بسم الله الرحمن الرحيم
آخر لقاء صحفي للشيخ سعيد حوى قبل وفاته
كان مع جريدة (اللواء) الأردنية نشر
بتاريخ13/5/1987م وأعيد نشره بعد وفاة الشيخ في الصحيفة نفسها:
·
مصر.. كيف تنظرون إليها وما
تقويمكم لتجربتها الانتخابية الأخيرة ؟!.
- مصر
تنظر إليها لأهميتها الخاصة أولاً: أنها أثقل بلد عربي سكاناً وأكثر بلد عربي
تأثيراً بالنسبة للعمل الإسلامي ولذلك فنحن
منذ البدء ننظر إلى مصر على أنها
مهب الرياح على العالم الإسلامي فهي المكان الذي تنطلق منها معاني القدوة والأسوة فإذا حدث في مصر خير نحن
نستبشر به ومصر تشكل القدوة فكما أن قريشاً كانت في الماضي إمام الناس في الخير
والشر فإلى حد كبير مصر تعتبر إمام الناس
في الخير والشر فما يجري في مصر الآن بشكل من الأشكال يؤثر على مجريات الأمور في
الوطن العربي وفي العالم الإسلامي.
من هنا نحن دائما ننظر إلى ما يجري في مصر
على أنه ذو أهمية خاصة، نحن نلحظ في الفترة الأخيرة أن مصر تجري فيها تفاعلات
كثيرة هاهنا فإننا ننظر إلى هذه التفاعلات السياسية بشيء من الإيجابية وخاصة قضية
الانتخابات التي حدثت في مصر والتي أعطت للإسلاميين هامشاً تحركوا فيه، هذه القضية
في حد ذاتها ننظر إليها باهتمام بالغ على اعتبار أن هنالك نظرة قائمة عند
الإسلاميين تقول بأن العالم يرغب بعدم إعطائهم حرية سياسية وحرية دعوة، فعندما نرى أن مصر قد أخذ
الإسلاميون فيها إلى حد ما حرية سياسية وحرية دعوية، فهنا يجعلنا نستبشر أن مصر قد
فتحت باباً نرجو أن يكون مقدمة لوضع صحيح في العالم الإسلامي، وهذا الوضع
الصحيح في العالم الإسلامي، هذا الوضع
الصحيح هو أن يكون الإسلاميون قد دخلوا علام السياسة من الطريق الحر المفتوح
المضمون القانوني أو من ناحية أخرى أن يكون الآخرون قد تفهموا كيف يتعاملون مع الإسلاميين
بأن يعطوهم الحرية السياسية، نحن نرجو أن يتوسع هذا الموضوع في مصر وفي المجال
نطالب الحكومة المصرية بأن تفتح باب الحرية السياسية للإسلاميين كذلك بأن يتعاملوا
مع المناخ الديمقراطي وأن يتعاملوا مع المناخ السياسي الحر تعاملاً يثبتون به أن
الإسلاميين إذا أعطوا حرية دعوية وحرية سياسية فإنهم يكونون أكثر الناس انضباطاً
بالقانون والنظام.
وعلى العكس من ذلك فعندما لا يعطى
للإسلاميين حرية سياسية أو حرية دعوية فإنه في هذه الحالة يصبح الوطن كله مهدداً
من ناحية، ويصبح أي نظام في هذه الحالة يعيش في حالة القلق، فمن الأفضل للإسلاميين
من ناحية ومن الأفضل كذلك لأي نظام أن يعطي الإسلاميين حرية سياسية وأن يعطي لهم
حرية دعوية.
·
بعض الناس يطرحون سؤالاً
هو أنهم يخافون أن تعطى الحركة الإسلامية حرية سياسية فيستغلونها للتدخل في شؤون
الأقطار الأخرى وبعض الناس يفهمون فكرة "التنظيم العالمي".
"فكرة التنظيم العالمي" على
أنها فكرة تقوم على هذا المعنى ومن ثم فالتنظيم العالمي يعني عندهم أن يتدخل
الإسلاميون إذا أعطوا حرية ي شؤون الأقطار الأخرى.
- الحقيقة
أننا نقول نحن نعتبر "التنظيم العالمي" عبارة عن فكرة هادية ترصد
المعالم الحكمية للمسلمين ولا زلت أتذكر أنه في يوم من الأيام كنا مجتمعين بالمرشد
الفقيد رحمة الله عليه، الأستاذ عمر التلمساني فكان من نصائحه أنه قال: لقد فهم
كثير من الإخوان المسلمين حيثما وجدوا يعني وجودهم الخروج على الحكومات ومحاربة
الحكومات وهذه النقطة بالذات ينبغي أن تكون محل بحث فنحن ليس لنا موقف موحد من
قضية الحكومات، وهذا النموذج على أن التنظيم العالمي في الحقيقة إنما يعطي النصيحة
الهادئة للمسلمين في كل قطر من أقطارهم لكي يكونوا حكماء.
ولا يعني التنظيم العالمي أن يتدخل
الإسلاميون في أي مكان في الشؤون المحلية للأقطار الأخرى بل من الأشياء التي نحاول
أن نؤكدها دائماً أن الإسلاميين في كل قطر ينبغي أن يكون لهم خطتهم الخاصة التي
تتناسب مع ظروفهم وأوضاع أوطانهم والتي تناسب الوضع المحلي والوضع العالمي لهذا
الأقطار.
من هاهنا فهناك في الحقيقة حرية
للإسلاميين في كل مكان ليكون لهم خطتهم
التي تتناسب مع وضعهم والتي تتناسب ووضع حكوماتهم
من مواقفها الإسلامية ومن رغباتها في تعميق الإسلام.
تلغي التعدد الحزبي، فالإسلاميون عانوا
كثيراً من فكرة إلغاء التعددية الحزبية
وبالتالي فإنهم لن يقعدوا في هذه الخطيئة بإذن الله.
· ما
هو مفهومكم للحرية السياسية والحرية الدعوية ؟
- مفهومنا
للحرية السياسية أن يكون للإسلاميين حزب مرخص بهم يعمل قانوناً فمتى وجد حزب
للإسلاميين مرخص به قانونياً فإننا نعتبرهم قد كسبوا الحرية السياسية.
إن الحرية السياسية عندنا حزب مرخص به
فإذا وجد الترخيص في هذه الحالة فهناك مطالبة أخرى وهي أن تكون هناك حرية فعلية
بالعمل السياسي وبالعمل الدعوي فالحرية السياسية عندنا أن يعطى ترخيصاً قانونياً
بالعمل.
المهم أنه ينبغي أن يكون واضحاً بأن الإسلاميين
كونهم ينظرون إلى العلاقات فيما بينهم مع بعضهم بأنها علاقات أخوية، هذا لا يعني
أن هناك محاولات للتدخل من قطر من الأقطار في القضايا الداخلية لقطر آخر، وعلى كل
الأحوال فما دام هناك شيء موجود فهذا الشيء الموجود في حد ذاته يمكن أن يكون
بمثابة عصام لكل قضية يتخوف منها الناس، هذا الشيء الموجود هو أن الإسلاميين
يطرحون شعار "أعطني حرية سياسية" وأعطني حرية دعوية وخذ مني
"التزاماً بالقانون أو النظام" فما دام الإسلاميون في كل مكان فعنده
استعداد في مقابل الحرية السياسية والحرية الدعوية أن يكونوا ملتزمين بالقانون فلا
شيء في هذه الحالة يمكن أن يخشاه أحد منهم، لا الجهات المحلية ولا جهات عالمية.
·
هناك تخوف عند بعض الناس
وهو أن الإسلاميين يطالبون بالحرية السياسية وبالحرية الدعوية ما داموا خارج السلطة، فإذا وصوا إلى السلطة
فهناك احتمال كبير هو العالم أن يتعامل معنا على مبدأ مصالح بالمصالح
فنحن جاهزون لهذا النوع من التعامل إن شاء الله تعالى ، بل على العكس من ذلك سنكون
سباقين إلى فهم المصالح العالمية التي يجب أن تراعى في الوقت نفسه سنكون حريصين
على أي جانب إيجابي للحضارة الإنسانية المعاصرة.
ومن هاهنا فغن التخوف من الإسلاميين تخوف
في غير ملحه بل نحن نقول أنه إذا أعطي الإسلاميون حرية عمل سياسي من خلال
القانون ومن خلال الترخيص الحزبي العملي
لهم فغن هذا سيجعلهم مؤهلين لإدراك المصالح العالمية أكثر وبالتالي فإن الطريق
لحفظ الحضارة الإنسانية والطريق لحفظ المصالح العالمية إنما تكون من خلال إعطاء أن
لا يعطوا غيرهم الحرية السياسية.
- نحن
نقول مادام هناك التزام مسبق عند كل المسلمين الذين يدخلون العمل السياسي بنقطتين
مبدئيتين هما أن دين الدولة الإسلام، وأن التشريع الإسلامي هو التشريع السياسي
ففكرة التعددية والحزبية وفكرة الحزبية السياسية للجميع، هذه الفكرة أصبحت متبناة
الآن لدى الحركة الإسلامية، ومن هاهنا فلا ينبغي للأحزاب الأخرى أن تكون خائفة من
الإسلاميين في هذه الحالة.
الإسلاميون يطالبون بالحرية السياسية
ويطالبون بالحرية الدعوية لن يفقدوا غيرهم الحرية السياسية والحرية الدعوية ما دام
المسلمون – وهذا الكلام موجه
للمسلمين فقط – والأحزاب التي
تشكلها الجهات الإسلامية ملتزمة بهاتين النقطتين. وإذا دخلت هاتان المادتان في
الدستور والتزم أي حزب بهاتين المادتين،
فاي حزب من هذه الأحزاب يمكن أن يعطى حرية دعوية وحرية سياسية وبالتالي فلا خوف إن
شاء الله تعالى من الحركة الإسلامية إنها
في حالة وصولها إلى الحكم تلغى الحرية السياسية للآخرين أو السياسي وبالعمل الدعوي
فالحرية السياسية عندنا أن تعطي ترخيصاً قانونياً بالعمل السياسي في أي قطر من
الأقطار.
أما الحرية الدعوية فهي أنه مادام
الإسلاميون في إطار القانون الذي يجيزه
الإسلام فلهم الحرية كاملة بالقيام بالدعوة إلى الله سواء في البيت أو المسجد. هذه
القضية تحتاج إلى محكمة من الإسلاميين وتحتاج كذلك إلى قانون معقول من قبل الدولة،
فإذا وجد القانون المعقول ووجدت الحكمة من الدعاة فيها تصبح الحرية الدعوية ليست
خطراً على أي جهة من الجهات.
* هناك تخوف عالمي من الإسلام ومن
الإسلاميين هذا التخوف العالمي مصدره أن العالم يخشى على مصالحه فيما لو حكم
الإسلاميون ويخشى على حضارته فيما لو حكم الإسلاميون فماذا تقولون؟!
- إن
التصور الذي يقول بأن الإسلاميون إذا حكموا فكأن التتار قادمون هذا التصور في حدد
ذاته خطر جداً فالإسلاميون يحاولون أن
يستقوا من الحضارة كل ما يفيد، الشيء الآخر أن الإسلاميون لا يمكن أن يشكلوا خطراً
على مصالح أحد، والأستاذ البنا رحمة الله عليه طرح منذ القديم أن تعاملنا مع
العالم يمكن أن يكون مصالح بمصالح، فنحن لا يمكن بأن نضرب مصالح أي جهة من الجهات.
وإن الشيء الذي نخشاه والذي ينبغي أن
يفهمه عنا العالم أننا نرفض فكرة مصالح بمبادئ، فإذا أراد العالم أن يفرض عليها
مبادئه فهذه هي النقطة الفاصلة أما إذا أراد الحضارة الإنسانية والطريق لحفظ
المصالح العالمية أنها تكون من خلال إعطاء الإسلاميين حرية سياسية فهم في هذه
الحالة يتعمق إدراكهم لموضوع الحضارة ولموضوع المصالح وبالتالي فإنهم يكونون أكثر
إدراكاً للمصالح والحضارة وبالتالي فإنهم سيحاولون أن يحافظوا على المصالح المعقولة لأي جهة من
الجهات على الأرض الإسلامية .
· إن
هذا الكلام الذي تقوله يظهر وكأنه يتناقض مع سياسة بعض الإسلاميين في بعض الدول
العربية؟
- هذه
المبادئ التي نقول بها لا تناقض أنفسنا ولا تناقض سياساتنا في أي مكان في الحقيقة
فنحن لو أ‘طينا حرية سياسية ودعوية في أي مكان لكانت سياستنا واحدة لكن قد يحدث
أحياناً أن بعض الأنظمة لا تراعي بعض القضايا المهمة ولا تراعي بعض القضايا
الداخلية والخارجية ولا تراعي أن تعطي الإسلاميين شيئاً من الحرية السياسية أو
الدعوية فهنا قد تصل العلاقة بين هذه الأنظمة وبين الإسلاميين إلى حالة انفجار.
وإذن فالسبب في أن هناك سياسات للإسلاميين في بعض الأقطار تتنافى مع هذا الذي
أقول.. أنا لا أعتبره متنافيا وإنما أعتبره متكاملاً فعندما لا يعطى الإسلاميون
حرية سياسية ودعوية وعندما تصبح بعض البلاد في وضع داخلي وخارجي وغير معقول
بالنسبة لشعبها وبالنسبة للآخرين فشيء
عادي أن يحدث هذا الانفجار ولو أنه وجد تعقل في التعامل مع الإسلاميين لما كان
لهذا الانفجار أن يحدث.
فالإسلاميون عانوا كثيراً من فكرة إلغاء التعددية الحزبية
وبالتالي فإنهم لن يقعوا في هذه الخطيئة بإذن الله.
مقتطفات
من
آخر
حديث للشيخ سعيد حوى
نشرت في اللواء المجتمع في 21/ 3/ 1989م العدد:909
نقول إن الحركة الإسلامية يجب أن تلحظ امن الأمة الإسلامية اولا ثم امن
اقطارها ثانيا ثم امنها وامن افرادها .
إن أمن الأمة الإسلامية لا زال حتى هذه اللحظة مهددا ولازال أمن بعض
الأقطار الإسلامية مهددا وعلى الحركة الإسلامية أن تفطن لا منها ، وليس هذا غريباً
وإنما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان يبحث عن الأمن من أجل هذه
الدعوة ومن أجل استمرارها ومن أجل التعميق لوجودها ، وكذلك ينبغي على الحركة
الإسلامية أن تفكر في أمن أفرادها ، ولكن يحدث أحياناً أن الكفر والكافرين لا
يسمحون للحركة الإسلامية بالأمن ولا الأمان وفي هذه الحالة يجب على الحركة
الإسلامية أن تفكر في أمن أفرادها ، ولكن يحدث أحياناً أن الكفر والكافرين لا
يسمحون للحركة الإسلامية بأمن ولا أمان وفي هذه الحالة يجب على الحركة الإسلامية
أن تفكر التفكير القرآني في نظرية الأمن فمن المعاني التي ذكرها القرآن الكريم :
إن أمن المسلمين قد يكون مرهوناً بشيء اسمه القتال والتحريض على القتال وهذا على
خلاف ما يظنه الناس العاديون الذين لا يفطنون للمعاني القرآنية ، فالله عز وجل
يقول (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس
الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً) فهذه الآية تذكر بمفهوم أن بأس
الكافرين لا ينكفئ الإ إذا وجد مقاتل مسلم . إذاً ليس بالضرورة أن يكون أمن أفراد
الحركة الإسلامية ولا أمن الحركة نفسها باستسلام لبأس الكافرين ولا لعدوانهم ولكن
قد يضطر أبناء الحركة الإسلامية لشيء أخر الإ بعد استنفاذ كل الوسائل الأخرى , وإذا
استنفذنا الوسائل الأخرى عندئذ لا بد أن يكون هناك دفاع ورد على العدوان , و من
صفات المسلمين أنهم لا يسمحون للظلم أن يقع بهم , قال تعالى : (( والذين اذا
أصابهم البغي هم ينتصرون )) وقال : (( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من
سبيل )) , ولكن عليهم أن يستنفذوا الوسع أولاً , قال تعالى : (( ولمن صبر وغفر أن
ذلك لمن عزم الأمور) فإذا استنفذوه وأصر الكافرون على أن ينزلوا بأسهم بالمسلمين
عندئذ قد يكون أمن المسلمين وأمن الحركة الإسلامية فيما قاله عز وجل (فقاتل في
سبيل الله, لا تكلف الا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله
أشد بأساً وأشد تنكلاً ) .