دراسة
نقدية
في
حديث
«
الماء
طهور لا ينجسه شيء »
د. محمد سعيد حوى
جامعة مؤتة / كلية الشريعة
قسم أصول الدين
ملخص
كثيرة
هي المسائل الفقهية الفرعية التي لا زالت تحتاج إلى تحقيق وتحرير، وكثير من تلك
المسائل بنيت على أحاديث اختلف الرواة في ألفاظها، واختلف المحدثون في تصحيحها، واختلف
الفقهاء في فهمها أو في الجمع بينها وبين غيرها.
ومن
تلك المسائل مسألة طهورية الماء، التي بنيت على حديث: « الماء طهور لا ينجسه شيء »،
وهو حديث كثر الخلاف حوله من حيث النقد الحديثي، والتعامل الفقهي، حتى وجدنا من
يقول: إن الماء لا تؤثر به النجاسة مطلقاً، بناءً على هذا الحديث.
فقمت
بهذه الدراسة التفصيلية عنه، والتي توصلت من خلالها إلى أنه لا ينبغي للفقهاء أن
يجهدوا أنفسهم في تأويل حديث والجمع بينه وبين غيره إذا كان في ميزان النقد
الحديثي لا يصح.
ووجدت بأن هذا الحديث ـ وهو حديث بئر بضاعة ـ لا يصح متناً
ولا سنداً.
فمتن الحديث مخالف لعدد من الأحاديث الصحيحة الثابتة
التي تؤكد تأثر الماء بالنجاسة، وجمهور الفقهاء لم يأخذوا بظاهر هذا الحديث.
وإسناد الحديث مَدارُه على رجل مجهول، وقد ضعفه وأعَلَّه
عدد من العلماء المتقدمين، والمتابعات والشواهد التي حسن بها بعض العلماء هذا
الحديث ليست مطابقة لمعناه، أو لا تصح.
Summary
There
are many jurisprudential subsidiary issues that need to be verified and edited
and many of such issues were built on the talks where narrators were different
in respect to their terms and relators were different in correction.
One
of such issues is the "water purification" which was built on the
hadith: "Water is pure and nothing makes it impure". This hadith was
controversial in terms of the hadith criticism and jurisprudential dealing,
that some say: "Impurity can never affect water", based on this
hadith.
I
have conducted this detailed study about it, and I found that jurisprudential
scholars should not bother themselves in interpreting one hadith mixing between
it and another if this is not good in terms of hadith criticism.
I
found that this hadith – which is Ba'ar Badha'a Hadith- has no good text or
source. The text of the hadith is contrary to many true fixed hadiths which
affirm that water is affected by impurity. Furthermore, public scholars have
not depended on the surface meaning of the hadith.
Furthermore,
the source is not known, and its value was reduced by a number of the earlier
scholars. The evidence that was taken by some scholars to approve this hadith
was not in conformity to the meaning of the hadith.
مقدمة
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله
وبعد:
فقد
تكفل الله بحفظ كتابه، ومن ثم بحفظ هذا الدين العظيم.
وكان
من أثر ذلك أن هيأ الله أعلاماً جهابذة أفذاذاً حفاظاً ثقاةً نذروا أنفسهم وحياتهم
ووقتهم وكل جهدهم لخدمة سنة رسول الله r
، فقعدوا القواعد، وصنفوا في كل فن من فنون الحديث رواية ودراية، ولم يألوا جهداً
في الذب عن سنة رسول الله r
، وإعلاء شأنها، وبيان صحيحها من سقيمها، وسليمها من معلولها.
لتكون
بين يدي العلماء والفقهاء والقانونيين والمفكرين والمربين والقادة، ليستنبطوا
العقائد والأحكام والآداب والآخلاق والتوجيهات في كل مناحي الحياة.
ولعظم
الجهود المبذولة في ذلك كله؛ فإننا نلحظ في هذا العصر الحاجة إلى دراسة المسائل
الجزئية التي وقع فيها اختلاف بين العلماء السابقين؛ لعلنا نصل إلى تحرير هذه
المسائل، سواء ما يتصل بالتصحيح والتضعيف والتعليل، أو ما يتعلق بالأحكام، فضلاً
عن إيلاء المستجدات وحاجات العصر ما تستحق من رعاية واهتمام.
إذ
إنه عندما تتوجه همة طالب علم إلى دراسة جزئية ما، ويستفرغ وقته وجهده في ذلك،
ويطلع على ما قرره العلماء السابقون، ويوازن بين أقوالهم وأدلتهم، فإن ذلك أعون
على التحقيق والتمحيص والتدقيق.
كما
أننا بحاجة في هذا العصر أن نسترجع قواعد نقد الحديث الدقيقة للمتقدمين، وتقديم
الدراسات التفصيلية في هذا الجانب، لعلنا نصل إلى الراجح فيما اختلف فيه العلماء،
قدر الجهد البشري، الذي يحتمل الصواب والخطأ، آملاً أن أقدم من خلال هذا البحث
نموذجاً من الدراسات النقدية؛ أضعها بين يدي طلبة لعلهم يفيدوا منها.
ولما
رأيت أن حديث : « الماء طهور لا ينجسه شيء » من الأحاديث التي كثر الخلاف حولها،
من حيث النقد الحديثي، والتعامل الفقهي، حتى وجدنا من يقول: إن الماء لا تؤثر به
النجاسة مطلقاً، بناءً على هذا الحديث؛ رأيت أن أقوم بدراسة تفصيلية عنه، رواية
ودراية، لعلها تكون مساهمة متواضعة في علم النقد، وأنموذجاً لمعالجة بعض الاختلاف
عند الفقهاء، وفق أسس نقدية متكاملة، ملاحظاً المعاني السابقة التي ذكرتها.
ولتحقيق
ذلك جعلت البحث في مطالب:
المطلب
الأول: نص الحديث، وبيان مفرداته.
المطلب
الثاني: تخريج الحديث، وبيان ألفاظه.
المطلب
الثالث: نقد الأسانيد وبيان عللها إجمالاً.
المطلب
الرابع: شواهد الحديث وما في حكمها.
المطلب
الخامس: آراء العلماء في نقد الحديث ومناقشتها.
المطلب
السادس: اتجاهات الفقهاء في التعامل مع حديث بئر بضاعة.
ثم كانت الخاتمة، وفيها أهم النتائج.
فإن
وفقت فمن الله، وإن كانت الأخرى فمن نفسي، ولا أدعي كمالاً ولا بعض بعضه، وإنما هي
محاولة قدر الجهد البشري، ومن شأن الجهد البشري القصور والضعف والخطأ.
راجياً
من أهل العلم التسديد والتوجيه، مقدماً بين يدي ذلك شكري وتقديري ودعائي.
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د.
محمد سعيد حوى
ت
9 رجب 1431هـ
20
/ 6 / 2010م
المطلب
الأول
نص
الحديث وبيان مفرداته
نص الحديث:
عن أبي سعيد الخُدْري؛ قال: قيل يارسول الله أنتوضأ من
بئر بُضاعة ؟ وهي بئر يلقى فيها الحِيَضُ ولُحوم الكلاب والنتن ؟
فقال رسول الله r : « إن الماء طَهُورٌ لا ينجسه شيء »([1]).
مفردات الحديث:
بئر بُضاعة: بئر معروفة في المدينة، والمحفوظ بضم الباء،
وأجاز بعضهم كسرها([2]).
وقال أبو داود: « سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قَيِّم
بئر بضاعة عن عمقها، قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة، قلت: فإذا نقص؟ قال:
دون العورة، قال أبو داود: وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي، مددته عليها ثم ذرعته،
فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان، فأدخلني إليه: هل غُيِّر
بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا، ورأيت فيها ماءً متغير اللون »([3]).
قوله: (الحِيَض) وفي رواية: (يلقى فيها المحايض) جمع
المحيض، والمقصود قطعة القماش ونحوه مما تتحفظ به المرأة([4]).
النَّتَن: كل شيء مستقذر أو مذموم حساً أو معنىً ([5]).
طَهور: بفتح الطاء هو الماء الطاهر في نفسه المطهر لغيره
مما يرفع الحدث وغيره، أما الطُّهور بالضم فهو عملية التطهر ذاتها ([6]).
المطلب
الثاني
تخريج
الحديث وبيان ألفاظه
روي الحديث من
طرق عن أبي سعيد الخدري:
1. عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، وقد اختلف في
اسمه فسماه بعضهم عبيد الله بن عبد الرحمن، وسماه آخرون عبد الله بن عبد الله،
وسماه آخرون عبد الله بن عبد الرحمن.
2. ابن أبي سعيد.
3. أبي نضرة.
4. سليط بن أيوب.
5. رجل.
جميعاً عن
أبي سعيد الخدري به، وفيما يلي بيان تفصيل ذلك:
أولاً: طريق عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد:
1. أخرجه ابن أبي شيبة (1/131)، وأحمد (3/31)، وأبو داود
رقم (66) والترمذي (66)، والنسائي (1/174)، والدارقطني (1/30)، والبيهقي (1/257).
من طرق كثيرة جميعاً عن أبي أسامة([7])، قال: حدثنا
الوليد بن كثير، قال: حدثنا محمد بن كعب القُرَظي، عن عبيد الله بن عبد الله بن
رافع ـ واختلف في اسمه كما سأبين ـ عن أبي سعيد قال: قيل يارسول الله r : أنتوضأ من بئر بُضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها
الحيضُ ولُحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله r : « إن الماء طهور لا ينجسه شيء ».
قال الترمذي: « هذا حديث حسن، وجوّدَ أبو أسامة هذا
الحديث، فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي
هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد »([8]) وسأوضح مراده
من ذلك.
2. وأخرجه أحمد (3/86)، والدارقطني (1/31)، من طريق
إبراهيم بن سعد، وأبو داود (67) والدارقطني (1/30) والبيهقي (1/257)، من طريق محمد
بن سلمة، والطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/11)، والدراقطني (1/31) من طريق أحمد بن
خالد الوهبي؛ ثلاثتهم (إبراهيم ومحمد بن سلمة والوهبي) عن محمد بن إسحاق، عن سَليط
بن أيوب بن الحكم الأنصاري، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن أبي سعيد
الخدري قال سمعت رسول الله r وهو يقال
له: إنه يستقى لك من بئر بُضاعة، وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلاب والمحايض وعذر
الناس، فقال رسول الله r : « إن الماء طهور لا ينجسه شيء ».
وصرح أحمد في روايته بسماع ابن إسحاق من سليط.
3. وأخرجه أحمد (3/86) قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن
سعد، قال حدثنا أبي (إبراهيم بن سعد)، عن الوليد بن كثير، وأخرجه الدارقطني (1/32)
من طريق يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق، وأخرجه
الدراقطني (1/31) من طريق عبيد الله بن سعد قال حدثني عمي، قال: أخبرنا أبي عن ابن
إسحاق كلاهما (ابن إسحاق والوليد بن كثير) قالا: حدثنا عبد الله بن أبي سلمة، أن
عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع حدثه، أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أنه قيل
لرسول الله r : أتتوضأ من بئر بضاعة؛ وهي بئر يطرح فيها
المحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله r : « إن الماء طهور لا ينجسه شيء ».
إلا أن ابن إسحاق سماه في روايته عبد الله بن عبد الله.
4. وأخرجه الطحاوي (1/11) قال حدثنا محمد بن خزيمة بن
راشد البصري، قال حدثنا الحجاج بن المنهال، قال حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن
إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله r كان يتوضأ من بئر بضاعة، فقيل: يارسول الله؛ إنه يلقى فيه الجيف
والمحائض، فقال: « إن الماء لا ينجس ».
ثانياً: طريق ابن أبي سعيد عن أبيه:
أخرجه أحمد (3/15) قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث،
والنسائي (1/174) قال أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال حدثنا عبد الملك بن عمرو،
والطحاوي (1/12)، من طريق عيسى بن إبراهيم، والبيهقي (1/257)، من طريق عبد الله بن
مسلمة، أربعتهم (عبد الصمد وعبد الملك وعيسى وابن مسلمة) قالوا: حدثنا عبد العزيز
بن مسلم عن مطرف بن طريف، عن خالد بن أبي نوف، عن سليط عن ابن أبي سعيد عن أبيه قال:
مررت (وفي بعض الروايات: انتهيت أو أتيت) بالنبي r وهو يتوضأ
من بئر بُضاعة، فقلت: أتتوضأ منها وهي يُطرح فيها ما يكره من النتن؟ فقال: « الماء
لا ينجسه شيء ».
ثالثاً: طريق أبي نضرة عن أبي سعيد:
أخرجه الطيالسي (2155)، ومن طريقه البيهقي (1/258) عن
قيس بن الربيع، وأخرجه ابن ماجه (520) من طريق يزيد بن هارون، والطحاوي (1/12)، من
طريق محمد بن سعيد الأصبهاني، كلاهما (يزيد والأصبهاني) عن شريك بن عبد الله
النخعي، كلاهما (شريك وقيس) عن طريف بن سفيان البصري، عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال:
كنا في سفر فانتهينا إلى غدير وجيفة، فكففنا وكفَّ الناس، حتى أتانا رسول الله r فقال: « ما لكم لا تستقون »؟ فقلنا يارسول الله: هذه الجيفة؟!
فقال: « استقوا؛ فإن الماء لا ينجّسه شيء ».
قال شريك في روايته عند ابن ماجه: عن جابر، وقال في
روايته عند الطحاوي: عن جابر أو أبي سعيد، كما أن في متنه اختلاف عن الروايات
الأخرى.
رابعاً: طريق سليط بن أيوب عن أبي سعيد الخدري:
أخرجه البخاري في (تاريخه الكبير 3/169) قال: ثنا عبيد
بن أسباط، وابن أبي حاتم في (المراسيل ص156) قال: ثنا محمد بن إبراهيم، كلاهما
(عبيد بن أسباط ومحمد بن إبراهيم) عن أسباط بن محمد قال: ثنا مطرف عن خالد
السجستاني (هو خالد بن أبي نوف) عن محمد بن إسحاق عن سليط عن أبي سعيد الخدري
مرفوعاً: « إن الماء لا ينجسه شيء ».
خامساً: رجل عن أبي سعيد:
أخرجه عبد الرزاق في (المصنف 255) عن معمر عن ابن أبي
ذئب عن رجل عن أبي سعيد أن النبي r توضأ أو شرب
من غدير كان يلقى فيه لحوم الكلاب، قال: لا أعلمه إلا قال: والجِيَف، فذكر له ذلك
فقال: « إن الماء لا ينجسه شيء ».
الخلاصــة:
أن الحديث مداره على أبي سعيد الخدري؛ رواه عنه خمسة:
1. عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، مع الاختلاف
في اسمه.
2. ابن أبي سعيد الخدري.
3. أبو نضرة.
4. سليط.
5. رجل.
أما طريق عبيد الله بن عبد الله بن رافع، فرواه عنه
أربعة:
1. محمد بن كعب القرظي (الرواية الأولى).
2. محمد بن إسحاق عن سليط بن أيوب (الرواية الثانية).
3. عبد الله بن أبي سلمة (الرواية الثالثة).
4. محمد بن إسحاق (بدون واسطة) (الرواية الرابعة).
وقد اختلف على عبيد الله كثيراً في اسمه ولفظ متنه، أما
الاختلاف على اسمه فسأذكره.
ـ أما الاختلاف على عبيد الله بن عبد الله بن رافع في
المتن؛ فقد جاء في الرواية الأولى: أنتوضأ من بئر بضاعة وهي...، وفي الرواية
الثانية: أنه يستسقى لك من بئر بضاعة، وفي الثالثة: أتتوضأ من بئر...، وفي الرابعة
كان رسول الله يتوضأ.
ـ أما رواية ابن أبي سعيد الخدري؛ فمن طريق عبد العزيز
بن مسلم، عن مطرف، عن خالد بن أبي نوف، عن سليط، عن ابن أبي سعيد عن أبيه، بلفظ
مررت بالنبي يتوضأ من بئر ...
ـ أما رواية أبي نضرة: فمن طريق طريف بن سفيان عنه عن
أبي سعيد، واختلف عليه، فقال قيس عن طريف عن
أبي نضرة عن أبي سعيد، وقال يزيد بن هارون عن شريك عن طريف عن أبي نضرة عن
جابر، وقال محمد بن سعيد الأصبهاني عن شريك عن طريف عن أبي نضرة عن سعيد أو جابر.
وأما لفظه؛ ففيه: كنا في سفر فانتهينا إلى غدير وجيفة،
وليس فيه ذكر بئر بضاعة.
المطلب الثالث
نقد الأسانيد وبيان علل الحديث إجمالاً ([9])
رأينا أن الحديث روي من طرق عن أبي سعيد([10])، وفيما يلي بيان
أحوالها:
1. عبيد الله
بن عبد الله بن رافع بن خديج:
اختلف في اسمه كثيراً، فأكثر الرواة عن أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن كعب، سموه عبيد
الله بن عبد الله بن رافع، وسماه ابن أبي شيبة والنسائي، من طريق هارون بن عبد الله عن أبي أسامة: عبيد الله بن عبد الرحمن،
وسماه البيهقي في رواية: عبد الله بن عبد الله، وسماه سليط وعبد الله بن أبي سلمة
في رواية: عبيد الله بن عبد الرحمن، إلا أنه سماه في رواية الدارقطني، عن عبد الله
بن أبي سلمة: عبد الله بن عبد الله، وسماه ابن إسحاق في روايته: عبد الله بن عبد
الرحمن. فتحصّل من ذلك أنه سمي بـ: عبيد الله بن عبد الله، وعبد الله بن عبد
الرحمن، وعبد الله بن عبد الله، وعبيد الله بن عبدالرحمن، قال ابن القطان الفاسي:
في هذا الرجل خمسة أقوال([11])، أقول: هي ما
سبق ذكره، وأضاف ابن حجر الخامس، وهو عبد الرحمن بن رافع، ونسبها لابن إسحاق، ونص البخاري
أن هذا القول وهم([12]).
قال أحمد في رواية: قال أبو أسامة مرة: عبيد الله بن عبد
الرحمن([13]) وقال أبو
داود: سماه بعضهم عبد الرحمن بن رافع، "يعني عبيد الله بن عبد الرحمن بن
رافع"([14]).
وذكره ابن حجر في عبيد الله بن عبد الله، وترجمه في عبيد
الله بن عبد الرحمن تبعاً للمزي، وأشار إلى الاختلاف فيه، وقال قيل أنهما اثنان([15]).
وإنما أراد بفعله هذا أن يؤكد أنهما واحد، وهذا ما رجحه
الترمذي، مرجحاً أنه عبيد الله بن عبد الله، كما نقلت([16])، وصنيع أبي
داود يدل على ذلك، إذ أسنده من طريق عبيد الله بن عبد الله، ثم قال: وقال بعضهم:
عبد الرحمن بن رافع([17])، أي عبيد الله
بن عبد الرحمن. وترجمه ابن حجر في: عبيد الله بن عبد الرحمن([18])، وقال: ويقال:
ابن عبد الله.
أقول: وسبقت الإشارة إلى أن فيه خمسة أقوال، ونسب ابن
حجر إلى ابن القطان الفاسي قوله: وكيف ما كان فهو لا يعرف له حال، اهـ. وقال ابن
منده: مجهول([19]).
وذكره ابن حبان في الثقات، وفق منهجه في ذكر المجهولين
ممن روى عن ثقة، وروى عنه ثقة([20])، ولم يوثقه
صراحة ونصاً.
وقال ابن حجر في التقريب: مستور([21])، كما قال ابن
حجر: نعم صحح حديثه أحمد وغيره([22]). أقول: ومما
هو معلوم عند النقاد أن تصحيح حديث لا يقتضي توثيق رواته.
الرواة عن عبيد
الله بن عبد الله:
أصحها طريق أبي أسامة وسبقت الإشارة إلى ترجمته وهو ثقة
ثبت([23])، وجميع الرواة
إلى عبيد الله ثقات، فلا نحتاج إلى ترجمتهم، والعلة في هذا الإسناد: في كون عبيد
الله نفسه مجهولاً، وأشار إلى ذلك الترمذي وابن منده وابن القطان كما بينت.
ومع ذلك فقط اضطرب الرواة في إسناد حديثه:
1. اختلف على الوليد بن كثير
فرواه أبو أسامة عنه عن محمد بن كعب القرظي عن عبيد الله
بن عبد الله.
ورواه يعقوب إبراهيم بن سعد عن أبيه عن الوليد عن عبدالله بن سلمة عن
عبيدالله بن عبد الرحمن.
ورواية أبي أسامة أثبت كما بين الترمذي.
2. اختلف على ابن إسحاق:
فرواه عبيد الله بن سعد بن إبراهيم([24])؛ عن عن عمه عن
أبيه([25])، عن ابن إسحاق
عن عبد الله بن سلمة المرادي([26])، عن عبيد الله
بن عبد الرحمن.
ورواه إبراهيم بن سعد([27]) ومحمد بن سلمة([28]) وأحمد بن خالد
الوهبي، ثلاثتهم عن محمد بن إسحاق عن سليط عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع،
فذكروا بين ابن إسحاق وعبيد الله سليطاً، مكان عبد الله بن سلمة، وهم أوثق وأكثر،
وفي هذا الإسناد عنعنة ابن إسحاق عن سليط وهو مدلس، وسليط مجهول، كما سنبين.
وخالفهم الحجاج بن المنهال([29])، فرواه عن
حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق عن عبيد الله بن عبد الرحمن، وفيه عنعنة ابن إسحاق،
وهو مدلس، والأشهر مارواه الثلاثة الثقات: إبراهيم بن سعد ومحمد بن سلمة وأحمد بن
خالد الوهبي، عن ابن إسحاق عن سليط عن عبيد الله بن عبد الرحمن.
فالظاهر أن ابن إسحاق كان يذكر سليطاً أحياناً ويسقطه أحياناً
أخرى، إذ إن سليطاً مجهول.
2. ابن أبي
سعيد الخدري:
هو عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، الأنصاري، الخزرجي،
ثقة (ت112هـ) روى له البخاري تعليقاً والأربعة([30])، وقد تابع
عبيدَ الله، لكن الطريق إليه لم يصح، إذ رواه عنه:
الرواة عن ابن
أبي سعيد:
1. سَلَيط بن أيوب، ذكره ابن حبان في الثقات([31])،ولم يوثقه
أحد، فهو في عداد المجهولين.
2. خالد بن أبي نوف ذكره ابن حبان في الثقات([32])، ولم يوثقه
أحد، واختلف في اسمه([33])، فهو في عداد
المجاهيل أيضاً وباقي رواته ثقات، وقد اختلف على خالد بن أبي نوف، كما سأشير بعد
قليل.
3. أبو نضرة:
هو المنذر بن مالك بن قُطعة، ثقة (ت108 أو 109هـ) روى له
البخاري تعليقاً، ومسلم والأربعة([34]). وقد تابع
عبيد الله لكن الطريق إليه لم يصح أيضاً.
الرواة عن أبي
نضرة:
طريف بن سفيان، أبو سفيان، وقيل ابن شهاب، وقيل ابن سعد،
قال أحمد: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه، وضعفه ابن معين وأبو حاتم، وقال البخاري: ليس
بالقوي عندهم، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال: واهي الحديث، وقال النسائي: متروك،
وقال ابن حبان: كان مغفلاً يهم في الأخبار، حتى يقلبها، ويروي عن الثقات، فلا يشبه
حديث الأثبات، قال ابن عبد البر: اجمعوا على ضعفه. ([35])
أقول: وقد اضطرب في حديثه فمرة يقول عن أبي سعيد، ومرة
عن جابر، مع مخالفته في المتن كما سبقت الإشارة.
وقد رواه عنه اثنان:
1. قيس بن الربيع، وهو صدوق يخطئ، وتغير لما كبر، وأدخل
عليه ابنه ما ليس من حديثه([36]).
2. شريك بن عبد الله النخعي، صدوق يخطئ كثيراً، وتغير
حفظه منذ ولي القضاء([37]).
4. أما رواية
سليط عن أبي سعيد؛ فهي منقطعة
ومخالفة لكل الروايات عن سليط عن عبيد الله، وسليط مجهول، كما سبق، وقد رواه عنه
خالد بن أبي نوف، وهو مجهول أيضاً، كما سبق.
ثم إنها من رواية محمد بن إسحاق عنه، وقد رأينا أن أكثر
الرواة رووا الحديث عن ابن إسحاق عن سليط عن عبيد الله بن عبد الرحمن، أو ابن
إسحاق عن عبيد الله بن عبد الرحمن، أو ابن إسحاق عن عبد الله بن سلمة عن عبيد
الله؛ ليس فيها: سليط عن أبي سعيد.
كما أنه اختلف في هذا الإسناد على مطرف بن طريف.
فرواه عبيد بن أسباط، صدوق([38])، ومحمد بن
إبراهيم، وهو محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، ثقة حافظ([39])، عن أسباط بن
محمد، ثقة، ضعف في الثوري([40])، عن مطرف بن
طريف، ثقة([41])، عن خالد عن
ابن إسحاق عن سليط عن أبي سعيد.
فيكون في هذا الإسناد أربع علل:
1. الانقطاع بين سليط وأبي سعيد.
2. وعنعنة ابن إسحاق.
3. الاختلاف على ابن إسحاق.
4. وجهالة خالد بن أبي نوف.
وخالف في ذلك عبد العزيز بين مسلم، وهو ثقة ربما وهم([42])، فرواه عن مطرف
عن خالد بن أبي نوف عن سليط عن ابن أبي سعيد، فأسقط ابن إسحاق بين خالد وسليط،
وجعل الحديث من رواية سليط عن ابن أبي سعيد عن أبيه.
ومع كون مدار كل الطرق على خالد بن أبي نوف، وهو مجهول،
فهي مضطربة كما ترى.
5. أما رواية
معمر عن ابن أبي ذئب؛ ففيها جهالة
الرجل عن أبي سعيد الخدري، ومتنه مضطرب؛ فقد قال فيه : (توضأ أو شرب).
المطلب الرابع
شواهد الحديث وما في حكمها
الشاهد الأول: أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/12) من طريق أصبغ
بن الفرج، قال حدثنا حاتم بن اسماعيل، والدارقطني في سننه (1/32) من طريق فضيل بن
سليمان، كلاهما (فضيل وحاتم) عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن أمه قالت: دخلنا على
سهل بن سعد في أربع نسوة فقال: "لو سقيتكم من بئر بضاعة لكرهتم ذلك، وقد سقيت
رسول الله منها بيدي". وفي رواية الدارقطني شرب رسول الله من بئر بضاعة.
وفي هذا الحديث علل:
1. فضيل بن
سليمان، يخطئ كثيراً([43])، وحاتم، صدوق
يهم([44])، ومحمد بن أبي
يحيى، وثقه العجلي وأبو داود، وتكلم فيه يحيى القطان، وقال ابن شاهين: فيه لين([45]). ومدار الحديث
عليه، عن أمه، وأمُه مجهولة لا تعرف([46])، ثم إن موضع
الشاهد؛ وهو قوله: « الماء طهور لا ينجسه شيء » لم ترد في النص فلا يصح شاهداً.
2. وأخرجه ابن
حزم في المحلى 1/155 بإسناد ولفظ آخر فقال: حدثنا همام قال حدثنا عباس بن أصبغ،
قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن، قال
حدثنا محمد بن وضاح، قال حدثنا أبو علي عبد الصمد ابن أبي سكينة (وهو ثقة) (كذا في
المحلى) قال حدثنا عبد العزيز ابن أبي حازم، أبو تمام عن أبيه، عن سهل بن سعد
الساعدي، قال: قالوا يارسول الله : إنا نتوضأ من بئر بضاعة، وفيها ما ينجي الناس،
والمحائضُ والجيفُ، فقال رسول الله r : « الماء
طهور لا ينجسه شيء »، وهذا الطريق لا يصح أيضاً؛ ففيه:
1. محمد بن وضاح؛ قال فيه الذهبي: محدث الأندلس مع بقي
بن مخلد، أخذ عن أصحاب مالك والليث، وروى علماً جماً. ثم قال الذهبي: قال ابن
الفرضي: له خطأ كثير وأشياء يصحفها، وكان لا علم له بالفقه ولا بالعربية، ثم قال
الذهبي: هو صدوق في نفسه([47]) أ.هـ، ومن هنا
ندرك لِمَ تفرد ابن حزم بهذه الرواية؟ فهو أندلسي، ومن ثمّ هل يمكن أن يحتج بها؟
2. أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة: وثقه ابن حزم في
كتابه المحلى([48])، ولا نجد له
ترجمة في كتب الجرح والتعديل، فهو مجهول، ونقل ابن حجر عن ابن عبد البر قوله فيه:
مجهول([49]).
الشاهد الثاني:
عن ابن عباس رضي الله عنه، أن امرأة من أزواج النبي r اغتسلت من جنابة، فجاء النبي r يتوضأ من
فضلها، فقالت له، وفي رواية فقالت: « إني اغتسلت منه »، فقال r: « إن الماء لا ينجسه شيء ».
أ. أخرجه عبد
الرزاق (396)، وأحمد(1/235 و 284 و 308)، وابن الجارود في (المنتقى رقم 48 و 49)
وابن ماجه (370)، والنسائي (1/173) وابن خزيمة (109) والطحاوي في (شرح معاني
الآثار 1/26)، وابن حبان (1242) والبيهقي (1/267) من طرق عن سفيان الثوري عن سماك
بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس به.
إلا أنه عند أحمد (1/235) عن وكيع عن سفيان بلفظ فاغتسل
النبي r أو توضأ، ولم يذكر: « إن الماء لا ينجسه شيء ».
وكذا
نحوه عند ابن ماجه من طريق وكيع بلفظ: « فتوضأ واغتسل بفضل وضوئها »، ولم يذكر: « إن
الماء لا ينجسه شيء ».
ب. وأخرجه ابن
خزيمة رقم (91) والحاكم (1/159) كلاهما من طريق شعبه والطبراني (11715) من طريق
حماد بن سلمة كلاهما عن سماك به نحوه.
ج. وروي الحديث
بلفظ "إن الماء لا يُجنِب" أخرجه ابن أبي شيبة (1/131) والترمذي (65)
وأبو داود (68) وابن ماجه (371) وأبو يعلى (2411) وابن حبان (1241) والطبراني
(11716) والبيهقي (1/189 و 267). من طرق عن أبي الأحوص سلاّم بن سُليم عن سماك به،
إلا أن لفظه عند أبي يعلى وابن حبان والطبراني من هذا الطريق « إن الماء لا ينجسه
شيء ».
د. ورواه شريك
بن عبد الله عن سماك، أخرجه الطيالسي (1/42) ومن طريقه ابن ماجه (372) والدارقطني
(1/53)، ولفظه فتوضأ واغتسل بفضل وضوئها، وأخرجه أحمد (1/337) من طريق الحجاج بن المنهال عن شريك بلفظ: « الماء ليس عليه
جنابة، أو إن الماء لا ينجسه شيء » على الشك. وأخرجه الدارقطني (1/52) من طريق يحيى بن أبي بكير عن شريك بلفظ: « الماء
ليس عليه جنابة ». وأخرجه الدرامي (740) من طريق يزيد بن عطاء عن سماك به
بلفظ: « ليس على الماء جنابة ».
والحديث مضطرب فهو من رواية سماك عن عكرمة وقد اختلف
العلماء في توثيق سماك إلا أن أحمد قال: مضطرب
الحديث، وكذا نص غير واحد أن رواية سماك عن عكرمة خاصة مضطربة([50])، وقد رأينا أثر الاضطراب في روايته. فمرة يقول: الماء
لا ينجسه شيء، ومرة: إن الماء لا يجنب، أو إن الماء ليس عليه جنابة، وفي رواية
وكيع عن سفيان لم يذكر إلا أنه توضأ أو اغتسل بفضل وضوئها، فإذا نظرنا في سبب
وروود الحديث علمنا أنه لا تعلق له بحديث الباب، وإنما ورد في حكم الوضوء بفضل
المرأة وحكم الماء المستعمل، وهل يؤثر اغتسال المرأة بالماء أو رفع
الجنابة به على طهوريته أم لا؟ فليس من موضوع حديثنا.
أما الشاهدان عن عائشة وجابر ،
فكلاهما لا يثبت كما بين
المباركفوري في شرحه للحديث([51]).
المطلب الخامس
آراء العلماء في نقد الحديث
أولاً: بيان آراء
من صحح الحديث:
1. نقل عن الأمام أحمد أنه صحح الحديث، فقد روى أبو
الحسن الميموني عن أحمد أنه قال: « حديث
(بئر بُضاعة): صحيح، وحديث أبي هريرة: (لا يبال في الماء الراكد): أثبت وأصح
إسناداً »([52]).
2. ونقل ابن حجر عن أحمد وابن معين أنه صحيح([53]).
3. قال الترمذي: هذا
حديث حسن، وقد جوّد أبو أسامة هذا الحديث، فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في
بئر بُضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد([54]).
4. وذهب ابن حزم إلى صحة هذا الحديث، وقال: بل الماء لا
ينجس أصلاً([55]).
5. وقال ابن حجر: قال ابن منده في حديث أبي سعيد: هذا
إسناد مشهور([56]).
6. حاول المباركفوري أن يدافع عن الحديث ويثبت صحته
قائلاً: "أما إعلاله بجهالة الراوي عن أبي سعيد فليس بشيء، فإن جهله ابن
القطان؛ فقد عرفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وأما إعلاله باختلاف الرواة في اسمه
واسم أبيه؛ فهو أيضاً ليس بشيء؛ لأن اختلاف الرواة في السند أو المتن لا يوجب
الضعف إلا بشرط استواء وجوه الاختلاف..."، ثم بيّن أن باقي الروايات مرجوحة،
ثم ساق عدداً من الشواهد على نحو ما ذكرت([57]).
7. وذهب الشيخ ناصر الألباني إلى الحكم بصحته([58]).
ثانياً: بيان آراء
من ضعَّفه أو أعلَّه:
ونقد الحديث علماء آخرون:
1. نقل ابن الجوزي عن الدارقطني قوله: إنه ليس بثابت.
اهـ، قال ابن حجر: ولم نر ذلك في العلل له ولا في السنن، وقد ذكر في العلل
الاختلاف فيه على ابن إسحاق وغيره، وقال في آخر الكلام عليه: وأحسنها إسناداً
رواية الوليد بن كثير عن محمد بن كعب يعني عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع عن
أبي سعيد([59]).
2. وأعله ابن القطان بجهالة راويه عن أبي سعيد واختلاف
الرواة في اسمه واسم أبيه، وقال ابن القطان: له طريق أحسن من هذه (وذكر طريق ابن
أصبغ الذي رواه عنه ابن حزم، ونقل عن ابن حزم قوله: ابن أبي سكينة ثقة مشهور)،
وتعقبه ابن حجر بقوله: ابن أبي سكينة الذي ترجم له ابن حزم أنه مشهور؛ قال ابن عبد
البر وغير واحد: إنه مجهول، ولم نجد عنه راوياً إلا محمد بن وضاح([60]).
3. وعلق ابن التركماني على حديث بئر بضاعة بما يفيد عدم
قبوله له، إذ نقد بعض طرقه([61])، وسيرد تفصيل
ذلك إن شاء الله.
مناقشة آراء
النقاد:
يمكن حصر أدلة القائلين بصحة الحديث فيما يأتي:
1. أن الإمام أحمد ويحيى بن معين صححا الحديث، وأن الترمذي حسنه، وقول ابن منده: إسناد مشهور.
2. وعليه أن عبيد الله بن عبد الله بن رافع ليس مجهولاً.
3. أن الاختلاف في اسمه لا يضر لكون من سماه بهذا الاسم
أرجح من غيره.
4. أنه توبع من قبل رواية ابن أبي سعيد الخدري وأبي
نضرة.
5. وجود شواهد تؤيد صحته، منها ما
ساقه ابن حزم، وما روي عن ابن عباس أن الماء لا ينجس.
هذا غاية ما استدل به المصححون أو من نسب لهم ذلك.
ولنا أن نناقش ذلك بما يلي:
1. أن الإمام
أحمد وإن نقل عنه الميموني تصحيحه للحديث، فإنه أيضاً نقل عنه قوله: وحديث أبي
هريرة: لا يبال في الماء الراكد: أثبت وأصح إسناداً. ([62]) فماذا يعني
هذا؟ أليس فيه إشارة إلى انه حديث شاذ مخالف لروايات الأوثق إذ المعروف عند
المحدثين أن الشاذ ما خالف الثقة الثقات... فلا يجوز الاعتماد على تصحيح الإمام
أحمد ولابد من نقل عبارته كاملة.
2. أما التصحيح
عن الإمام ابن معين؛ فلا نعلم أين قال ذلك، وما دليله، ومع ذلك فقد خولف.
3. أما القول
إن عبيد الله قد عرفه أحمد ويحيى؛ فهذا لا يكفي للقول بوثاقته وضبطه، مع أن النقل
عن الإمام أحمد مجتزأ، كما سبق، وهذه ترجمته في كتب الجرح والتعديل ليس فيها ما
يفيد معرفته، فضلاً عن توثيقه، وهذا بغض النظر عن الاختلاف في اسمه، مع العلم أن
شدة الاختلاف في اسم راو مظهر من مظاهر الجهالة في بعض الأحوال.
4. أما متابعة
ابن أبي سعيد فلا تصح إليه البتة، ومعلوم أن من شروط صحة العمل بالمتابعات صحة
الطريق إلى المتابِع، ففي إسناده سليط بن أيوب وخالد بن أبي نوف وهما مجهولان، فلا
يثبت أن ابن أبي سعيد قد رواه أصلاً.
5. أما متابعة
ابن أبي نضرة؛ فلم تثبت أيضاً، ففيها طريف بن سفيان، قال أحمد ليس بشيء، والجمهور
على ضعفه أو شدة ضعفه، كما مر معنا، ورواه عنه اثنان كلاهما يخطئ: قيس بن الربيع
وشريك بن عبد الله، فأنى تثبت هذه المتابعة. فحكمها كحكم سابقتها؛ أنه لا يثبت أن
أبا نضرة روى هذا الحديث أساساَ. ولعل سبب وروود هذه المتابعات ما يعرف باتباع
الجادة، إذ أن ابن أبي سعيد وأبا نضرة من تلاميذ أبي سعيد الخدري المشهورين
بالرواية عنه ([63]).
6. وأما رواية
سليط، فمع كونه مجهولاً، فهي منقطعة ومعلولة، كما سبقت الإشارة، وفيها خالد بن أبي
نوف مجهول أيضاً.
7. ورواية معمر
عند عبد الرزاق فيها الراوي المجهول.
8. أما
الشواهد:
1. فقد بينت عللها من قبل، فالطريق الأول عن سهل بن سعد
فيه من ضعف وتكلم فيه، ومداره على امرأة مجهولة، ثم إن موضع الشاهد وهو قوله: « الماء
طهور ... » لم يذكر.
2. أما الطريق الثاني عن سهل بن سعد عند ابن حزم ففيه
محمد بن وضاح تكلم فيه ابن الفرضي، وفيه عبد الصمد بن أبي سكينة؛ قال ابن عبد
البر: مجهول.
3. أما حديث ابن عباس مرفوعاً: الماء لا ينجسه شيء.
فمداره على سماك عن عكرمة، وسماك صدوق تغير بأخرة، ويضطرب في حديثه عن عكرمة خاصة،
ثم إن التأمل في سبب ورود الحديث يبين أنه في قصة أخرى
لا تعلق لها بموضوعنا، وهي الاغتسال بفضل ماء المرأة إذا اغتسلت من الجنابة. فبين
النبي صلى الله عليه وسلم: أن هذا لا يؤثر في طهورية الماء، وبهذا يجاب عن
الروايات الأخرى التي يسوقها بعض أهل العلم عن عائشة وجابر مع أنها لم يثبت منها
شيء، قال المباركفوري: (وفي الباب عن ابن عباس وعائشة) أما حديث ابن عباس فأخرجه
أحمد وابن خزيمة وابن حبان بلفظ: إن الماء لا ينجسه شيء، ورواه أصحاب السنن بلفظ:
إن الماء لا يجنب وفيه قصة.
وقال الحازمي لا يعرف مجوداً إلا من حديث سماك بن حرب عن
عكرمة، وسماك مختلف فيه وقد احتج به مسلم كذا في التلخيص، قلت: سبق تخريجه وبينت
أن سماكاً يضطرب عن عكرمة خاصة.
قال المباركفوري: وأما حديث عائشة فأخرجه الطبراني في
الأوسط وأبو يعلى والبزار وأبو علي بن السكن في صحيحه من حديث شريك بلفظ: « إن
الماء لا ينجسه شيء »، ورواه أحمد من طريق أخرى صحيحة لكنه موقوف كذا في التلخيص.
قلت: القائل ابن المباركفوري: وفي الباب أيضاً عن جابر
بلفظ إن الماء لا ينجسه شيء، وفيه قصة، أخرجه ابن ماجه وفي إسناده أبو سفيان طريف
بن شهاب، وهو ضعيف متروك، وقد اختلف فيه على شريك الراوي عنه([64]). وهكذا ترى أن
شيئاً منها لم يصح فلا تصلح شواهد لحديث بضاعة، مع كون حديث بضاعة فيه ما لم يذكر
في الشواهد؛ وهو كون البئر يلقى فيها المحايض والنتن، وادعاء إطلاق طهورية الماء
وأنه لا ينجسه شيء.
9. أما الاعتماد على تحسين الترمذي، فإن المقام يقتضي
منا أن نكون ملمين إلماماً دقيقاً بمصطلحات الترمذي ودلالاتها.
وإذا كان المقام
لا يتسع لبسط ذلك والتدليل عليه إذ أن للترمذي مفهوماً خاصاً للحسن بينه هو بقوله:
وما ذكرنا في هذا الكتاب "حديث حسن" فإنما أردنا حسن إسناده عندنا؛ كل
حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير
وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن([65]).
وإذن فلا يقتضي
الأمر صحة الحديث، إذ قوله: لا يكون روايه متهماً؛ لا يبرّؤه من الضعف أو الجهالة،
فكون الحديث هنا مداره على عبيد الله، وكونه روى من طرق –وقد رأينا حالها- حكم
الترمذي انه حسن. فهل يعني الاحتجاج ضرورة.
إن مفهوم حسن هنا بمعنى أنه صالح للنظر فيه، وعلى أية
حال كم من حديث حسنه أو صححه الترمذي رد عليه أهل العلم حتى قال الذهبي: "لا
يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي".([66]) وقال:
"فلا يغتر بتحسين الترمذي"([67]).
مع أنني أرجح أننا لو فهمنا الترمذي حق الفهم لما كان لنا
نقد لكثير من كلامه، وليس هذا أوان بسط ذلك.
ولابد من قراءة كلام الترمذي كاملاً إذ قال: هذا حديث
حسن، وقد جوّد أبو أسامة هذا الحديث فلم يرو أحد حديث أبي سعيد أحسن مما روى أبو
أسامة، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد.اهـ([68]). إذن هو أشار
بقوله حسن إلى تعدد الطرق وعدم وجود متهم، وهذا لا يقتضي نفي خلل الضبط أو نفي
العلل الأخرى، ولذا قال: جوّد أبو أسامة هذا الحديث، أي إن غير أبي أسامة لم يضبط
روايته عن عبيد الله.
ثم في كلام الترمذي هذا جملة من العلوم والفوائد النقدية
المتصلة بالحديث يقتضي المقام فهمها، ومنها:
1. أنه اختلف في اسم عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وأن
الصواب ما رواه أبو أسامة.
2. أنه اختلف على الوليد بن كثير فرواه أبو أسامة عنه عن
محمد بن كعب ورواه غير أبي أسامة عن الوليد عن عبد الله بن أبي سلمة، والصواب ما
رواه أبو أسامة وورد تخريج ذلك كله.
3. بيّن الترمذي انه إنما حكم عليه بأنه حسن لتعدد طرقه،
مع أن كل طريق لا يخلو من ضعف كما رأينا وأشار ضمناً إلى ما في هذه الطرق من علل
رأيناها.
4. أن هذا أحسن الطرق مع كونه ينتهي بـ عبيد الله بن عبد
الله وهو مجهول كما مرّ، فإذن قوله أحسن لا يعني صحته، وقوله: جوّد؛ بيان أنه لم
يخطئ فيه أبو أسامة كما أخطأ الآخرون. فهل يكون في كلام الترمذي ما يدل على
الاحتجاج بهذا الحديث.
أدلة من أعلّ
الحديث:
رأينا أن كلاً من ابن القطان والدارقطني وابن الجوزي
وابن التركماني قد أعلوا الحديث بوجوه، وسنرى أن معظم الفقهاء لم يعملوا بالحديث،
ومع ذلك فيمكننا أن نستدل لضعف بل لرد الحديث بجملة أدلة منها:
1. ما سبق بيانه من حال رواة الحديث وأن مداره على عبيد
الله بن عبيد الله، وهو مجهول، وأن كل المتابعات والشواهد لم يصح شيء منها، إذ لم
يثبت شيء منها إلى المتابع أو الشاهد.
2. أن الشواهد إما لم تصح أو ليست في موضوع الحديث.
3. أن متن الحديث مخالف لأحاديث صحيحة في الباب، بل وأصح
منه، وأشار إلى ذلك الإمام أحمد.
ومنها: حديث القلتين، وحديث: إذا ولغ الكلب في إناء
أحدكم، وحديث: لا يبال في المال الراكد، وغيرها من الأحاديث التي سنقف عليها عند
بيان اتجاهات الفقهاء.
4. كيف سيبقى الماء طاهراً مطهراً مع أنه كان يلقى فيه
الحيض، ولحوم الكلاب والنتن، ثم كيف يصح الحديث! وقد قالوا: إنه كان يستسقى لرسول
الله r منه، وهو الذي كان يستعذب له الماء r، ففي الحديث
الصحيح عن عائشة: كان r يستعذب له
الماء من بيوت السقيا، وفي رواية: يستسقى له الماء العذب من بئر السقيا([69])، فهل يقبل بعد
ذلك حديث يسمح أن يشرب رسول الله r من بئر كلها
نتن، فإن قيل أنها لم تكن منتنة، ولا متأثرة؛ قلنا: إذن هو ماء كثير، ويكون قصد
النبي هذا الماء لكثرته ولعدم تغيره طاهر مطهر، لا أن الماء كله لا ينجسه شيء،
ولما كان ظاهر اللفظ خلاف ذلك دلّ أن الحديث لا يمكن أن يؤخذ به، وأنه لا شك دخلته
أوهام الرواة، إذ نسبوا إلى رسول الله r أن الماء لا ينجسه شيء مطلقاً.
5. أن عمل جمهور الأمة على خلاف هذا الحديث، إذ يرون أن
الماء يتأثر بالنجاسة، مع تفصيل في ذلك، ولا نراهم أخذوا بهذا الحديث إلا على سبيل
التأويل، أو التوفيق بينه وبين غيره. مما يقتضي أن نبين مذاهب الفقهاء واتجاهاتهم
في التعامل مع هذا الحديث.
المطلب السادس
اتجاهات الفقهاء في التعامل مع حديث بئر بضاعة
لا شك أن حديث بئر بضاعة مشكل جداً، إذ كيف تلقى فيه النجاسات
والنتن ثم يتوضأ منه، ويستسقى للنبي r منه، وذلك
خلاف عادة الناس فضلاً عن الصحابة، فضلاً عن رسول الله r، ثم كيف
يطلق القول بأن الماء طهور لا ينجسه شيء.
وقد عبر عن هذه الإشكالات أدق تعبير الإمام الخطابي، محاولاً
رفعه، إذ يقول: « قد يتوهم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا [إلقاء النتن
والجيف] كان منهم عادة، وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصداً وتعمداً، وهذا ما لا
يجوز أن يظن بذمّيّ، بل بوثني، فضلاً عن مسلم، ولم يزل من عادة الناس قديماً
وحديثاً، مسلمهم وكافرهم؛ تنزيه المياه وصونها عن النجاسات، فكيف يظن بأهل ذلك
الزمان، وهم أعلى طبقات أهل الدين، وأفضل جماعة المسلمين، والماء في بلادهم أعز،
والحاجة إليه أمسّ؛ أن يكون هذا صنيعَهم بالماء وامتهانهم له، وقد لعن رسول الله r من تغوط في موارد الماء([70])، فكيف من اتخذ
عيون الماء ومنابعه رصداً للأنجاس، ومطرحاً للأقذار، هذا ما لا يليق بحالهم.
وإنما كان هذا من أجل أن البئر موضعها في حدور من الأرض،
وأن السيول تكسح هذه الأقذار من الطرق وتلقيها فيها، وكان الماء لكثرته لا يؤثر
فيه هذه الأشياء، فسألوا رسول الله ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة، فقال: « إن
الماء طهور لا ينجسه شيء » »([71]).
وحاصل كلامه: كيف يتصور أن يلقي المسلمون النجاسات في
الماء الذي يتطهرون به ويشربون منه، وكيف يأذن النبي r بذلك، وحيث
لم يناقش مدى ثبوت الحديث وصحته مع كثرة إشكالاته؛ كان لا بد أن يقدم تفسيراً
مقنعاً لهذا الأمر، فأوَّلَه بأن النجاسات كانت تقع فيه بحكم انحدار البئر، وأن
الماء كان كثيراً فلا يتأثر، ولكنه يبقى مجرد تأويل من غير دليل، كما سأبين، وكان
الأَوْلى أن يدرس الحديث نقدياً، كما مرّ معنا.
وإذ رأينا هذه الاستشكالات في متن الحديث؛ فلا بد أن
ننظر في منهج الفقهاء في التعامل معه.
إن الملاحظ من تعامل جمهور الفقهاء مع حديث بئر بضاعة
أنهم لم يردوه حديثياً صراحة، ولجؤوا إلى التأويلات، أو الجمع بين النصوص، مع تعدد
مناهجهم في ذلك.
1. منهج
الحنفية:
جمع الحنفية بين حديث بئر بضاعة وأحاديث أخرى في الباب([72])؛ فقرروا مبدأ
تأثر الماء بالنجاسة، وقسموا الماء إلى قسمين: قليل وكثير، وذلك بأن حملوا حديث
بئر بضاعة على الماء الكثير الذي لم يتغير بسبب النجاسة، وإنما كان التغير-إن وجد-
لسبب آخر غير النجاسة، جمعاً مع أحاديث أخرى حملوها على الماء القليل، منها:
أ. ما رواه أبو هريرة t؛ أن رسول
الله r قال: « لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب »([73]).
ب. ما رواه أبو هريرة عن رسول الله r أنه قال: « لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم
يغتسلُ فيه »([74]).
والحديثان صحيحان، فقالوا الجمع بين النصوص بأن يحمل
حديث بضاعة على الكثير وحديثي أبي هريرة على القليل, لأنه لو اغتسل جنب من ماء
كثير لا يضر بالاتفاق ولا يصبح مستعملاً، ولو بال إنسان في ماء كثير فلم يتغير أحد
أوصافه لا يضر إجماعاً.
هذا مع أدلة
أخرى تدل على مطلق تأثر الماء بالنجاسة؛ منها:
1. ما رواه أبو هريرة عن رسول الله r : « طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن
يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب »([75]).
وفي هذا أكثر من دلالة: منها حكم القليل، وتبقى خصوصية
التطهير بالسبع لكونه من ولوغ الكلب، مع أن للحنفية رأياً آخر في اشتراط المرات
السبع إذ هم يكتفون بثلاث مرات([76]).
2. عن أبي قتادة أن رسول الله r قال في الهرة:
« إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات »([77]).
وجه الدلالة: لولا أنه بين أنها ليست بنجسة لكان يظن
نجاسة ما ولغت فيه.
3. عن أنس بن مالك t : جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي r، فلما قضى بوله أمر النبي r بذَنوبٍ ماء
فأهريق عليه([78]).
وجه الدلالة: لولا أن للنجاسة أثرها حيث حلت لما أمر
بذنوب ماء أن يهراق عليها.
4. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : « إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يديه في
الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده »([79]).
قال الحنفية: فمجموع هذه الأحاديث الصحيحة يؤكد تأثر
الماء بالنجاسة ولا بد من الجمع بينها؛ بأن يحمل بئر بضاعة على الكثير، وما سواه
على القليل، ثم لم يحددوا القليل والكثير لعدم صحة حديث القلتين عندهم، ولهم في
القليل والكثير أكثر من رأي([80]).
على أن للمخالف أن يناقش الحنفية في بعض ما استدلوا به
من وجوه منها: أن حديثي أبي هريرة لا يختصان بالقليل ظاهراً، وأنه لمجرد النقاء
والنظافة، وحفاظاً على الصحة، أو لإبعاد الوسوسة إلى غير ذلك ... كما قد
يحملان على حكم الماء المستعمل.
وكذا حديث الاستيقاظ؛ لخوف أن يكون قد أصابت يده ما يؤذيه
ويضر به، وأما حديث الكلب فخصوصية([81]).
ومع أن هذا الاتجاه في الجمع بين النصوص هو المعتمد عند
الحنفية وجدنا اتجاهاً آخر لبعضهم في التعامل مع حديث بضاعة وهو ما ذهب إليه
الطحاوي.
منهج الطحاوي
من الحنفية في التعامل مع حديث بئر بضاعة:
يرى الطحاوي أن ماء بئر بضاعة كان جارياً لا يستقر،
وأنها كانت طريقاً إلى البساتين، ونقل ذلك عن الواقدي، وقال: فكان حكم مائها كحكم
ماء الأنهار، وقال: وهكذا نقول في كل ماء كان على هذه الصفة وقعت فيه نجاسة، فلا
ينجس إلا أن يغلب على لونه أو طعمه أو ريحه، كما يرى الطحاوي أن سؤالهم كان بعد أن
أخرجوا النجاسة من البئر، فسألوا النبي هل تطهر بإخراج النجاسة؛ فلا ينجس ماؤها
الذي يطرأ عليها([82]).
وأيده في هذا الاتجاه الإمام الخطابي؛ إذ يرى أن البئر
تقع في أرض منحدرة فكانت السيول تتجه إليها وتجرف فيها هذه الأشياء([83])، وسبق نقل ذلك
عنه.
إلا أنه يمكن أن يرد على الطحاوي أنه اعتمد في قوله ذاك
على الواقدي، من طريق محمد بن شجاع الثلجي، وكلاهما متروك. ([84])
2. منهج
الشافعية والحنابلة:
يرى الشافعية والحنابلة([85]) أنه لابد أن يفهم الحديث في ضوء جملة الأحاديث الواردة في الباب، وعلى وجه الخصوص منها ـ مع ما سبق في منهج الحنفية ـ
حديث القلتين، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r : « إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث » وفي
رواية: «لم ينجس »([86]).
وعليه فيحمل حديث بئر بضاعة على الكثير الذي لم تظهر فيه
أثر النجاسة وما عداه على القليل، إذ الكثير الذي ظهرت فيه أثر النجاسة نجس أيضاً
لأنه قد حمل الخبث فعلاً.
3. منهج
المالكية ومن وافقهم:
ذهب المالكية إلى أن العبرة في ظهور أثر النجاسة، ولا
عبرة بالقليل والكثير، جمعاً بين النصوص السابقة كلها([87])، ولعدم صحة
حديث القلتين عندهم أيضاً.
وحملوا أحاديث أبي هريرة في عدم البول في الماء الراكد،
أو عدم اغتسال الجنب من الماء الراكد، أو حديث طهور إناء أحدكم؛ على أنها تعبديه
أو لاستقذار الماء وليس لأثر النجاسة.
والدليل عندهم أن لا فرق بين القليل والكثير في الأثر
مجموع أحاديث:
1. بئر بضاعة.
2. ولوغ الكلب.
3. بول الأعرابي.
فإنها لا تفرق بين قليل وكثير، ونقل ابن قدامة عن حذيفة
وأبي هريرة وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعكرمة، وعطاء، وجابر بن زيد، وابن أبي
ليلى، ومالك، والأوزاعي، والثوري، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ورواية عن
الشافعي وأحمد؛ أنه لا ينجس إلا ما تغير، قليله وكثيره سواء؛ لحديث بئر بضاعة([88]).
4. مذهب ابن
حزم:
ذهب ابن حزم إلى تصحيح حديث بئر بضاعة، ومن ثم أخذ به
على ظاهره، معتبراً أن الماء طهورٌ مطلقاً لا ينجسه شيء، وأوّل كل ما خالفه من
النصوص([89])، وقال: فإن
قيل ما معنى هذه الآثار إن كانت لا تدل على قبول الماء النجاسة؟ وما فائدتها؟
قلنا: معناها ما اقتضاه لفظها، لا يحل لأحد أن يقوِّلَ إنساناً من الناس ما لا
يقتضيه كلامه فكيف رسول الله ...([90])، أي كل حديث
يحمل على لفظه الخاص به، فحديث لا يبولن أحد في الماء الدائم؛ خاص بهذه الحالة.
مستند الفقهاء
في اشتراط التغير لأحد الأوصاف للحكم بنجاسة الكثير:
إن مجمل النصوص الواردة في الباب تؤكد أن الماء يتنجس
بالنجاسة، إذ لم يصح حديث بئر بضاعة كما رأينا.
ونميل إلى أن ثمت فرقاً جوهرياً بين القليل والكثير
لوروود حديث القلتين، وهذا ما يقتضيه النظر، لكننا أمام ملحوظة جديرة بالاهتمام
والبحث، على فرض صحة حديث بئر بضاعة، وعلى فرض حمله على الكثير فقط، فإن ظاهر وصفه
أنه كان متغيراً بما يلقى فيه من نتن ولحوم الكلاب وغيرها، فكيف حكموا أن الكثير
يتنجس إذا تغير أحد أوصافه فقط.
لِمَ لا يقال: إن الماء الكثير لا
ينجس مطلقاً إذا صححتم أيها الفقهاء حديث بئر بضاعة، وإذا لم تصححوه فيبقى حديث القلتين خاصاً في نجاسة القليل حسب
ظاهره، ولم يُشِر إلى نجاسة الكثير بتغير أحد أوصافه.
للإجابة على هذا
الإشكال أكثر من اتجاه:
1. الاتجاه
الأول:
أنه وردت روايات مرفوعة عن رسول الله r : « إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه،
وطعمه، ولونه »([91])، أخرجه ابن
ماجه بسنده، عن أبي أمامة الباهلي وفي رواية البيهقي: الماء طهور إلا إن تغيّر
ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه.
أقول: مدار الحديث على رشدين بن سعد، وهو ضعيف له مناكير،
وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك([92])، وقال
الدارقطني: لا يثبت هذا الحديث، وقال النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه([93]). قلت: وهو
مخالف للروايات الأصح منه التي اطلقت القول: إن الماء طهور لا ينجسه شيء ...
مع كونها ضعيفة أيضاً، وعليه فلا يصلح هذا الحديث مستنداً لهذا القيد.
2. الاتجاه
الثاني:
أن يقال: إن ظاهر الحديث أن الماء الكثير لا ينجس، إلا
أنه مقيد بما إذا تغير أحد أوصافه فإنه ينجس، وذلك بالإجماع على ذلك، فكان الإجماع
هو مستند القيد، وممن نقل الإجماع ابن المنذر([94]).
ولكننا رأينا أن الإجماع غير متوافر حقاً.
3. الاتجاه
الثالث:
أن يقال: هذا مأخوذ من مفهوم المخالفة من حديث القلتين؛
إذ قال: إذ بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أو قال لا ينجس إ.هـ، لكنه حيث ظهر أثر
النجاسة في الماء الكثير بحيث تغيرت إحدى الأوصاف فقد حمل الخبث حقيقة، ولم أر من
أشار إلى هذه الفائدة، فكيف يحل الإشكال؟
إن حديث بئر بضاعة يجعل جميع الماء طاهراً، لو أخذناه
على ظاهره وصححناه، أو يجعل كل كثير على الأقل طاهراً بغض النظر عن صفته إذا
قيدناه بحديث القلتين.
كما أن حديث القلتين يجعل كل كثير طاهراً حسب ظاهره،
وعندي أن الإشكال قائم، ولا أجد له حلاً إلا أن يقال: حديث بئر بضاعة لا يصح، وأن
نأخذ بحديث القلتين مع فهمه وفق الاتجاه الثالث السابق: الماء إذا وقعت فيه نجاسة
ينجس إن كان قليلاً، أما إذا كان كثيراً فإن كانت النجاسة مؤثرة فهو نجس حقيقة، وإن
كانت غير مؤثر؛ فهو على أصله([95]).
الخاتمـة
رأينا أن الفقهاء قد جهدوا في التوفيق بين حديث بئر
بضاعة وما سواه من الأحاديث مع كثرة الردود والمناقشات، مع تقرير أكثرهم مبدأ تأثر
الماء بالنجاسة، إلا أن الشيء الذي يستوقف الباحث أن يستشكل الفقهاء الأجلاء هذا الحديث؛ ثم يسعون للتوفيق بينه وبين ما سواه
من الأحاديث الواردة في الباب، ويطيلون النفس للاستدلال لآرائهم؛ رداً على
من لم يفرق بين قليل أو كثير، أو رداً على من يرى استمرار طهورية الماء؛ مع أن
الحديث في ميزان النقد الحديثي الدقيق لا يصح البتة.
مما يجعلنا نؤكد على حقيقة مهمة جداً: أنه لا ينبغي أن
يدرس حديث من حيث متنُه، وحلّ إشكالاته إلا بعد نقده نقداً حديثياً كاملاً، فإن لم
يثبت فلا حاجة لأَنْ تستنفذ الأوقات في تأويله أو الجمع بينه وبين غيره من النصوص،
أو الرد على شبهات ذوي الشبه، فإن ذلك أدعى أن يحسم الخلاف في المسألة من جذورها.
وفي حديثنا هنا يتوصل الباحث إلى أن الحديث ـ حديث بئر
بضاعة ـ لا يصح لا متناً ولا سنداً، وخلاصة ذلك:
1.
أن عدداً من العلماء المتقدمين قد أعلوا هذا الحديث، ومنهم الدارقطني وابن
القطان الفاسي وابن الجوزي وابن التركماني.
2.
أن ما نقل عن الإمام أحمد من تصحيحٍ؛ مجتزأٌ، إذ قال أيضاً: وحديث أبي
هريرة: لا يبال في الماء الراكد أثبت وأصح إسناداً.
3.
وما نقل عن ابن معين من تصحيح؛ لم أستطع الوقوف عليه، لنتبين سياقه ومراده
منه.
4.
أن تحسين الترمذي لا بد أن يفهم في سياقه ومعرفة مراده من التحسين،
وخلاصتها أنه لم يرتق إلى درجة الاحتجاج، بل هو حديث في مرتبة الاعتبار عنده.
5.
أن الحديث مداره على عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وهو مجهول، واختلف في
اسمه كثيراً.
6.
للحديث متابعات من طريق ابن أبي سعيد وأبي نضرة وسليط ورجل، لكنها جميعاً
غير صحيحة، ولم تصح إلى المتابع.
7.
كما لم يثبت للحديث أي شاهد لعبارة: « الماء طهور لا ينجسه شيء »، والشواهد
التي تساق لا تطابق المعنى الذي في هذا الحديث.
8.
أن متن الحديث مخالف لأحاديث صحيحة عديدة في الباب، تؤكد تأثر الماء
بالنجاسة.
9.
أن جمهور الفقهاء لم يَعمَلوا بهذا الحديث على ظاهره، ومَنْ قَبِلَه منهم
اضطر إلى تأويله كقولهم: إنه كان ماءً جارياً كثيراً، وأن النجاسة لم تكن تؤثرة
فيه.
10.
ولعل من أهم نتائج هذه الدراسة ضرورة التزام قواعد علماء النقد في التصحيح
والتضعيف، وخاصة ما يتصل بشروط الاحتجاج بالمتابعات والشواهد، حيث نجد بعض أهل
العلم يصحح بالشواهد والمتابعات من غير أن يصح الطريق إلى المتابِع أو الشاهد.
11.
وكذلك ضرورة فهم مصطلحات الأئمة، وخاصة مصطلحات الإمام الترمذي، إذ توظف في
غير مكانها.
12.
وكذا ضرورة نقل كلام الأئمة كاملاً في النقد.
13.
ولنصل إلى نتيجة مهمة جداً، وهي أننا إذا دققنا في دراسة كثير من أحاديث
الأحكام وغيرها؛ فإن ذلك سيعين على رفع كثير من الاختلاف الفقهي.
وبعد: فإني أرجو أن أكون قد وفقت إلى تحقيق القول في هذا
الحديث، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، سائلاً من الله القبول وراجياً من
أهل العلم التسديد والتوجيه.

قائمة
المصادر والمراجع
1.
ابن الأثير، مجد
الدين أبو السعادات بن المبارك بن محمد بن الجزري، ت606هـ، النهاية في غريب
الحديث والأثر، تحقيق: محمود محمد الطناحي، المكتبة الإسلامية، القاهرة، ودار
الفكر، ط2، 1979م.
2.
أحمد بن حنبل، ت241هـ،
المسند، دار صادر، بيروت، لبنان، بلا تاريخ.
3.
الألباني، محمد ناصر
الدين الألباني، صحيح سنن أبي داود، مكتب التربية لدول الخليج، توزيع
المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1989م.
4.
البخاري، محمد بن
إسماعيل، ت 256 هـ، الجامع المسند الصحيح، بيت الأفكار الدولية، الرياض، ط1،
1998م.
5.
البخاري، محمد بن
إسماعيل، ت 256هـ، التاريخ الكبير، دار الفكر، مصور، بلا تاريخ.
6.
بشار عواد معروف
وآخرون، المسند الجامع، دار الجيل، بيروت، ط1، 1993م.
7.
البغوي، الحسين بن
مسعود ت 516هـ، شرح السنة، تحقيق شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش، المكتب
الإسلامي، بيروت، ط1، 1400هـ.
8.
البيهقي، أبو بكر
أحمد بن الحسين بن علي، ت 458هـ، السنن الكبرى، دار المعرفة، بيروت.
9.
الترمذي، أبو عيسى
محمد بن عيسى، ت 279هـ، الجامع الكبير (سنن الترمذي)، تحقيق: د.
بشار عواد معروف، دار الجيل، بيروت، ط2، 1998م.
10. التبريزي،
محمد بن عبد الله الخطيب، مشكاة المصابيح، تحقيق: الألباني، المكتب
الإسلامي، بيروت، ط3، 1985م.
11. ابن
الجارود، أبو محمد عبد الله بن الجارود، ت 307هـ، المنتقى من السنن المسندة،
تحقيق: عبد الله عمر البارودي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط1، 1988م.
12. ابن
جزي الكلبي، محمد بن أحمد، ت 792هـ، التسهيل لعلوم التنزيل، دار الفكر،
بيروت، بدون تاريخ.
13. الجزيري،
عبد الرحمن الجزيري، معاصر، الفقه على المذاهب الأربعة، المكتبة التجارية
الكبرى، القاهرة، ط3، بلا تاريخ.
14. الحاكم،
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن حمدويه النيسابوري، ت 405هـ، المستدرك على
الصحيحين، مكتبة الجندي، مصور بلا تاريخ.
15. ابن
حبان، أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ت354هـ، صحيح بن حبان، بترتيب ابن
بلبان، علاء الدين علي، ت 739هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت،
ط2، 1993م.
16. ابن
حبان، أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ت 354هـ، الثقات، مطبعة مجلس دائرة
المعارف العثمانية، بحيدر آباد الدكن، الهند، ط1، 1979م.
17. ابن
حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر، ت852هـ، فتح
الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، دار السلام، مصر، ودار
الفيحاء، دمشق، ط 1، 1997م.
18. ابن
حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر، ت852هـ، تهذيب
التهذيب، دار صادر، بيروت، ط1، مصور عن طبعة مجلس دائرة المعارف النظامية،
الهند، 1325هـ.
19. ابن
حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر، ت852هـ، تقريب
التهذيب، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد، حلب، ط 4، 1992م.
20. ابن
حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر، ت852هـ، لسان
الميزان، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط2، 1971م.
21. ابن
حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر، ت852هـ، التلخيص
الحبير، نشر: عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة، ط1، 1964م.
22. ابن
حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد، ت 456هـ، المحلى، دار الفكر، بيروت،
بلا تاريخ.
23. الحصني،
تقي الدين أبو بكر بن محمد الحسيني الدمشقي، ت 829هـ، كفاية الأخيار في حل غاية
الاختصار، تحقيق: علي عبد الحميد بلطه جي ومحمد وهبي سليمان، دار الخير،
بيروت، ط1، 1991م.
24. ابن
خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة، أبو بكر السلمي، ت 311هـ، صحيح ابن خزيمة،
تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1970م.
25. الخطابي،
أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم، ت 388هـ، معالم السنن، المطبوع مع كتاب
مختصر سنن أبي داود للمنذري، وتهذيب ابن القيم، تحقيق: أحمد شاكر ومحمد الفقي، دار
المعرفة، بيروت، بلا تاريخ.
26. الدارقطني،
أبو الحسين علي بن عمر، ت 385هـ، سنن الدارقطني، تحقيق: عبد الله هاشم
اليماني، دار المحاسن، القاهرة، 1966م.
27. الدارقطني،
أبو الحسن علي بن عمر، ت 385هـ، العلل الواردة في الأحاديث النبوية، تحقيق:
محفوظ الرحمن زين الله، دار طيبة، الرياض، ط1، 1985م.
28. الدارمي،
أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن، ت 255هـ، السنن، تحقيق: عبد الله هاشم
اليماني، المدينة المنورة، 1966م.
29. أبو
داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، ت275هـ، السنن، تحقيق: محمد محيي الدين
عبد الحميد، دار إحياء السنة النبوية، بدون تاريخ.
30. الدردير،
أبو البركات أحمد بن محمد، ت 1138هـ، الشرح الصغير على أقرب المسالك، دار
المعارف، مصر، 1392هـ.
31. الذهبي،
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت 748هـ، ميزان الاعتدال في نقد
الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت.
32. الرازي،
أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، ت 327هـ، الجرح والتعديل، دار إحياء
التراث العربي، بيروت، لبنان، ط1، مصور عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند،
1953م.
33. الرازي،
أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، ت 327هـ، المراسيل، دار الكتب العلمية،
بيروت، ط1، 1983م.
34. ابن
رجب الحنبلي، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد، ت 795هـ، شرح علل الترمذي،
تحقيق: د. همام سعيد، دار المنار، الأردن،
الزرقاء، ط1، 1987م.
35. الزحيلي،
وهبة الزحيلي، معاصر، الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر، دمشق، ط3، 1989م.
36. الزيلعي،
جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف، 762هـ، نصب الراية لأحاديث الهداية،
دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1973م.
37. السهارنفوري،
خليل أحمد، ت 1346هـ، بذل المجهود في حل أبي داود، دار الكتب العلمية،
بيروت.
38. سيد
سابق، معاصر، فقه السنة، الفتح للإعلام العربي، مصر، ط10، 1993م.
39. الشوكاني،
محمد بن علي بن محمد، ت 1255هـ، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى
الأخبار، دار الكتب العلمية، بيروت، 1973م.
40. ابن
أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد، ت235هـ، المصنف في الأحاديث والآثار،
بعناية كمال يوسف الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط 1، 1989.
41. الصاوي،
أحمد بن محمد الصاوي المالكي، ت 1241هـ، حاشية الصاوي على الشرح الصغير،
مطبوع مع الشرح الصغير، دار المعارف، مصر، 1392هـ.
42. الصنعاني،
محمد بن إسماعيل بن الأمير، ت 1182هـ، سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع
أدلة الأحكام لابن حجر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1960م.
43. الطبراني،
أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب، ت 360هـ، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي
بن عبد المجيد السلفي، نشر وزارة الأوقاف العراقية، ط1، 1979م.
44. الطبراني،
أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب، ت 360هـ، المعجم الأوسط، تحقيق: طارق
بن عوض الله الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، 1415هـ.
45. الطحاوي،
أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي، ت 321هـ، شرح معاني الآثار، دار
الباز، مكة المكرمة، ط1، 1979م.
46. الطيالسي،
أبو داود سليمان بن داود بن الجارود ت 204هـ، مسند أبي داود الطيالسي، دار
المعرفة، بيروت، لبنان.
47. عبد
الرزاق الصنعاني، أبو بكر عبد الرزاق بن همام، ت211هـ، المصنف، تحقيق: حبيب
الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1971م.
48. عبد
الله يوسف الجديع، تحرير علوم الحديث، مؤسسة الريان، بيروت، ط2، 2004م.
49. العظيم
آبادي، أبو الطيب محمد شمس الحق، ت 1333هـ، عون المعبود شرح سنن أبي داود،
دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1990م.
50. العظيم
آبادي، أبو الطيب محمد شمس الحق، التعليق المغني على سنن الدارقطني، نشر:
محمد هاشم اليماني، على هامش سنن الدارقطني، دار المحاسن، القاهرة، 1966م.
51. ابن
قدامة المقدسي، أحمد موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد، ت 620هـ، المغني،
في فقه الإمام أحمد، دار الفكر، بيروت، ط1، 1992م.
52. ابن
ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، 273هـ، السنن، تحقيق محمد فؤاد
عبد الباقي، إحياء التراث العربي، بيروت، 1975م.
53. المارديني،
علاء الدين بن علي بن عثمان، ت 745هـ، الجوهر النقي، دار المعرفة، بيروت.
54. مالك
بن أنس، أبو عبد الله، ت 179هـ، الموطأ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار
إحياء التراث العربي.
55. المباركفوري،
محمد عبد الرحمن عبد الرحيم، ت 1353هـ، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي،
دار الفكر، بيروت، 1964م.
56. المرغيناني،
برهان الدين أبو الحسين علي بن أبي بكر، ت 593هـ، الهداية شرح بداية المبتدي،
المكتبة الإسلامية، بلا تاريخ.
57. المزي،
جمال الدين أبو الحجاج يوسف، ت 742هـ، تهذيب الكمال، تحقيق: د. بشار عواد
معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1992م.
58. مسلم
بن الحجاج، أبو الحجاج القشيري، ت261هـ، صحيح مسلم، دار ابن حزم، بيروت،
ودار المغني، الرياض، ط 1، 1998م.
59. النسائي،
أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، ت303هـ، السنن، دار إحياء التراث العربي،
بيروت، ط1، 1930م.
60. النووي،
أبو زكريا محي الدين بن شرف، ت 676هـ، المجموع، شرح المهذب، تحقيق: محمود مطرجي،
دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، ط 2000م.
الهوامش
([1]) سيأتي تخريجه مفصلاً.
([2]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 1/134.
([3]) أبو داود، السنن، رقم 67.
([4]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 1/469.
([5]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 5/14.
([6]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 3/147.
([7]) أبو أسامة هو حماد بن أسامة القرشي مشهور بكنيته، ثقة ثبت
(ت201هـ) روي له الجماعة، تقريب التهذيب، رقم 1487.
([8]) الترمذي، السنن، حديث رقم 63، ج1، ص109. تحقيق د. بشار عواد
معروف.
([9]) يستأنس بشجرة الإسناد آخر البحث.
([10]) أبو سعيد الخدري: الصحابي الجليل، سعد بن مالك بن سنان الأنصاري،
من صغار الصحابة سناً، استصغر يوم أحد، توفي سنة 64هـ أو 74هـ. ابن حجر، تقريب
التهذيب، رقم 2254.
([11]) ابن حجر، تهذيب، 7/28.
([12]) ابن حجر، تهذيب التهذيب، 7/28. وينظر مصادر التخريج.
([15]) ابن حجر، تهذيب التهذيب، 7/23، و 27.
([16]) الترمذي، السنن، رقم 66.
([17]) أبو داود، السنن، رقم 66.
([19]) ابن حجر، تهذيب التهذيب، 7/27.
([20]) ابن حبان، الثقات، 5/71، وينظر الجرح والتعديل، 5/ت1523.
([22]) ابن حجر، تهذيب التهذيب، 7/28 وينظر المزي، تهذيب الكمال، 19/83.
([23]) هو حماد بن أسامة (تقريب ترجمة 1487).
([24]) ثقة، ت 201هـ، ترجمته في تقريب التهذيب، رقم 4294
([25]) عمه هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ثقة ت 208 ، عم عبيد الله بن
سعد وأخو سعد، تقريب التهذيب، 7811، وينظر: باب المبهمات في تقريب التهذيب، اسم
عبيد الله بن سعد.
([26]) صدوق تغير حفظه، ينظر: تقريب التهذيب، رقم 3364.
([27]) ثقة، وينظر ترجمته في تقريب التهذيب، رقم 177.
([28]) ثقة، ينظر ترجمته في تقريب التهذيب رقم 5922.
([29]) ثقة، ينظر ترجمته تقريب التهذيب رقم 1137.
([30]) ابن حجر، تقريب التهذيب، رقم 3874.
([31]) ابن حبان، الثقات، 6/430، وابن حجر، التهذيب، 4/163.
([32]) ابن حبان، الثقات، 6/252.
([33]) ابن حجر، التهذيب، 3/113 و 123.
([34]) تهذيب الكمال، 28/508.
([35]) الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/336، وابن حجر، التهذيب، 5/11.
([36]) ابن حجر، تقريب، 5573.
([37]) ابن حجر، تقريب، 2787.
([38]) ابن حجر، تقريب، 4358.
([39]) ابن حجر، تقريب، 5693، وتهذيب التهذيب 9/8-9.
([40]) ابن حجر، تقريب، 320.
([41]) ابن حجر، تقريب، 6705.
([42]) ابن حجر، تقريب، 4122.
([43]) ابن حجر، تقريب، 5427.
([44]) ابن حجر، تقريب، 994.
([45]) المزي، تهذيب الكمال، 27/11. وابن حجر، التهذيب، 9/523.
([46]) الذهبي، الميزان، 4/615.
([47]) الذهبي، ميزان الاعتدال، 4/59.
([48]) ابن حزم، المحلى، 1/155.
([49]) ابن حجر، التلخيص الحبير، 1/13.
([50]) المزي، تهذيب الكمال، 12/115. وابن حجر، تقريب، 2624.
([51]) المباركفوري، تحفة الأحوذي، 1/206.
([52]) تهذيب الكمال، (19/84).
([53]) ابن حجر، التلخيص الحبير، 1/13.
([54]) سنن الترمذي، رقم 66.
([55]) ابن حزم، المحلى، (1/156).
([56]) ابن حجر، التلخيص الحبير، 1/13.
([57]) المباركفوري، تحفة الأحوذي، 1/206.
([58]) الألباني، إرواء الغليل، (1/45-46).
([59]) ابن حجر، التلخيص، 1/13، وينظر العلل للدارقطني 11/285-288.
([60]) ابن حجر، التلخيص، 1/13، وينظر أبو الطيب محمد آبادي، التعليق
المغني على الدارقطني، 1/30.
([61]) ابن التركماني، الجوهر النقي، 1/257-259.
([62]) المزي، تهذيب الكمال، 19/84.
([63]) ينظر، همام سعيد، شرح علل الترمذي، لابن رجب، 1/146و2/841، وعبد
الله بن يوسف الجديع، تحرير علوم الحديث، 2/742.
([64]) المباركفوري، تحفة الأحوذي، 1/206.
([65]) الترمذي، السنن كتاب العلل، 6/251.
([66]) الذهبي، الميزان، 3/407 في ترجمة كثير بن عبد الله المزني.
([67]) الذهبي، الميزان، 4/416، في ترجمة يحيى بن عابد.
([68]) الترمذي، السنن، (1/109)، برقم 66.
([69]) أخرجه أحمد، 6/100و 108، وأبو داود (3735)، وسنده جيد وينظر
المشكاة، 4284.
([70]) روى مسلم رقم 269 عن أبي
هريرة أن رسول الله r قال: « اتقوا اللعانين » قالوا:
وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: « الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم » ورواه
ابن خزيمة: باب النهي عن التغوط على طريق المسلمين وظلهم الذي هو مجالسهم رقم 67.
([71]) الخطابي، معالم السنن، 1/73.
([72]) المرغيناني، الهداية، 1/12، والزيلعي، نصب الراية، 1/104.
([73]) أخرجه مسلم، رقم (283)، والنسائي، (1/49).
([74]) أخرجه البخاري، (239).
([75]) أخرجه مسلم، (91/279)، وله ألفاظ متقاربة. وأخرجه البخاري (172) من غير قوله: أولاهن بالتراب.
([76]) المرغيناني، الهداية، 1/12.
([77]) أخرجه مالك، 1/22-23، والترمذي رقم 92، وأبو داود، برقم 75
وغيرهم، وهو حديث صحيح، انظر: صحيح الجامع 2433.
([78]) اخرجه البخاري، (6025)، ومسلم، (284 و 285).
([79]) البخاري، (162)، ومسلم، (278).
([80]) الزيلعي، نصب الراية، 1/104 فما بعد. وسأبين حكم حديث القلتين.
([81]) ينظر المغني لابن قدامة، 1/55، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير،
1/5، وينظر الزيلعي، نصب الراية، 1/104 فما بعد.
([82]) شرح معاني الآثار، 1/12.
([83]) معالم السنن، 1/73.
([84]) نصب الراية، 1/94 فما بعد، وينظر تقريب التهذيب، (5954) (6175).
([85]) ينظر: النووي، المجموع، 1/163 فما بعد، وتقي الدين الحصني، كفاية
الأخيار، ص16-17، وابن قدامة، المغني، 1/52 فما بعد.
([86]) أخرجه أحمد، (2/12 و 23 و 26)، وأبو داود، (64 و 65)، والترمذي، (67)،
والنسائي، (1/175)، وابن ماجه، (517 و 518)، وصححه ابن خزيمة (92)، وابن
حبان، (1249 و 1253)، والحاكم، (1/132)، كما صححه جمهور من أهل العلم. ينظر سنن
الترمذي بتحقيق د. بشار عواد، 1/109-110. وأعله الحنفية بالاضطراب سنداً ومتناً،
أما سنداً فلأنه روي من طريق محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر، وأما
متناً فلأنه روي بألفاظ منها: قدر قلتين أو ثلاث، وبلفظ إذا بلغ الماء قلة، وبلفظ
أربعين، على الاختلاف في مقدار القلة، وأطال النفس في ذلك الزيلعي في نصب الراية
1/104-112.
وخلاصة جواب الجمهور أن الأصح في رواية
الحديث من طريق محمد بن عباد بن جعفر وهو ثقة ثبت وما عداه روايات لا تثبت فلا يضر
هذا الاختلاف. ابن
حجر، التلخيص الحبير، 1/16-17.
([87]) أبو البركات، أحمد بن محمد الدردير (ت1138هـ)، الشرح الصغير على
أقرب المسالك، 1/29 و 37 فما بعد.
([88]) ابن قدامة، المغني، 1/53.
([89]) ابن حزم، المحلى، 1/154-156.
([90]) ابن حزم، المحلى، 1/154.
([91]) أخرجه ابن ماجه برقم (521)، والبيهقي، السنن الكبرى،
(1/259-260).
([92]) الذهبي، الميزان، 2/49.
([93]) الصنعاني، سبل السلام، 16-17.
([94]) ينظر: ابن قدامة، المغني، (1/53).
([95]) ينظر: ابن قدامة، المغني، 1/53، الجزيري، الفقه على المذاهب
الأربعة، 1/41-42، والزحيلي، الفقه الإسلامي، 1/126-127، وسيد سابق، فقه السنة،
1-15-16.