أنكر طائفة من الحفاظ هذه الزيادة في آخر الحديث،
قالوا: هي مدرجة فيه أو ليست منه، قاله أحمد بن صالح المصري وغيره([61]).
3- العلة الثالثة:
اضطرابهم في رواية الفقرة المتصلة بالابتداع، والنهي عنه:
فإذ
لم يذكرها بعضهم البتة، كما في رواية:
1-
محمد بن إبراهيم بن الحارث عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن السلمي.
2-
وكما في رواية عوف الإعرابي عن عبد الرحمن السلمي.
فإن من ذكرها اضطرب في سياقها؛ فإذ رواها
الأكثرون بلفظ: ( وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ).
فقد
رواها آخرون بزيادة فيها فقال: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل
بدعة ضلالة» فزاد: «فإن كل محدثة بدعة»، وهذه
الزيادة يترتب عليها إشكالات كثيرة في فهم البدعة كما سنرى.
وبيان
هذه العلة أن الزيادة جاءت من طريق أبي عاصم والوليد بن مسلم، أما طريق الوليد
فقداختلف عليه فيه، فلم يذكرها بعضهم عنه عن ثور بن يزيد عن خالد عن عبد الرحمن
السلمي .
كما
اختلف على أبي عاصم الضحاك عن ثور عن خالد فلم يذكرها الأكثرون عنه.
وخالفهم عيسى بن يونس، وهو ثقة، وعبد الملك بن
الصباح، كلاهما عن ثور عن خالد بن معدان به، فلم يذكراها .
كما
لم ترد في رواية بجير بن سعد ومحمد بن إبراهيم عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن
السلمي عن العرباض .
كما
لم ترد في رواية مهاصر بن حبيب ويحيى بن أبي المطاع عن العرباض وكل ذلك مبين في
تخريج الحديث .
ومما يرجح عدم ثبوت هذه الزيادة: ( كل محدثة
بدعة ).
ما
أخرجه مسلم عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: «وإن خير
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»([62]).
كما أخرج البخاري عن ابن مسعود موقوفاً: « إن
أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشرُّ الأمور محدثاتها، وإن ما
توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين»([63]).
ومن
آثار ذلك كله التنبه إلى عدم ضبط الرواة للحديث فيما وافقوا في أصلة غيرهم، فكيف
إذا تفردوا .
تتمة مهمة:
يرد
على ألسنة كثيرين من الوعاظ ومن المدرسين عند ذكر هذا الحديث زيادة: (وكل ضلالة في
النار) وهي غير صحيحة؛ فإنها لم تثبت في أي من روايات الحديث، نعم قد جاءت هذه
الزيادة عند النسائي3/89 وابن خزيمة (1785) من حديث جابر: «كان النبي يقول في
خطبته: وإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل
بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» إلا أن لفظة: «وكل ضلالة في النار» تفرد بها ابن
المبارك عن سفيان الثوري عن حعفر بن محمد، وخالفه جمع ممن روى الحديث؛ فقد أخرجه
أحمد 3/310 من طريق مصعب بن سلام، ومسلم 867 من طريق عبد الوهاب الثقفي، وسليمان
بن بلال، وعن وكيع عن سفيان، وأخرجه ابن ماجه 45 من طريق الثقفي، والدارمي 212 من
طريق يحيى بن سليم (خمستهم) عن جعفربن محمد عن أبيه عن جابر من غير هذه الزيادة؛ مما
يؤكد شذوذها، كما أن الحديث تفرد فيه جعفر بن محمد وهو متكلم في ضبطه.
وأما
ما ورد من اختلافهم في الألفاظ الأخرى فالأمر فيه يسير .
حكم العلماء على
الحديث:
ومع
ما رأينا من نقد للطرق، وأنها ترجع كلها الى رواية عبد الرحمن بن عمرو السلمي وهو
مجهول؛لذا قال ابن القطان الفاسي: لا يصح؛ لجهالة السلمي، ومع سبق بيانه من علل في
المتن، مع هذا؛ فقد رأينا عدداً من أئمة النقد يرجح قبول الحديث:
فقال
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح([64])،
وقد أورده ابن حبان في صحيحه، كما رأينا في التخريج، وقال البغوي: حسن([65]).
وقال
أبو بكر البزار: حديث عرباض بن سارية في الخلفاء الراشدين حديب ثابت صحيح([66])،
وقال الحاكم: وقد استقصيت في تصحيح هذا الحديث بعض الاستقصاء ... ثم قال: وقد صح
هذا الحديث والحمد لله([67]).
ملحوظة:
وظن بعض المحكَّمين أن الذهبي وافق على هذا التصحيح، وليس في تلخيص الذهبي في
الحاشية ما يفيد شيئاً من ذلك أبداً، فإنه لم يذكر أي عبارة من عبارات الحاكم التي
تفيد التصحيح، علماً أن الذهبي إنما يلخص كلام الحاكم فحتى لو ذكر شيئاً من عبارات
التصحيح؛ فليس بالضرورة أنه مقرٌّ لها كما هو مشهور عند كثير من الناس.
وقال
أبو نعيم: هو حديث جيد من حديث الشاميين، ولم يتركه البخاري ومسلم من جهة إنكار
منهما له، وزعم الحاكم أن سبب تركهما له أنهما توهما أنه ليس له راو عن خالد غير
ثور، وقد رواه عنه أيضاً، بجير بن سعد ومحمد بن إبراهيم .
قال
ابن رجب: ليس الأمر كما ظنه، وليس الحديث على شرطهما، فإنهما لم يخرجا لعبد الرحمن
بن عمرو ولا لحجر، وليسا ممن اشتهر بالعلم والرواية([68]).
وقد
يفهم من كلام ابن رجب أنه لم يمل إلى تقوية الحديث، وإن كان كلامه قد جاء في سياق
نفي كون الحديث على شرط الشيخين, والله أعلم.
رأي الباحِثَيْن: ونظراً لما مر معنا
من نقد للأسانيد، وأنها إما دارت على مجاهيل، أو لم تصح إلى المتابِع؛ فيترجح لدى
الباحثين أن الحديث ضعيف، ولا يصح بهذا السياق واللفظ، وإن كان لبعض فقراته شواهد
صحيحة، كما سنبينها في بيان مشكل الحديث وقضاياه، وقد سبق إلى هذا الحكم ابن
القطان الفاسي، ويُلحظ من كلام بان رجب ما يفيد عدم تقويته للحديث، كما لاحظنا أن
الذهبي لم يقر الحاكم على تصحيحه، وسكت.
وإذ
يرجح الباحثان هذا الحكم، فإنهما لا يُغفلان موقف المحدثين السابقين، ومقتضى البحث
العلمي إثبات كل ذلك بين يدي طلبة العلم، ولك وجهة.
ونظراً
لأن الحديث اشتهر بن الناس، وأنه صحيح أو حسن، عند بعضهم، كان لا بد من مناقشة
قضاياه، وما أُشكِل فيه، وكذا بحث ما يمكن أن يُفاد من الحديث مما لفقراته شواهد،
فكانت المباحث التالية.
المطلب الثالث
مشكل
الحديث
مختلف
الحديث؛ أو مشكل الحديث؛ هو: معارضة نص حديثي في ظاهره لدليل شرعي آخر([69]).
ويلاحظ من خلال كلام بعض الشراح للحديث ؛ أن بعض أهل العلم استشكلوا بعض ألفاظه أو
بعض مضامينه؛ فكان لابد من الوقوف مع هذه القضايا، والبحث في بيان المراد منها؛
توفيقا أو ترجيحا؛ إذ لامكان للقول بالنسخ ههنا، والله أعلم .
وفيما
يلي بيان أهم هذه الإشكالات والجواب عنها:
الإشكال الأول: قوله: (( أوصيكم بتقوى الله والسمع
والطاعة ...)
ووجه
الاعتراض: لماذا لم يقيد السمع والطاعة بالمعروف، وفيما لا معصية فيه (1)(ينظر
ابن رجب 2/120، إذ إطلاق الكلام ربما يستغله بعض الولاة الظلمة أو الفسقة في حمل
الناس على ما يريدون، خاصة وأن هذا الحديث قد اشتهر تداوله في العهد الأموي، فقد
يظن أنه سيق لأجل تأييدهم في بعض ما أخذ عليهم .
وأجاب ابن رجب عن هذه الشبهة ضمناً، دون أن يذكرها صراحة،
بقوله تعقيباً على قوله: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
...»؛ فقال: «وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر
بالسمع والطاعة لأولي الأمر؛ إشارة إلى أنه لا طاعة لأولي الأمر إلا في
طاعة الله، كما صح «إنما الطاعة في المعروف»([70])
»([71]).
وفي
الحديث: «فإن أمر بمعصية فلا سمع وطاعة»([72])،
أقول: في ضوء هذا القيد الوارد في الأحاديث الصحيحة، ولقوله تعالى: ﴿ يا أيها
الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ [النساء: 59]،
فجعل طاعة ولي الأمر تبعاً لطاعة الله ورسوله، وقيدها بقوله: (منكم)([73]).
فلا
شك أن لا يجوز الطاعة المطلقة، فإما أن الرواة قصروا في حفظ المتن، أو أنهم هكذا
سمعوا، فلا بد من أخذ الحديث مع القيدين: أنهم ولاة من المسلمين، وفيما لا معصية
فيه.
ولكنه
وللأسف فإن بعضهم قد ركز على أحاديث السمع والطاعة وبالغ فيها، في ظروف معينة، قديما
وحديثا، معتمدا على هذا الحديث، وأحاديث أخرى من مثل حديث: «تسمع وتطيع وإن ضرب
ظهرك وأخذ مالك»([74])،مع
أن هذه اللفظة لا تثبت، وغيرها من الأحاديث التي تؤكد على مطلق الطاعة([75])،
متناسياً الشروط والقيود التي بينها القرآن العظيم والسنة المشرفة، والأحكام
المتصلة بذلك؛ كوجوب الشورى والمحاسبة، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم
جواز الخضوع للظلمة والفسقة؛ فاختل التوازن .
الإشكال الثاني: قوله: «أوصيكم بتقوى
الله والسمع والطاعة؛ وإن عبداً حبشياً».
وجه
الإشكال من جهات ثلاث:
الأولى:
كيف يأمر بالطاعة لعبد حبشي، ومعلوم أن العبد تبع لسيده؟ وأن من شرط الإمارة أن
يكون حراً ؟([76])
الثانية:
أن بعض النصوص الصحيحة خصت الإمارة بقريش([77])([78]).
الجهة
الثالثة: لماذا يضرب المثل بعبد حبشي؟ أليس في هذا إشارة لمعنى فيه تمييز وطبقية، ونحن
نعلم أن رسول الله أبعد ما يكون عن هذه المعاني.
والجواب
عن ذلك كله أن النص _ابتداء_ لم ينفرد بذكر العبد الحبشي:
فقد
جاء في صحيح الإمام البخاري عن أنس مرفوعاً: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم
عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»([79]).
وفي
صحيح الإمام مسلم عن أبي ذر، قال: «إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، ولو كان عبداً
حبشياً مجدع الأطراف»([80]).
فإذ
وردت هذه اللفظة من طرق أخرى؛ فقد حاول العلماء الإجابة عن ذلك من وجوه:
1-
قال الخطابي: قد يضرب المثل بما لا يقع
في الوجود، قال ابن حجر: يعني وهذا من ذاك؛ وأطلق العبد الحبشي مبالغة في الأمر
بالطاعة وإن كان لا يتصور شرعاً أن يلي ذلك([81]).
2-
أن المراد الإمام الأعظم إذا استعمل
العبد الحبشي على إمارة بلد وجبت طاعته، وليس فيه أن العبد الحبشي يكون هو الإمام
الأعظم([82])،
إلا أنه قد يرد عليه أن هذا إقرار منكم أنه يجوز أن يستعمل على إمارة بلد وهو لا
يملك نفسه ؟؟.فلا يكون هذا الجواب مسلم.
3-
قال ابن رجب: لا ينافي هذا قوله: «لا
يزال هذا الأمر في قريش ...»([83])
لأن ولاية العبيد قد تكون من جهة إمام قريش([84]).
ويرد
عليه ما يرد على السابق .
4-
الوجه الرابع: أن ذلك باعتبار ما كان
قبل العتق([85])،
ويرد عليه أن من كان هذا شأنه لم يعد عبداً شرعاً .
5-
أن هذا ليس باعتبار الاختيار، إذ ربما
تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة؛ فإن طاعته تجب إخماداً للفتنة ما لم يأمر بمعصية([86])،
ويرد على هذا أن في ذلك إقرار للظلمة على ظلمهم، وأن الأصل في مثل هؤلاء مواجهتهم
بالحق، وأن مثل هذا الفهم أدى إلى أن يتغلب غير أهل الحق على شأن الأمة.
ولعل أولاها بالقبول الوجه الأولى
قياساً على قوله: «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتاً في الجنة»([87]).
أي فيكون المعنى: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أراد أن يبين أن الإسلام لايفرق بين إنسان وآخر، وأن لافرق بين أعجمي وعربي
إلا بالتقوى، إذ الناس اعتادوا أن يقللوا من شأن من كان عبداً حبشياً، لكن الإسلام
جاء ليرفع الجميع إلى إنسانية واحدة، فالحديث عكس ما فهم منه بعضهم تماماً .
الإشكال الثالث: قوله: (( فعليكم بسنتي ))
ووجه الإشكال، انه لم يوص بإتباع الكتاب،
وهو الأصل، وهو ما جرى عليه صلى الله عليه وسلم في كل وصاياه التي صحت عنه قبيل
وفاته، وقد سبق ذكر بعض هذه الوصايا، وأهمها وأصحها قوله: صلى الله عليه وسلم: «وقد
تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم: كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم
قائلون»([88]).
ومنها
حديث ابن عباس: « ... اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: إيتوني أكتب
لكم كتاباً، لا تضلوا بعدي .... فقال عمر: عندنا كتاب الله، حسبنا ... » وللحديث
ألفاظ عدة،علما أن هذا الحديث لايخلو من إشكالات ، لكن الشاهد فيه: أنهم اختلفوا
عنده صلى الله عليه وسلم، فسكت عن أمر الكتابة، ولم يزد على ما قال عمر([89]).
فلقائل أن يقول: لا يتصور أن لا يوصي بكتاب الله، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ هَذَا
القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9].
ويمكن أن يجاب على ذلك: أن المقصود
بالسنة هنا الطريقة المسلوكة؛ فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو صلى الله عليه
وسلم وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة([90]).
ثم مما هو معلوم بداهة أن رسول الله
إنما هو مبلغ عن ربه، مبين لكتابه فالأمر بطاعته صلى الله عليه وسلم واتباع سنته
أمر ضمني باتباع الكتاب، بل من باب أولى.
كما قال تعالى ﴿ من يطع الرسول فقد أطاع
الله ﴾ [سورة النساء: 80].
وقال: ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
... ﴾ [سورة آل عمران: 31].
وغيرها من الآيات المؤكدة لتلازم طاعة
الله وطاعة الرسول صلى اله عليه وسلم، فلا وجه لهذا الاعتراض؛ في إطار هذا الفهم، أما
من يريد أن يستغل الحديث لجعل السنة هي الأصل، والقرآن تبع، بدعوى: أن السنة قاضية
على الكتاب، وأن القرآن أحوج إلى السنة([91])،
فلا يسلم، ولايتسع المقام للمناقشة المفصلة لهذه الأقاويل ووجه فهمها .
الإشكال الرابع:
قوله: « وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ... (تمسكوا بها)، وعضوا عليها بالنواجذ»
والإشكال هنا من وجوه:
1-
من هم الخلفاء الراشدون المهديون حتى
نتبع سنتهم؟ ومن الذي يحددهم؟
2-
ما المقصود باتباع سنتهم ؟ وهل نحن
ملزمون باجتهادهم؟
3-
هل ثمة نقص في سنة وهدي رسول الله، حتى
نحتاج أن نتبع سنة من بعده؟
4-
وهل هناك مصدر للتشريع ملزم ومعصوم سوى
الكتاب والسنة؟
5-
وإذا كان الخلفاء الراشدون إنما يطبقون هدي رسول الله فما الداعي للنص على اتباع
سنتهم؟
6-
ثم أليس قد اجتهد الخلفاء الراشدون
الأربعة_ إن اعتبرنا أن الحديث يقصدهم _في أمور واختلفوا فيها فيما بينهم: فهذا
علي رضي الله عنه عرض عليه يوم البيعة أن يبايع على سنة الخليفتين، فرد قائلاً: «أبايع
على سنة الله ورسوله»([92])،
وقد تعددت اجتهادات هؤلاء الخلفاء الراشدون وتباينت في قضايا كثيرة، ولم يلزم أحد
أحداً .
فمن
ذلك: أن عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج فأمر بها، فقيل له: إنك تخالف أباك، فقال:
كتاب الله أحق أن يتبع أم عمر؟ »([93]).
ومن
ذلك: أنه قد اختلف اجتهاد عمر عن اجتهاد أبي بكر في العطاء، فكان أبو بكر يسوي في
العطاء بينما كان اجتهاد عمر المفاضلة بحسب السابقة([94])،
ورأينا الاجتهاد العمري في أمر الطلاق الثلاث خلاف ما كان عليه الأمر سابقاً([95])،
ومنها اجتهاد عمر في كيفية الاستخلاف([96]).
والاجتهاد
العمري في توزيع الأراضي المفتوحة([97])،
وغيرها كثير من الأمور التي اختلف الاجتهاد فيهاعند عمر عن أبي بكر أو من بعده([98])،
مع ما عرف عن بعض اجتهادات عثمان رضي الله عنه، ووقوع الخلاف فيها بين الصحابة([99])،
مما لا يتسع المجال لذكره، ثم إن أهل العلم غير متفقين هل إجماع الخلفاء الأربعة
حجة أم لا ([100])،
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يسوغ أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنتهم
؟وأي سنة من سننهم نتبع ؟
ثم
إن الأمة متفقة على عدم عصمة أحد غير الأنبياء، وأنه يجوز الخطأ عليهم، فكيف نؤمر
باتباعهم، إلى جانب اتباع المعصوم صلى الله عليه وسلم .
ثم
إن مما هو معلوم بداهة أن عليا، رضي الله عنه، أحد الخلفاء الراشدين، وقد خرج عليه
وعصاه جمع من الصحابة، فهل يجوز أن نقول في هؤلاء إنهم مبتدعون وضالون ؟
حاول
الإمام ابن رجب أن يجيب عن هذه التساؤلات ضمناً، إذ لم يكن يذكرها صراحة، فكان مما
قال: « وفي أمره (صلى الله عليه وسلم) باتباع سنته، وسنة خلفائه الراشدين بعد أمره
بالسمع والطاعة لولاة الأمور عموماً دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة، اتباع
سنته، بخلاف غيرهم من ولاة الأمور .
وفي
مسند الإمام أحمد وجامع الإمام الترمذي([101])
عن حذيفة قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً، فقال: «إني لا أدري ما
قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي ـ وأشار إلى أبي بكر وعمر ـ وتمسكوا بعهد
عمار، وما حدّثكم ابن مسعود، فصدقوه» وفي رواية «تمسكوا عهد ابن أم عبد، واهتدوا
بهدي عمار»([102])،
فنص صلى الله عليه وسلم في آخر عمره على من يقتدى به من بعده، والخلفاء الراشدون
الذين أمر بالإقتداء بهم: هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فإن في حديث سفينة عن
النبي (صلى الله عليه وسلم) : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً»([103])،
وقد صححه الإمام أحمد واحتج به على خلافة الأئمة الأربعة، ونص كثير من الأئمة على
أن عمر بن عبد العزيز خليفة راشد أيضاً([104]).
ثم
قال ابن رجب: وقد اختلف العلماء في إجماع الخلفاء الأربعة: هل هو إجماع، أو حجة مع
مخالفة غيرهم من الصحابة أم لا ؟وفيه روايتان عن الإمام أحمد وحكم أبو خازم الحنفي
في زمن المعتضد بتوريث ذوي الأرحام، ولم يعتد بمن خالف من الخلفاء، ونفذ حكمه بذلك
في الآفاق .
ولو
قال بعض الخلفاء الأربعة قولاً، ولم يخالفه منهم أحدٌ، بل خالفه غيره من الصحابة، فهل
يقدم قوله على قول غيره؟ فيه قولان أيضاً للعلماء، والمنصوص عن أحمد أنه يقدم قوله
على قول غيره من الصحابة، وكذا ذكره الخطابي وغيره، وكلام أكثر السلف يدل على ذلك،
خصوصاً عمر بن خطاب رضي الله عنه، فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه
أنه قال: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه»([105])،
وكان عمر بن عبد العزيز يتبع أحكامه، ويستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن
الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه».
وقال
مالك: قال عمر بن عبد العزيز:سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من
بعده سنناً، الأخذ بها اعتصام بكتاب الله وهدي رسول الله وقوة على دين الله، وليس
لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر في أمر خالفها، من اهتدى بها، فهو مهتد ومن
استنصر بها فهو منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين، ولاّه الله ما تولى، وأصلاه
جهنم وساءت مصيراً([106]).
ثم
قال ابن رجب: وبكل حال فما جمع عمر عليه الصحابة فاجتمعوا عليه في عصره، فلا شك
أنه الحق، ولو خالف فيه بعد ذلك من خالف، كقضائه في مسائل من الفرائض كالعول وفي
زوج وأبوين وزوجة وأبوين أنّ للأم ثلث الباقي، وكقضائه فيمن جامع في إحرامه أنه
يمضي في نسكه وعليه القضاء والهدي، ومثل ما جمع عليه الناس في الطلاق الثلاث، وفي
تحريم متعة النساء ومثل ما فعله من وضع الديوان ووضع الخراج على أرض العنوة وعقد
الذمة لأهل الذمة بالشروط التي شرطها عليهم ونحو ذلك .
ويشهد
لصحة ما جمع عليه عمر الصحابة، فاجتمعوا عليه ولم يخالف في وقته قول النبي صلى
الله عليه وسلم: «رأيتني في المنام أنزع على قليب، فجاء أبو بكر، فنزع ذنوباً أو
ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم جاء ابن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر
عبقرياً من الناس ينزع نزع ابن الخطاب»، وفي رواية: حتى تولى والحوض يتفجر([107])، والخلاصة المستفادة من ذلك أن اجتهادات الخلفاء
الراشدين في فهم النصوص، أو في مايستجد تمثل الحق، فإن اتفقوا فبها، وإن اختلفوا
فبأي اجتهاد عمل المسلمون فهم على هدى، والله أعلم .
الإشكال الخامس: كيف يقال: «كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»
وقد
أحدث بعض الصحابة([108])
ومنهم الخلفاء الراشدون بعض القضايا ومن ذلك: جمع عمر الناس في قيام رمضان على
إمام واحد([109]).
ومن
ذلك إحداث أذان الجمعة الأول على عهد عثمان([110])،
ومن ذلك جمع القرآن([111])،
والجواب عن ذلك كله وغبره من وجوه:
1-
أنه ثبت من خلال تخريج الحديث أن لفظة: «كل
محدثة بدعة» لا تثبت والأصح: «كل بدعة ضلالة»، أي ما كان بدعة حقاً فهو ضلالة .
2-
أننا بحاجة أن نفهم ما هي البدعة؟، وما
هي الضلالة؟، فكل اجتهادات الصحابة لا ينطبق عليها تحرير مفهوم البدعة، وتوسع ابن
رجب في بيان هذا المعنى([112])،
ولعلنا نشير إلى تفصيل ذلك في المطلب القادم.
المطلب
الرابع:
بيان
القضايا الكبرى التي اشتمل عليها الحديث
اشتمل الحديث على قضايا كثيرة منها: أهمية الوعظ
وما تميز به الرسول صلى الله عليه وسلم من التأثير والبلاغة، وحرصه صلى الله عليه
وسلم على أمر الأمة ومستقبلها، وتحذيره مما يكون من شر في مسيرتها، وبيان أهمية
الشورى والسمع والطاعة واتباع سنته، وأهمية طاعة أولياء الأمور، والتحذير من البدع،
إلا أننا يمكننا أن نجمل أهم موضوعات الحديث ،مما له شواهد صحيحة ، في ثلاثة
عناوين رئيسة، هي:
1-
الهدي النبوي للنجاة والوحدة عند اختلاف
الأمة .
2-
مفهوم الضلالة والتحذير من الوقوع فيها.
3-
بدعة الضلال والتحذير منها.
أولاً:
وحدة الأمة ومنهج النجاة عند الاختلاف على ضوء الحديث الشريف:
لما
كانت وحدة الأمة مقصداً عظيماً من مقاصد هذا الدين، ولأن أسباب الاختلاف كثيرة، ونظراً
لما عرف من هدي رسول الله حرصه على إخبار أمته بأهم وأخطر ما ينتظرها في مستقبلها،
وبيان المحطات الكبرى بين يدي الساعة، نظراً لما يترتب على ذلك من حكم كثيرة؛ كالاستعداد
والعمل وحسن التخطيط وأخذ الحذر([113])،
نظراً لذلك كله؛ نلاحظ حشداً عظيماً من الآيات والأحاديث التي تدعو إلى وحدة الأمة،
وبيان أسبابها وآثارها، أو بيان أسباب الإختلاف والتحذير منه، أو تحذر من التطرف
والاختلاف، ومما يهمنا في هذا الصدد أن نقف على أسباب وحدة الأمة الرئيسة في ضوء
النصوص القرآنية والتوجهات النبوية، ويمكن
إجمال ذلك كله بما يلي:
1-العبودية الخالصة لله: ويقصد بذلك صحة
التوحيد وصحة العمل، ومنها: طاعة لله ورسوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعو الله
وأطيعوا الرسول... ﴾ ومنه: أن التشريع لا يكون إلا لله أو فيما أذن به، ﴿ أم لهم
شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ... ﴾، وكل ذلك مبني على صلاح القلب
وطريق ذلك التزكية، إذ من ثمارها الإخلاص والتقوى والتحقق بمراتب العبودية من صبر
وورع وزهد ورضا وتوكل وشكر وصدق، وطالما وجد صلاح القلب وعنوانه وجوهره التزكية؛ فإن
أساس وحدة الأمة قد وجد، إذ من كان صاحب تزكية وتطهر وتحقق لا بد أن يكون حريصا
على معرفة الحق اتباعه، ومن حرص على الحق سهل عليه الوصول إليه، ومن ثم سهل
الاجتماع عليه والعمل به، وإذا نحن تأملنا أهم أسباب الفرقة والاختلاف نجد من
أخطرها: حظوظ النفس، والإصرار على الخطأ، واتباع الهوى، والكبر، أو اتباع
التشريعات الأرضية، فعندما تتمحض العبودية لله، فكل ذلك سينتفي تماماً، أما عندما
نجد اختلافاً بين فئات، ونجد أن بعضهم لا يخضع للعبودية لله خضوعاً كاملاً، فإنه
لن يكون من الممكن تحقيق وحدة أو اتفاق، ومن ثم نلاحظ أن الآيات القرآنية قد لفتت
أنظارنا إلى هذا المعنى ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾
[الأنبياء: 92]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ
هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]؛ فأشارت إلى العبودية
وأشارت إلى التقوى.
وفيما
صح معناه في الحديث ذكر لقضية التقوى مما
يشير إلى المعاني التي ذكرت
2. طاعة أولياء الأمور الحق بالحق و
بالمعروف:
لعل من أهم أسباب الوحدة: الطاعة لأولياء الأمور بالمعروف، وقد وجه القرآن إلى ذلك
مبيناً ضوابط وشروط ذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ
مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾
[النساء: 59].
فإذا
تأملنا في هذا النص الكريم نجد إشارة واضحة إلى قضية العبودية السابق ذكرها
بتجلياتها؛ من خلال طاعة الله ورسوله، كما بينت، كمانجد فيها أمرا خاصا بطاعة
أولياء الأمور، لكن بالضوابط التي بينت في الآية نفسها: وهي([114]):
1- أن
طاعتهم تبع لطاعة الله ورسوله، وفهم العلماء ذلك من الآية لكونه كرر لفظ الأمر
وأطيعوا عند ذكر الله وذكر رسوله، ثم لم يكرره في سياق ذكر الأولياء.
2- أن
يكون ولي الأمر من الأمة، وهذا يقتضي إيماناً وولاءً واستقامة.
3- المرجعية
الصحيحة المعتمدة على الكتاب والسنة عند الاختلاف بين الحاكم والمحكوم، أو بين
المحكومين أنفسهم.
وإذا نحن نظرنا في الحديث بين أيدينا
نجده إشار إلى ( السمع والطاعة ) لكن لم يبين
شروط السمع والطاعة و ينبغي إن تفهم في
ضوء قوله: ((التقوى)) وفي ضوء النصوص الاخرى السابقة .
3- ومن أسباب الوحدة والنجاة ـ كما في الحديث ـ اجتناب البدع
والتزام العلم الصحيح الراسخ المستفاد من الكتاب والسنة، ولا شك أن من أعظم
أسباب الاختلاف والتفرق سواء كان سياسياً أو شرعياً، الوقوع في البدع، ونجد
تحذيراً واضحاً وجلياً في الحديث، ((وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ))
فأن يأتي ذكر التحذير في هذا السياق فهو بيان منه صلى الله عليه وسلم أن البدع
وعدم محاربتها مفضٍ بالأمة إلى التفرُّق والتنازع، ومن ثم الضعف والهوان دائماً، وإنما
تقع البدع بسبب التخلف عن التزام هدي الكتاب والسنة وفهوم الراسخين من أئمة الهدى،
وقد أشار القرآن إلى ذلك كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظاًّ
مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا
يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: 14]، وكما في قوله تعالى: ﴿كَانَ
النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ
اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ
بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ
فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ
بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي
مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213]، وفي قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم
مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا
تَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ،وَمَا تَفَرَّقُوا
إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ
مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ
أُورِثُوا الكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾ [الشورى:
13-14].
ومن قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي
أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي
العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ،رَبَّنَا
لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن
لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 7-8]، نعم ... هذه
الضوابط الثلاثة أسباب اجتماع الأمة، ومن ثم أسباب قوتها وعزتها، هذه أسباب الوحدة
مجملة، في ضوء الحديث، وإذا أردنا ذكرها على سبيل التفصيل فيمكن ردها إلى:
1-
طاعة الله ورسوله .
2-
طاعة ولي الأمر الحق بحق وبالمعروف.
3-
التزكية وصلاح القلب .
4-
العلم الصحيح الراسخ عن أهله.
5-
اجتناب البدع وأسباب الضلال .
ومن ثم فلا تتصور وحدة للأمة واجتماع إلا بها،
وأي خلل في أي منها لابد أنه ترتب عليه آثاره من الفرقة والضعف وغير ذلك، إلا إن
من الإشكالات القائمة ما هي البدعة التي يجب اجتنابها؟ وما هو الضلال الذي يجب
تحذيره؟ هذا ما سنبينه بإيجاز.
ثانياً:
مفهوم الضلال والتحذير منه
جاء ذكر الضلال في القرآن الكريم على أنواع كثيرة تعود
كلها إلى المعاني التالية:
أولاً: ضلال الميل والانحراف: والميل هنا هو الميل والانحراف عن نهج النبوة والرسالة، كضلال النصارى([115])،
ومن كان على شاكلتهم إذ ضلوا عن سواء السبيل بالشرك بالله تعالى، ودليل ذلك من
القران الكريم قوله تعالى: ﴿وَلاَ
الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة: 7]، وقوله تعالى: ﴿ضَلُّواْ مِن
قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً﴾ [المائدة: ٧٧]، وقوله تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً
بَعِيداً﴾[النساء: 116]، ووجه الدلالة في الآيات السابقة الذكر: أن
الضلال هو الانحراف بالإرادة، والمنحرف عن الحق بالإرادة هو الضال([116])،
واللفظ في الآيات عام، والتغيير خلاف الأصل، والمنكرون للصانع، والمشركون أخبث
ديناً من اليهود والنصارى، والاحتراز منهم ومن اعتقادهم أولى، والبعد عنهم أحرى، إذاً
فكل من مال عن الحق وانحرف عن الهدى فقد ضل عن سواء السبيل، فزادوا على الشرع الذي
أنزل إليهم كالرهبنة ودليل ذلك قوله تعالى:﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا
ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧]، وكذلك الغلو في عيسى ـ عليه السلام ـ قال
تعالى: ﴿وَقَالَتْ
النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ﴾[التوبة: ٣٠]، فكان
هذا الضلال بهذا المفهوم بدعة في الدين كما جاء في تفسير البدعة في النص بأنها
الضلال " كل بدعة ضلالة ".
ثانياً: ضلال الكفر المبطل للأعمال: والكفر يبطل الأعمال الصالحة، فلا يقبل من الكافر صرفاً ولا عدلاً، قال
تعالى:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾[محمد: 8]، ووجه الدلالة في الآية: أن الضلال هنا مرتبط بالأعمال، وهو
إبطالها، وذلك بسبب ناشئ عن الكفر الذي هو الأساس في الإتعاس وإبطال الأعمال، فلما
ذكر الكفر الذي هو الميل والانحراف قال تعالى: ﴿ فَتَعْساً لَّهُمْ﴾ أي جزاهم على
ذلك الضلال الكفري بالتعاسة، ثم عطف إضلال الأعمال - أي إبطالها – على التعاسة
التي هي الجزاء، فالإيمان سابق لقوله (صلى الله عليه وسلم) : « كل مولود يولد على الفطرة ... »([117])
والكفر ثاني «مبتدع» لقوله (صلى الله عليه وسلم) : «فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه»([118]).
ثالثاً: ضلال الغواية: هو الإفراط في الولاء والغلو الموصل إلى طرق الردى وعدم الرشاد كضلال فرعون
لقومه؛ فقد أضلهم عن الهدى بقوله لهم: أنا ربكم الأعلى، قال تعالى في حقه: ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾[طه: 79]، فقول فرعون هذا بدعة لم يسبقه غيره لها بل لم يدّعيها أحدٌ غيره؛ ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ
نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾[النازعات: 25]، وكذلك إضلال
السامري لبني إسرائيل بعبادة العجل من دون الله تعالى، قال تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ
فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾[طه:85]، فقد ابتدع لهم عبادة العجل وهي زيادة في شرع رسول ونبي كانوا بين ظهرانيهم
.
رابعاً: ضلال العصيان والإسراف: وهو التمادي في المخالفة والإجرام وتعمد ذلك لعناد قال تعالى: ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ
عَلَى عِلْمٍ﴾ [الجاثية: ٢٣]، والمفهوم من الآية أن العاصي يعلم حقيقة أنه عاصي ولكنه يصر على ذلك، فأصبح
عصيانه سببا في ضلاله .
خامساً: ضلال عدم المعرفة للشرائع
والنبوة: قال تعالى في حق نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم): ﴿وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى﴾[الضحى: ٧]، ووجه الدلالة
في الآية: أن الضلال هنا هو عدم المعرفة بالشرائع وأمور الدين، فهدى الله تعالى
محمد (صلى
الله عليه وسلم) بالنبوة التي هي الوحي، والرسالة
التي هي الشرع، ودليل ذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) معصوم من الشرك وكبائر الذنوب التي هي عين الضلال اتفاقاً، فيعني أن
الضلال المقصود هنا هو عدم المعرفة بأمور الدين والشرع .
سادساً: ضلال الجهل أو عدم إصابة المراد لاعن قصد: والأدلة عليه من كتاب الله تعالى في الآتي:
قوله تعالى على
لسان موسى -عليه السلام-:﴿قَالَ
فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ [الشعراء:20]،
ووجه الدلالة في الآية أن الضلال هنا لا يعني الكفر بل
هو الجهل بعواقب الأمور المترتبة على الفعل، وشاهده أيضا من قول فرعون لموسى -
عليه السلام -: ﴿وَفَعَلْتَ
فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾[الشعراء: 19]، إذ موسى لم يرد أصلا قتله، فاتهم موسى زوراُ وبهتانا، فنفى موسى - عليه
السلام - عن نفسه الكفر وأقر بالجهل، بالمعنى الذي ذكر، فقال في الآية التي تليها
جواباً على قول فرعون: ﴿قَالَ
فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾[الشعراء:20] أي من الجاهلين .
قوله تعالى على
لسان أولاد يعقوب - عليه السلام -: ﴿إِنَّ أَبَانَا
لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ [يوسف:8]، ووجه الدلالة
في الآية: أن الضلال في قول أولاد يعقوب هو ضلال الجهل، وليس ضلال الكفر، ولو كان
قصدهم الكفر بقولهم لفي ضلال مبين لكفروا أباهم، وكفروا بتكفيرهم له، ولكنهم قصدوا
تخطئة أبيهم فوصفوا أباهم بالجهل بقولهم: «جاهل عندما يؤثر يوسف علينا ونحن أنفع
له من يوسف»، فقالوا: ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا
مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ [يوسف: 8] فادعوا جهل أبيهم لأنه أحب اثنين وترك عشرة.
سابعاً: ضلال النسيان من أنواع الضلال:
ودليله من القران قوله تعالى: ﴿أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾[البقرة: ٢٨٢]، وجه الدلالة في الآية: إن الضلال المقصود هو ضلال النسيان وليس ضلال الكفر
أو غيره من أنواع الضلال، ولو كان المقصود ضلال الكفر للزم من ذلك تكفير كل من نسي
وهو باطل، وكذلك جاء في الآية نفسها:﴿فَتُذَكِّرَ
إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾[البقرة: ٢٨٢] بعد كلمة: ﴿أَن تَضِلَّ﴾ مباشرةً فالتي لم تكن ضالة «ناسية» وهي التي تذكر الضالة «الناسية الحائرة».
ويمكن أن يكون هذا النوع داخلاً في النوع السابق .
يظهر لنا من ذلك
تعدد معاني الضلال في القران الكريم مع أن الكلمة واحدة واللفظ واحد وكذلك البدع
التي توصف بالضلال في متن الحديث لقوله (صلى الله عليه وسلم): «وكل بدعة ضلالة» ولا يفهم منه إلا مفهوم واحد هو أن معنى البدعة التي
ذمها الشرع هي ما كان متضمنا نوعا من أنواع الضلال بمفهومه الشرعي وليس اللغوي أي
فيدخل في ذلك: الأنواع الأربعة المذكورة سابقاً وحسب، وفي الفقرة التالية مزيد
تفصيل .
ثالثاً:
مفهوم بدعة الضلال في هذا الحديث:
بدعة الضلال المعنية في متن هذا الحديث هي: الحدث في الدين بعد الإكمال([119])،
أو هي: ما اخترع على غير مثال([120])،
فيدخل في ذلك كل إحداث في العقائد والعبادات لا أصل له في الشرع فإذا كانت البدعة
بهذا المفهوم فهي مردودة على صاحبها لقوله (صلى الله عليه وسلم): «من أحدث في ديننا هذا فهو رد»([121])،
أي مردود على من أحدثه في الدين أي في شرع الدين وبهذا نفهم أن المقصود بالبدعة
المحدثة بالضلال في الدين بزيادة فيه أو نقصان منه، وبهذا المفهوم يظهر لنا أنه
ليس كل مبتدأٍ في الدين بدعة ضلال، بل إن هنالك مبتدأ غير ضلال ذلك لأنه ابتدأ أمراً
له أصل في الشريعة، وأما ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص أو عام فهو
المراد بقوله (صلى
الله عليه وسلم) : «وكل بدعة ضلالة»([122])،
ويقرر هذا المفهوم ابن تيمية ( ت: 728 هـ ) بقوله: «وقد علم أن قول النبي (صلى الله عليه وسلم) ( كل بدعة ضلالة ) لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين
الإسلام بل كل دين شرع جاءت به الرسل هو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتدأ من
الأعمال التي لم يشرعها هو (صلى الله عليه وسلم) »([123]).
ولهذا ذهب
الخطابي (ت: 388هـ) بقوله: «المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل
عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً، وان كان بدعة لغة»([124])،
وبقوله أيضاً: «وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في
البدع اللغوية لا الشرعية فمن ذلك قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في التراويح
(نعمت البدعة)، ومن ذلك زيادة أذان الجمعة من قبل عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
لحاجة الناس إليه وأقره علي - رضي الله عنه - واستمر عمل المسلمين عليه»([125]).
ويحدد الشافعي
(ت: 204هـ) هذا المفهوم بقوله: «المحدثات في الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث يخالف
كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً فهذه بدعة الضلال, وما أحدث من الخير لا خلاف
فيه لواحد من هذا فهي محدثة غير مذمومة»([126])،
واستشهد بقول عمر - رضي الله عنه -: (نعمت البدعة).
ويقسم ابن تيمية
البدعة إلى أقسام من خلال حكمه عليها فيقول: «وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد
من أمة محمد (صلى
الله عليه وسلم) وقصد الحق فأخطأ لم يكفر بل يغفر
الله له خطأه، ومن يتبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى
واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصد في طلب الحق وتكلم بلا علم
عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقاً وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته»([127])،
وبذلك اشتد نكير العلماء المسلمين على أصحاب البدع في الدين ونصحوا المسلمين
بمقاطعتهم، قال سفيان الثوري - رضي الله عنه -
(ت: 161) بهذا المفهوم: «من سمع مبتدعاً لم ينفعه الله تعالى بما سمع ومن
صافحه فقد نقض عرى الإسلام عروة عروة»([128])،
وقال مالك بن أنس (ت: 179) عندما سئل عن البدع قال: «إياكم والبدع، قالوا وما البدع
؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته فلا
يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان»([129])،
فالزيادة في الدين بدعة ضلالة مذمومة قد يكفر صاحبها كبدع البكرية([130])
في تحريم أكل البصل والثوم، ووجوب الوضوء من قرقرة البطن([131])،
فهذه البدع في الدين لأنه خالف الشرع الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد تكون البدعة محمودة لأن لها أصلاً في الدين كبدعة جمع الناس على إمام
واحد في التراويح في رمضان بأمر عمر - رضي الله عنه -، وزيادة الأذان الأول يوم
الجمعة لحاجة الناس إليه بأمر من عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - . وتكون
بدعة بالمعنى اللغوي وحسب، وقد كتبت قديماً
وحديثاً كتابات مفصلة في البدعة فنكتفي بهذا القدر([132])...
الخاتمـة
في نتائج البحث
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله الذي اصطفى.
وبعدَ هذه الدراسة لجوانب الحديث المختلفة يمكننا أن نثبت
النتائج التالية:
أولاً: لم يرو هذا الحديث إلا من
العرباض بن سارية، ولا يعرف عن غيره من الصحابة.
ثانياً: الحديث لا يعرف إلا من طريق
الشاميين، وأكثرهم حمصيون.
ثالثاً: رُوي الحديث عن العرباض من ثمانية
طرق:
1.
عبد الرحمن بن
عمرو السلمي، وهو مجهول، وروي عنه من طرق لم يصح إليه منها إلا طريق خالد بن
معدان.
2.
حجر بن حجر
الكلاعي، وهو مجهول أيضاً، وتفرد بهذه الطريق: الوليد بن مسلم، وهو ممن يدلس تدليس
التسوية.
3.
يحيى بن يحيى
بن أبي المطاع، إلا أنه لم يسمعه من العرباض، فالطريق منقطع.
4. مهاصر بن حبيب، وفيه
جهالة وضعف، وتفرد بهذه الطريق: إسماعيل بن عياش، وهو ممن تكلم فيه.
5.
عبد الله بن
أبي بلال، وهو مجهول، وفي إسناده علل.
6.
عم خالد بن
معدان، وفيه جهالة، وفي إسناده علل.
7.
جبير بن نفير،
فيه مجاهيل.
8.
معبد بن عبد
الله، مجهول، ولم يصح الطريق إليه.
رابعاً: مع كل ما مضى من علل وضعف في
الطرق وجدنا بعض الأئمة يصححون الحديث أو يحسنونه، وممن صححه الترمذي إذ قال: حسن
صحيح، وأورده ابن حبان في صحيحه، وقال أبو نعيم: جيد، وقال البغوي: حسن، وصححه
البزار، ولكن رجح الباحثان ضعف الحديث، وقد أشار إلى ذلك ابن القطان الفاسي.
خامساً: وقف الباحثان على جملة علل في
المتن وهي:
1.
علة التفرد
بهذا السياق والمخالفة لما اشتهر من مضامين خطبه (صلى الله عليه وسلم) عند وفاته.
2.
تفرد بعض
الرواة بلفظ: « فإنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما انقيد انقاد » فهي شاذة.
3.
اضطرب الرواة
في ذكر الفقرة المتصلة بالابتداع.
4.
اضطرابهم في
زيادة جملة: « فإن كل محدثة بدعة »، وترجح لدى الباحثَين شذوذها.
سادساً: ناقش الباحثان جملة قضايا مما
استشكل في الحديث وهي:
1.
كيف لم يقيد
السمع والطاعة للأمراء فيما لا معصية فيه، وبينا أن قوله: أوصيكم بتقوى الله يمكن
أن يدل على ذلك.
2.
كيف يأمر بطاعة
عبد حبشي، وهل تجوز إمارته، وأوردنا أجوبة العلماء على ذلك، وأرجحها أنه من باب
المبالغة في الطاعة.
3.
لِمً لمْ يوص
باتباع الكتاب ؟ وبينا أن السنة تأمر باتباع الكتاب، وأن هذا من باب أولى.
4.
كيف يأمر
باتباع سنة الخلفاء الراشدين ؟ وبينا في المحصلة أن سنتهم هي التطبيق الأمثل لهدي
الكتاب والسنة.
5.
كيف يقال: « كل
محدثة بدعة »، وقد أحدث الصحابة أموراً، وبينا أنها لفظة لا تثبت، وأن البدعة
المذمومة ما كان بدعة شرعاً لا لغة.
سابعاً: وقفنا على أهم القضايا الكبرى
التي أرشد إليها الحديث، وهي:
1.
منهج الوحدة
والنجاة عند اختلاف الأمة.
2.
مفهوم الضلال
والتحذير منه.
3.
مفهوم البدعة
التي حذر منها (صلى الله عليه وسلم) وعلاقتها بالضلال.
وبينا أن البدعة على الأرجح هي كل مخالف محدث لا أصل له
في الشريعة يرجع إليه أو تندرج تحته، أما إن كان جديداً وكان له دليل في الشرع؛
فهو من باب الاجتهاد الذي يقبل من أهله إن كان صواباً، ويعذر من أخطأ فيه.
فإن وفقنا فمِن الله وفضله وكرمه ومنِّه، وإن كانت
الأخرى فمن أنفسنا، ونستغفر الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الباحثان
د. محمد سعيد حوى
د. عبد عيد الرعود
قائمة
المصادر والمراجع
1.
الآجري، أبو بكر محمد بن الحسين، ت
360هـ، كتاب الشريعة، تحقيق: محمد حامد الفقي، نشر أنصار السنة المحمدية، القاهرة،
بلا تاريخ.
2.
الآلوسي، شهاب الدين محمود، ت 1270هـ، روح
المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار إحياء التراث، بيروت، بلا
تاريخ.
3.
ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات بن
المبارك بن محمد بن الجزري، ت606هـ، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق:
محمود محمد الطناحي، المكتبة الإسلامية، القاهرة، ودار الفكر، ط2، 1979م.
4.
أحمد بن حنبل، ت241هـ، المسند، دار
صادر، بيروت، لبنان، بلا تاريخ.
5.
الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح
الجامع الصغير وزياداته، المكتب الإسلامي، بيروت ط 3،
6.
1982
7.
الألباني، محمد ناصر الدين، ضعيف الجامع الصغير
وزياداته، المكتب الإسلامي، بيروت ط 3، 1982
8.
البخاري، محمد بن إسماعيل، ت 256 هـ، الجامع
المسند الصحيح، بيت الأفكار الدولية، الرياض، ط1، 1998م.
9.
بشار عواد معروف وآخرون، المسند
الجامع، دار الجيل، بيروت، ط1، 1993م.
10.
البغوي، الحسين بن مسعود ت 516هـ، شرح
السنة، تحقيق شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1400هـ.
11.
البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، ت
458هـ، مناقب الإمام الشافعي، تحقيق: أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة،
1971م.
12.
الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى، ت
279هـ، الجامع الكبير (سنن الترمذي)، تحقيق: د. بشار عواد معروف، دار
الجيل، بيروت، ط2، 1998م.
13.
التهانوي، ظفر أحمد العثماني، ت1394هـ، قواعد
في علوم الحديث، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط
1، 2007م.
14.
ابن تيمية، أبو العباس أحمد بن عبد
الحليم الحراني، ت 728هـ، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن
قاسم وولده، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، 1404هـ.
15.
ابن الجعد، علي بن الجعد بن عبيد أبو
الحسن الجوهري البغدادي، ت 230، مسند ابن الجعد، تحقيق: عامر أحمد حيدر، نشر
مؤسسة نادر، بيروت، ط1، 1990م.
16.
الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن
حمدويه النيسابوري، ت 405هـ، المستدرك على الصحيحين، مكتبة الجندي، مصور
بلا تاريخ.
17.
ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان البستي،
ت354هـ، صحيح بن حبان، بترتيب ابن بلبان، علاء الدين علي، ت 739هـ، تحقيق:
شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1993م.
18.
ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان
البستي، ت 354هـ، الثقات، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد
الدكن، الهند، ط1، 1979م.
19.
ابن حجر العسقلاني، ت852هـ، فتح
الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، دار السلام، مصر، ودار
الفيحاء، دمشق، ط 1، 1997م.
20.
ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب،
تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد، حلب، ط 4، 1992م.
21.
ابن حجر الهيتمي، أبو الفضل أحمد بن
محمد بن بدر الدين، ت 973هـ، التبيين بشرح الأربعين، المطبعة الميمنية، 1317هـ،
مصور.
22.
ابن حجر الهيتمي، أبو الفضل أحمد بن محمد
بن بدر الدين، ت 973هـ، فتاوى ابن حجر الهيتمي.
23.
ابن حزم، أبو محمد علي بن حزم الأندلسي،
ت 456 هـ، الإحكام في أصول الأحكام، دار الحديث، القاهرة، 1404 هـ.
24.
ابن خزيمة، أبو بكر محمد ابن إسحاق
(ت311ه)صحيح ابن خزيمة، تحقيق محمد مصطفى اللأعظمي، المكتب الإسلامي، ط1، 1975.
25.
الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد
الرحمن، ت 255هـ، السنن، تحقيق: عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة، 1966م.
26.
أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، ت275هـ،
السنن، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنة النبوية، بدون
تاريخ.
27.
الذهبي، أبو عبدالله محمد بن أحمدبن
عثمان (ت748)، ميزان الإعتدال، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت ط1، 1963.
28.
الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي
حاتم، ت 327هـ، الجرح والتعديل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان،
ط1، مصور عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند، 1953م.
29.
ابن رجب، زين الدين أبو الفرج عبد
الرحمن بن شهاب الدين، ت 795هـ، جامع العلوم والحكم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط،
مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1991م.
30.
الزحيلي، وهبة، التفسير المنير، دار
الفكر، دمشق، ط 1، 1411ه .
31.
سعيد حوى، الأساس في السنة وفقهها،
قسم العقائد الإسلامية، دار السلام، القاهرة، ط1، 1985م.
32.
السيوطي، جلال الدين، ت911هـ، تدريب
الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر، بلا
تاريخ.
33.
الشاطبي، أبو
إسحاق إبراهيم بن موسى الغرناطي، ت 970هـ، الاعتصام، تقديم: محمد رشيد رضا،
مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1332هـ.
34.
أبو شامة، عبد الرحمن بن إسماعيل بن
إبراهيم بن عثمان الدمشقي، ت 665هـ، الباعث على إنكار البدع والحوادث، دار
الهدى، القاهرة، ط1، 1978م.
35.
الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد
الكريم، ت 548هـ، الملل والنحل، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1975م.
36.
الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، نيل
الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، دار الجيل، بيروت، 1973م.
37.
ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد،
ت235هـ، المصنف في الأحاديث والآثار، بعناية كمال يوسف الحوت، مؤسسة الكتب
الثقافية، بيروت، ط 1، 1989.
38.
ابن الصلاح، أبو عمرو عثمان بن عبد
الرحمن الشهرزوري، ت 643هـ، علوم الحديث، أو مقدمة ابن الصلاح، دار الحديث،
القاهرة، ط2، 1984م.
39.
الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن
أيوب، ت 360هـ، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، نشر
وزارة الأوقاف العراقية، ط1، 1979م.
40.
الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن
أيوب، ت 360هـ، المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله الحسيني، دار
الحرمين، القاهرة، 1415هـ.
41.
الطحاوي، أبو جعفر أحمد بن محمد بن
سلامة الأزدي، ت 321هـ، مشكل الآثار، دائرة المعارف النظامية، الهند، 1333هـ.
42.
ابن أبي عاصم، أبو بكر أحمد بن عمرو
النبيل، ت 287هـ، كتاب السنة، بتحقيق الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط
1، 1980م.
43.
عبد الله الحسيني الهاشمي المكي، الاتباع
والابتداع، بلا دار نشر، ط5، 1995م.
44.
عبد الله الصديق الغماري، إتقان
الصنعة في تحقيق معنى البدعة، عالم الكتب، ط2، 1986م.
45.
عبد الله بن عبد العزيز التويجري، البدع
الحولية، رسالة ماجستير، مقدمة إلى جامعة محمد بن سعود الإسلامية، قسم العقيدة،
1406هـ.
46.
عبد الإله بن حسين العرفج، مفهوم
البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة، دار الفتح، عمان، ط1، 2009م.
47.
ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد البر،
ت 463هـ، جامع بيان العلم وفضله، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، بلا
تاريخ.
48.
د. عبد الملك السعدي، البدعة في
المفهوم الإسلامي، ط1، 1992م، غير مذكور دار النشر.
49.
عبد الرزاق الصنعاني، أبو بكر عبد
الرزاق بن همام، ت211هـ، المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب
الإسلامي، بيروت، ط1، 1971م.
50.
عبد القاهر البغدادي، أصول الدين، دار
الكتب العلمية، بيروت، ط 2 ,1400ه.
51.
عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، دار
المعرفة بيروت .
52.
ابن العربي، أبو بكر، عارضة الأحوذي.
53.
العز بن عبد السلام، عز الدين بن عبد
السلام بن عبد العزيز السلمي ت 660 هـ، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار
ابن حزم، بيروت، لبنان، ط1.
54.
د. عزت علي عطية (معاصر)، البدعة، تحديدها
وموقف الإسلام منها، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1980م.
55.
الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، ت
505هـ، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت.
56.
ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن
زكريا، ت 395 هـ، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب
العلمية، بدون تاريخ.
57.
الفيروز أبادي، القاموس المحيط، دار
الجيل، بيروت .
58.
القرافي، أبو العباس أحمد بن إدريس
الصنهاجي، ت 684 هـ، كتاب الفروق، تحقيق خليل منصور، دار الكتب العلمية، بيروت،
1998م.
59.
القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد، الجامع
لأحكام القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت ط1، 1988.
60.
ابن قيم الجوزية، شمس الدين أبو عبد
الله محمد بن أبي بكر، ت756هـ، الروح، تحقيق: عصام الصبابطي، دار الحديث، القاهرة،
ط2، 1998م.
61.
ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر
الدمشقي، ت774هـ، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1987م.
62.
اللكنوي، أبو الحسنات محمد عبد الحي، ت
1304هـ، الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة،
مكتبة الرشد، ط2، 1984م.
63.
اللكنوي، أبو الحسنات محمد عبد الحي، ت
1304هـ، إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة، تحقيق عبد الفتاح
أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط3، 1998م.
64.
ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد
القزويني، 273هـ، السنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، إحياء التراث العربي،
بيروت، 1975م.
65.
مالك بن أنس، أبو عبد الله، ت 179هـ، الموطأ،
تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي.
66.
مسلم بن الحجاج، أبو الحجاج القشيري، ت261هـ،
صحيح مسلم، دار ابن حزم، بيروت، ودار المغني، الرياض، ط 1، 1998م. ابن
منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، ت711هـ، لسان العرب، دار
صادر، بيروت، 1968م.
67.
النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، ت303هـ،
السنن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1930م.
68.
أبو نعيم، أحمد بن عبد الله الأصبهاني، ت
430هـ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، مصور عن مكتبة الخانجي والسعادة، مصر،
1938م.
69.
نور الدين عتر، منهج النقد في علوم
الحديث، دار الفكر، دمشق، ط 3، 1981م.
70.
النووي، محيي الدين يحيى بن شرف، ت 676
هـ، تهذيب الأسماء واللغات، دار الكتب العلمية، بيروت، بلا تاريخ.
71.
النووي، محيي الدين يحيى بن شرف، ت 676
هـ، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3،
1984م.
72.
وهبي سليمان غاوجي، كلمة علمية هادية
في البدعة وأحكامها، دار الإمام مسلم، ط1، 1991م.
الهوامش
([1]) ينظر: مسند الإمام أحمد، 4/126، والمصادر السابقة في التخريج.
([2]) المزي، تهذيب الكمال، 19/549، وتقريب التهذيب، رقم 4550.
([3]) ابن حبان الثقات: 5/111.
([4]) ابن حجر، تهذيب التهذيب، 6/238، وينظر: تهذيب الكمال، 17/
304-307.
([5]) ابن سعد، الطبقات، 7/449.
([7]) ابن حجر، تقريب، رقم 2986.
([8]) ابن حجر، تقريب، رقم 6762، وينظر: تهذيب الكمال: 28/190.
([9]) ابن حجر، تقريب، رقم 1678.
([10]) ينظر: ابن حجر، تقريب التهذيب، رقم 761.
([11]) ابن حجر، تقريب التهذيب، رقم 640.
([12]) ابن حجر، تقريب التهذيب، رقم 734.
([13]) قال أحد المحكمين: بقية أروى الناس عن بجير، وشعبة على جلالته
يأخذ حديث بجير عنه، فيبعد أن يكون بينه وبين بجير أحد، قلت: ولكن بقية مدلس تدليس
التسوية ويكثر التدليس عن الضعفاء، وما ذكر يبقى مجرد احتمال، ثم إنه معنعِن في
باقي الإسناد.
([14]) الذهبي، ميزان الاعتدال، 3/445.
([15]) ابن حجر، تقريب، رقم 7518.
([16]) ابن حجر، تقريب، رقم 7304.
([17]) ابن حجر، تقريب، رقم، 5215.
([18]) ابن حجر، تقريب، رقم 4672.
([19]) ينظر: الثقات رقم 2362
والمزي، تهذيب الكمال، 5/472 ، والذهبي، ميزان الاعتدال، 1/366 ، وابن حجر
التهذيب، 2/214.
([20]) أشار أحد المحكمين أن الحاكم
وصفه 1/97 ، قلت: وليس للحاكم سلف في هذا الوصف، وكم حشى كتابه من الموضوعات، وحكم
عليها بالصحة، وسكت عنها الذهبي رحمه الله.
([21]) الذهبي، الميزان، 4/347-348.
([22]) المزي، تهذيب، 31/96.
([23]) الذهبي، سير أعلام النبلاء، 9/216.
([24]) المزي، تهذيب، 31/539.
([25]) ابن حبان، الثقات، 5/528.
([26]) المزي، تهذيب، 31/540، والذهبي، الميزان، 4/410.
([27]) ابن رجب، جامع العلوم والحكم، 2/110-111.
([28]) سنن ابن ماجه، رقم 42.
([29]) ابن حبان، الثقات، 5/454.
([30]) ابن أبي حاتم، كتاب الجرح والتعديل، 8/439-440.
([31]) الذهبي، الميزان، 1/240-244.
([32]) المزي، تهذيب الكمال، 2/311-314.
([33]) ابن حبان، الثقات، 5/49،
وينظر: الذهبي، الميزان، 2/399.
([34]) ابن حجر، التقريب، رقم 3240.
([36]) ابن حجر، تقريب، رقم 7632.
([37]) الذهبي، الميزان، 3/445.
([39]) تهذيب الكمال 25/ 307-308.
([40]) تقريب التهذيب 5929.
([43]) الجرح والتعديل 4/390.
([47]) انظر أيضاً تهذيب الكمال: 28/236، فقول المحكَّم: إن الحاكم قال
فيه: (من الثقات الأثبات) هو وسائر المجاهيل الآخرين الذين وثقهم الحاكم بالجملة
وليس له سلف في ذلك، وهو من هو في رواية الأحاديث المنكرة في كتابه، لا يعتد
بتوثيقه، وليس له سلف في هذا التوثيق، ثم إن الذهبي قد لخص كلام الحاكم، ولم يصرح
أبداً بتصحيح الحديث أو إقراره للحاكم على توثيقه وتصحيحه.
([48]) ابن رجب، جامع العلوم، 2/310.
([49]) ابن رجب، جامع العلوم والحكم، 2/111.
([50]) علق بعض المحكَّمين ما مضمونه أن هنالك أحاديث كثيرة مهمة لم
ينقلها إلا صحابي واحد، والتفرد ليس بعلة، كما أن هذا السياق وإن لم يأت إلا بهذا
الحديث، فهو من تنوع أساليب الوعظ، قلت: نعم، لو كانت الأسانيد تصح إلى هذا الصحابي
الجليل.
([51]) تنظر في صحيح مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم
النحر راكباً، رقم، 1297.
([52]) البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، رقم 1344، ومسلم،
كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا r، رقم 2296.
([53]) البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي r سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، رقم 3654، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من
فضائل أبي بكر، رقم 2382.
([54]) مسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، رقم
532.
([55]) البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، رقم (114) و ينظر: (3053)
و (3168) و (4431) و (4432) و (5669) و (7366)، ومسلم (1637/20و21و22).
([56]) أحمد، 2/211، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب رقم (64).
([58]) وينظر: مجمع الزوائد 1/169، وجامع العلوم والحكم، 2/115-116.
([59]) قلت: علق أحد المحكَّمين الفضلاء: لا يجوز تضعيف الرواة هكذا
بإطلاق، فالراوي الضعيف يؤخذ من حديثه ويرد حسب القرائن، فقد يهم الثقة ويضبط
الضعيف أحياناً.
([60]) علق أحد المحكمين الأفاضل: هذه الزيادة يشم منها رائحة الظروف
السياسية في الشام إبان حكم الأمويين الذين حكموا الناس بنظرية قداسة الحكام،
وأنهم ملهمون من عند الله، وما على الناس إلا الانقياد والطاعة.
([61]) ابن رجب، جامع العلوم والحكم، 2/111.
([62]) مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة،
باب ، رقم
867.
([63]) البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول
الله r، رقم 7277.
([66]) جامع بيان العلم: 2/182.
([68]) جامع العلوم والحكم 2/109-110.
([69]) ينظر: ابن حجر، نزهة النظر ص20-21 وأسامة خياط، مختلف الحديث،
ص25-27 و د.شرف القضاة، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، مجلد 28، ع2، 2001،
ص324-325، وهناك عدة تعريفات وقد اخترت التعريف المذكور .
([70]) البخاري 4340، مسلم 1840.
([71]) ابن رجب 2/120-121.
([72]) مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء، رقم 1839.
([74]) مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، رقم 1847،
والحديث سنده منقطع بهذه الزيادة.
([75]) ينظر: صحيح مسلم الأحاديث 1834-1855، كتاب الإمارة، باب وجوب
طاعة الأمراء في غير معصية.
([76]) ينظر ابن حجر، فتح الباري 13/122.
([77]) ينظر صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب رقم 1، رقم 3495
ومسلم، كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، رقم 1818 و 1819.
([78]) علق أحد المحكمين: لا تعارض بين أن يكون قرشياً وأسود اللون،
وهذا موجود في قريش إلى اليوم. قلت: فأين نذهب بعبارة حبشي؟ مع أني بينت ردود العلماء فيما بعد.
([79]) البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام
ما لم تكن معصية، رقم 7142.
([80]) مسلم، الجامع الصحيح، كتاب المساجد، باب كراهية تأخير الصلاة،
رقم 648.
([81]) ابن حجر، الفتح 13/122 وينظر: ابن رجب، جامع العلوم والحكم
2/120.
([82]) ابن حجر، الفتح 13/122.
([83]) البخاري، كتاب الأحكام ، باب الأمراء من قريش، رقم 7140، ومسلم، كتاب
الإمارة، باب الناس تبع لقريش، رقم 1820.
([84]) ابن رجب , جامع العلوم والحكم 2/119.
([85]) ابن حجر، الفتح، 13/122.
([87]) أخرجه الإمام أحمد وصححه ابن حبان 1610، وينظر جامع العلوم
والحكم 2/120، ومفحص القطاة: موضع القطاة التي تجثم فيه، وكأنها تفحص عنه التراب،
النهاية في غريب الحديث 3/415، والقطاة: طائر، أساس البلاغة 1/191.
([88]) مسلم 2009 أبو داود 1907 وابن خزيمة 2597 وابن حبان 1137.
([89]) ينظر: البخاري (114) و (2997) و (4168) و (4169) و (5345) و
(6632) و (7366) ومسلم (1637).
([90]) ابن رجب؛ جامع العلوم 2/120.
([91]) ينظر: الحازمي، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 23-24.
([92]) البخاري، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، رقم 7207.
([93]) الطحاوي، مشكل الآثار، البيهقي، السنن الكبرى 5/15 وسنده صحيح.
([94]) ينظر: علي محمد الصلابي، عمر بن الخطاب ص155.
([95]) ينظر: صحيح مسلم، كتاب الطلاق، باب الطلاق الثلاث، 1472.
([96]) ينظر: صحيح البخاري، كتاب الأحكام ، باب كيف يبايع الإمام الناس، رقم 7207،
، وطبقات
ابن سعد 3/342.
([97]) ينظر: الصلابي ص315 فما بعد.
([98]) ينظر: الصلابي 365 فما بعد.
([99]) ينظر: الأساس في السنة، قسم السيرة 3/1675.
([101]) مسند الإمام أحمد 5/382 وجامع الإمام الترمذي 3663.
([102]) وأخرجه ابن حبان 6902 .
([103]) أخرجه الإمام أحمد 5/220 وأبوداود 4637.
([105]) أخرجه أحمد 2/401 وصححه ابن حبان 6889 و 6895.
([106]) رواه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور 2/686.
([107]) أخرجه البخاري 3664 ومسلم 2392، ابن رجب، جامع العلوم والحكم،
2/121-126 باختصار.
([108]) علق أحد المحكمين ما مضمونه: أن كل ما سيرد من إحداث الصحابة ليس
بدعة إلا في المعنى اللغوي. قلت: وأنا أقره على ذلك، وقد بينت هذا فيما سيأتي.
([109]) ينظر: البخاري، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان، رقم
2010.
([110]) ينظر: البخاري، كتاب الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة، رقم 912.
([111]) ينظر: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن،
رقم 4986.
([112]) ابن رجب 2/128 فما بعد.
([113]) ينظر: سعيد حوّى، الأساس في السنة وفقهها، قسم العقائد، ج2 ص 909 وما بعدها.
([114]) ينظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 5/167-168، وابن كثير،
تفسير القرآن العظيم، 1/529، وسعيد حوى، الأساس في التفسير، 2/1111.
([115]) الزحيلي التفسير المنير 1/56 ، وينظر: رسائل العدل والتوحيد ص89.
([117]) أخرجه أحمد 2/244 ومسلم 8/54 وأبو داود 4714، وينظر: المسند
الجامع 2145 و 12690 و 12694.
([119]) الفيروز أبادي، القاموس المحيط، 3/3.
([120]) الجوهري، الصحاح 3/1184.
([121]) البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، رقم 2697،
ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، رقم 1718.
([123]) اقتضاء الصراط المستقيم 594 .
([124]) عون المعبود 12/360 .
([125]) السابق، وينظر: ابن رجب جامع العلوم والحكم 2/128 .
([126]) أبو نعيم، الحلية 9/113 وابن رجب 2/131 .
([128]) السيوطي، الأمر بالاتباع، ص8 .
([130]) البكرية: أتباع بكر بن عبد
الواحد، وهو ممن وافق النظام في دعواه بأن الإنسان هو الروح دون الجسد، ينظر:
الفرق بين الفرق ص212.
([131]) ينظر البغدادي، أصول الدين ص339.
([132]) من ذلك الاعتصام للإمام الشاطبي، وكتاب البدعة للدكتور عزت علي
عطية، وكتاب البدعة في المفهوم الإسلامي للدكتور عبد الملك السعدي.