خلاصة نظريات العمل الإسلامي المعاصر
لدى الشيخ رحمه الله
كتبه ولده: د. محمد سعيد حوى
لعله من المناسب أن أعرض عرضاً موجزاً
جداً لأهم قواعد ونظريات العمل الإسلامي لدى الشيخ توضح الصورة أكثر :
-
لقد تحسس الشيخ أمراض
المجتمعات التي ترشح ضرورة التفكير في إيجاد منهج عمل متميز، وكان ذلك بمثابة
النقد الذاتي للواقع المعاش، منطلقا ًمن ذلك إلى ضرورة التنظيم والترتيب، وأن ذلك
شرط نجاح أي عمل.
-
وكان دائم التأكيد على
وجود شذوذ في وضع الأمة إذا لم تتجمع حول علمائها الربانيين، مع ضرورة فهم من هم
العلماء الربانيون.
-
والتأكيد على حاجة
الأمة إلى سقف مرتفع وجهة مستشرفة وشبكة علاقات منظمة
-
والبحث الدائم عن
كيفية تعميق وجود الإسلام وتجديده والتخلص من الفوضى العلمية والفكرية.
-
واجتهد في تقديم
معادلة وجود الإسلام في واقع الأمة والعالم، وكيفية الارتباط بين أفراد المعادلة،
وضرورة الترتيب والتعميم وإيجاد الأنموذج، وقد حدد معادلة وجود الإسلام بـ: مسجد +
مرشد + منهج صحيح + ذكر + صدق + تكافل.
-
ويرى أن أساس العمل
الإسلامي التفاهم والتعارف والقناعة والإخاء والحب والتعقل قبل الأمر والنهي.
-
وأنه إذا توافر ما سبق
فإن أقل القواعد التنظيمية وأبسطها تكفي وإذا وجد الهوى والبغض وأمراض أخرى فإن كل
قواعد الدنيا لا تصلح الأمر.
-
وأن الثقافة والتربية
مقدمتان على الانتماء التنظيمي.
ومما يراه من نظرات في العمل الإسلامي :
-
الحرص على بيان
الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها الأفراد المؤهلين لأن يكونوا جزءاً من هذا
العمل.
-
الاعتدال في طلب
الأمور، وضرورة مراعاة واقع العصر والحكومات والجماعات.
-
أهمية النظم في الضبط
والربط لإيجاد العلاقات الصحيحة المثمرة، لتحقيق الأهداف وشروط ذلك([1])
.
-
مجالس الشورى هي صاحبة
الحق في إخراج القيادات.
-
أن يكون لكل قطر
إسلامي دستوره الخاص به وأن يكون للأقطار الإسلامية المتحدة دستورها العام الذي
يحكمها وأن يكون لكل تنظيم إسلامي نظامه الخاص وللحركة الإسلامية نظامها الأساسي.
-
ألا تتدخل أي قيادة
مركزية عالمية في غياب الدولة الإسلامية تدخلاً إلزامياً في الحركات المحلية.
-
لابد من بلورة النظرية
المثلى لتحقيق الجهاد، منها :أن نفرق بين من نعتبره نظام نصيحة، وأنظمة تريد استئصال
الإسلام فهذه وحدها يجب أن تعبأ الطاقات من أجل الجهاد فيها.
-
الحرص على العلاقات
التنظيمية مع مسلمي العالم فإذا فاتنا ذلك فلا ننزل بالعلاقة مع مسلم إلى ما دون
مستوى الإخاء العام ولا يعتبر أن مجرد الخروج من تنظيم إنحراف في العقائد أو
السلوك.
-
الفتوى تقدر زماناً
ومكاناً وشخصاً ومتى دخلنا في الحرب دخلنا في الفتوى الإستثنائية التي لا تؤخذ إلا
من أهلها
-
القيادة الإسلامية
الراشدة والفاعلة هي التي تواجه كل شي فلا تترك مواجهة المشكلة بل تستبق المشكلة
قبل وقوعها وتسارع إلى حلها إن وجدت وتتخذ قرارها المناسب في كل ما يواجهها دون أن
تخشى في الله لومة لائم.
-
القومية والوطنية
نتعامل معها كعوامل مؤثرة بحكم العادة، وهي شيء لم يلغه الإسلام، بل أعطاه محله
وقدره، والذي نرفضه أن تكون بديلاً عن إسلام أو نقضاً لإسلام أو تعطيلاً لأحكام
الإسلام.
-
لا ينظر إلى الاجتهاد
السياسي بتشنج بل كثير من الاجتهادات السياسية التي يصل إليها حتى أولئك الذين
يخاصموننا ليست محل رفضنا المطلق المسبق.
-
مقولة (خذوا الإسلام
جملة أو دعوه جملة) صحيحة بالنسبة للاعتقاد، غير صحيحة بالنسبة للكثير من التطبيقات
العملية، وقد فطن أعداؤنا لهذا فاغتالوا الديموقراطية .. ولقد بين الشيخ حكم
الديموقراطية من جهة النظر الاعتقادية.. وأن الشورى هي الأساس والشورى فيما لا نص
فيه([2])
.
ويؤكد في
كثير من كتبه على سعة الإسلام وعدم تكفير أحد من المسلمين وأن حزب الله فيه المؤمن
العادي والمؤمن العالم والمجاهد والمنظم وغير المنظم والشيخ والعامل.. وأن جماعة
الإخوان من المسلمين، وليست جماعة المسلمين، وهذه قضايا أخطأ البعض في فهم الشيخ
سعيد فيها خطأ كبيراً وللأسف.
هذا، ويمكنني
القول:إن الشيخ رحمه الله قد استطاع أن يقدم نظرية متكاملة فيما تحتاجها الأمة الإسلامية
اليوم، تتمثل هذه النظرية بمعرفة الأهداف الرئيسية المتمثلة بما يأتي :
1- صياغة
الشخصية الإنسانية في كل قطر.
2- توحيد
الأمة الإسلامية.
3- إحياء
منصب الخلافة.
4- إقامة
دولة الإسلام العالمية.
وبإدراك
وسائل تحقيق ذلك من خلال :
- نظرية
متكاملة في الثقافة والتربية.
- نظرية
سليمة في النظام والتنظيم.
- خطة جيدة
للعمل وتخطيط مناسب.
- نظرية
صالحة في التنفيذ.
وكانت جميع
مؤلفات الشيخ رحمه الله، شرحاً وتفصيلاً وبياناً لهذا المنهج.لقد وجدت اجتهادات
كثيرة في الساحة تحاول أن تشخص أزمة الأمة، وتضع الحلول لها.. ولكن كثيراً من هذه
الاجتهادات كانت تركز على جانب وتهمل جوانب...
فمنها من
شخص أزمة الأمة فكر وثقافة مهملاً أو مقللاً من شأن التربية الروحية القلبية، غير
معط الأبعاد السياسية والحركية حقها في العمل.وآخرون اهتموا بالجانب التربوي
مغفلين الجوانب السياسية والفكرية. وآخرون اهتموا بالدراسات الإسلامية المتوارثة
غير عابئين بمستجدات العصر. لكني أعتقد أن الشيخ فيما طرحه من مناهج، حاول أن يكون
متكاملاً شاملاً لجوانب العمل وزواياه وقضاياه المختلفة. ولا شك أن هذا الشمول
والتكامل يمثله كثير من الدعاة عملياً والشيخ أحد رواده الذين قدموه نظرياً وعملوا
على تحقيقه عملياً.
إنه بعد
معاناة طويلة، رابت على ثلاثين سنة مر فيها الشيخ بتجارب واسعة، منها الحلو والمر
على المستوى الإسلامي العام والخاص، بعد كل هذا –كان طبيعياً أن يتكون
لدى الشيخ رحمه الله وجهة نظر محددة في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر.وكان لا بد
للشيخ أن يدلي بدلوه، ويقدم رأيه في الطريق الأمثل لبناء الأمة الإسلامية الراشدة،
والطريق الأمثل لتحقيق الأهداف الكلية والجزئية الإستراتيجية والوقتية فكان مجمل
مؤلفاته انتهاءً بكتابه جند الله تنظيماً.الذي يبين فيه الشيخ أن البداية الصحيحة
للعمل الإسلامي هي وجود الولي المرشد، أي المسلم الذي تحقق علمياً وروحياً ودعوياً
وتربوياً، فعندما يوجد الولي المرشد، الذي يقوم برسالته ودوره قياماً كاملاً، فإنه
لا بد أن يكون هو محور العمل للإرتقاء بمن حوله ثم ليكون مجموع الأولياء المرشدين
هم الجهة المؤهلة للتخطيط والتنظيم والتأهيل، لإيجاد الأجهزة اللازمة لحركة الأمة
نحو استعادة ريادتها وسلطانها السياسي إذ أنه ما لم يجتمع السلطان والقرآن معاً
ويكون السلطان تابعاً للقرآن فلا سيراً صحيحاً للأمة أبداً. فهذه الجهة التي
امتلكت المؤهلات المذكورة، تعد لإيجاد الأجهزة والمراكز وتعمل على التخطيط لامتلاك
الكفاءات وتعميم التخصصات، ووضع كل أمر في مكانه.. إلى آخر ما هنالك مما يحتاجه
العمل الإسلامي. فإذا كانت هذه البداية الصحيحة فما هي النظرية التنظيمية الصحيحة،
التي على أساسها يتم التعاون والتفاهم والتكامل والبناء والعمل. وعلى ضوئها يتم
إيجاد الجهة المستشرفة، ذات السقف المرتفع في مختلف ساحات العمل، وشتى أصقاع
الأرض. ومن خلال هذه الجهة، يكون التخطيط والإعداد والتوجيه. فكانت مؤلفاته
ونظرياته في العمل الإسلامي إذن إجابة تفصيلية لتساؤلات كثيرة، فهو يحدد لك نقطة
الخلل الحقيقي، ويحدد لك بداية العلاج الأصح، ويحدد لك وسيلة العمل لتحقيق المراد
من خلال النظرية التنظيمية المناسبة.
ونلاحظ في
هذا الصدد تميز كتبه الثلاثة : جند الله ثقافةً وأخلاقاً وجند الله تخطيطاً وجند
الله تنظيماً فلئن كان الأول بياناً للنظرية الأخلاقية والثقافية فإن الثاني كان
بياناً لاحتياجات الأمة وساحات العمل وما هو مطلوب منها ويأتي الكتاب الثالث لبيان
الطريق العملي للوصول إلى المطلوب فهو بيان للمؤهلين لقيادة العمل الإسلامي،
والتخطيط له والسهر؛لا بما يجعله نخبوياً، فئوياً، حزبياً، منغلقاً بل بما يجعله
مسترشداً، مستنيراً منضبطاً متكاملاً من غير ثغرات ولا فجوات ضمن قاعدة :إيجاد
المفقود ودعم الموجود، فلا يتدخل هذا الكتاب في النظريات التنظيمية القائمة، وما
طرح فيه لا يتعارض مع ما هو قائم ولا يلغيه، بل المراد أن تكون جميع اتجاهات العمل
الإسلامي متكاملة، تسير في جهة استراتيجية واحدة.ولقد في طرح هذه النظرية على
المرونة المطلقة، وقدمت بما يخدم العمل الإسلامي حسب اختلاف الأحوال السياسية
للأقطار.
فأقطار
تسمح الأوضاع فيها بالعمل الدعوي وحسب، وأخرى بالعمل الدعوي والاجتماعي والسياسي،
وأخرى يسمح فيها بالأحزاب السياسية، فهذه النظرية يمكن أن تطبق في أي من الأقطار
بالوضع الملائم لذلك القطر. والكتاب ليس شرحاً نظرياً تجريدياً لكيفية التنظيم،
وأصوله وأسسه لمن أراد تأسيس حزب، أو إقامة عمل إسلامي عام أو خاص، ولاهومخصص
لبيان ما يحتاجه القائد لتحقيق برامج محددة، فليس ذلك من مهمة الكتاب، لأن الأصل
في أي عمل أن يكون لدى مؤسسيه إبداع خاص في إيجاده، وإن كان الكتاب يفتح آفاقاً
واسعةً للعقلية الإسلامية في فقه العمل المنظم عموماً.
هذه أهم
الأسس والمبادئ التي بنيت عليها نظرية الشيخ سعيد حوى في العمل الإسلامي المعاصر
ولكل ما ذكر توضيحات وتفصيلات في أماكنها من كتبه.
([1]) ينظر كتاب جند الله تخطيطاً ص 69 فما بعد، وكتاب جند الله
تنظيماً.
([2]) انظر: جند الله تخطيطاً، ص69، ط دار عمار.