أهم سمات المنهج الفكري والدعوي لدى الشيخ
كتبه ولده: د. محمد سعيد حوى
لقد كان للشيخ أسلوبه المتميز في العمل العام
والتربية والدعوة إلى الله والعمل السياسي، كما كان له أسلوبه في التأليف
والتدريس، وكل ذلك ينم عن بعد نظر وعمق فكر، وشخصية متميزة،
فما هي بعض
خصائص فكره وأسلوبه في العمل الإسلامي العام؟
1 ـ لقد كان أحب الأشياء إليه رحمه الله خدمة الناس
عموماً، وإخوانه، وتلامذته خصوصاً، معتبراً ذلك أساساً لابد منه لأي داعية ناجح
ولأي عمل سياسي إسلامي.
2 ـ انطبع في عقل الشيخ أهمية رسم الخطط في الشؤون
الصغيرة والكبيرة، فغدا لا يؤمن بعمل عام لا ينبثق عن خطة محكمة وتخطيط سليم
في التنفيذ.
3 ـ يلاحظ تركيز الشيخ دائماً على ضرورة وجود الشخصية
الإسلامية التي امتلكت الثقافة المعاصرة والمتوارثة واستجمعت الخصائص النبوية
وتعمق لديها الالتزام بمقتضيات ذلك، معتبراً أن سر نجاح العمل الإسلامي هو وجود
هذه الشخصيات التي من مجموعها تتكون الجهة المستشرفة المؤهلة للتخطيط والتنظيم.
4 ـ يولي الشيخ أهمية خاصة للمسجد باعتباره منطلق
الدعوة الأول، ومحور نشاط المسلم ومرتكز حياة الأفراد، معتبراً أن أي منطلق صحيح
للتنظيم، لابد وأن يكون من المسجد باعتباره نواة الحي الذي يجمع في داخله أصناف
الناس، وطبقاتهم ولا يضيع أحداً منهم.مع عدم إهمال أنواع الارتباطات الأخرى: الطلابية
والعمالية …
5 ـ يمتاز فكر الشيخ بأنه يحاول دائما أن يستجمع أطراف
أي قضية يبحثها أو يعمل لها، فينظر للأمور نظرة كلية تجمع شتات الموضوع
وجزئياته، وتربطه بكُلِّيّاتِه.
6 ـ إيمان الشيخ بضرورة الحركة الدائمة، وأن أي جمود
في الحركة يعطلها ويقتلها، وهذا يقتضي قوة مبادرة واستباق واستشراف للأحداث وتقويم
مستمر للعمل وسرعة بديهة في التعامل مع المستجدات وكان الشيخ يمتلك هذا كله.
7 ـ كما كان يركز الشيخ على أن نجاح أي عمل لا يتم الا من
خلال التلاحم والتفاهم والتكامل وسيادة روح الإخاء والمحبة في علاقة
القيادات ببعضها والقيادات بالأفراد.
8 ـ ولعل من أهم ما يميز فكر الشيخ أن جميع آرائه
ونظرياته ومناهجه مستقاة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تجد
لديه فكرة إلا وتجد أنه استنبطها من خلال آية أو حديث.
فعلى آيات الردة
في سورة المائدة بنى كتاب جند الله ثقافةً وأخلاقاً.
وحول قوله
تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف
القول غروراً ) كان محور كتاب من أجل خطوة للأمام…
وكان قوله تعالى
: (من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) هو مصدر إلهام في
بناء النظرية التنظيمية والتربوية معاً.
وكان قوله تعالى
: ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) مصدر حركته
التربوية والثقافية.
وكانت آيات من
سورة الشورى معلماً بارزاً في بيان خصائص من يعول عليهم في العمل ابتداء من قوله
تعالى: (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ).
9 ـ وامتاز الشيخ بتكامل فكره وبنائه، ولقد فقه كثير
من أحبابه هذا لديه فقال بعضهم ([1])
فيه: (وَضَعْتَ الأساس في التفسير والسنة وشيدتَ البناء بالأصول الأربعة :الله جل
جلاله، الرسول صلى الله عليه وسلم، الإسلام، جند الله، وزينتَ البناء: بالمدخل،
والآفاق، ثم نبضتِ الحياة وانسابت اللطائف والأرواح بتربيتنا الروحية والمستخلص )
10 ـ و مثل ما امتاز الشيخ بما مضى فإنه امتاز في أسلوب
كتابته، فأول ما يلحظه قارئ مؤلفات الشيخ سلاسة أسلوبه وسهولته، إذ أنه لا
يعمد إلى تنميق عباراته ولا تعقيدها، بل يركز دائماً على إيصال المعنى بأسهل عبارة
وأقرب صياغة، ويضع يدك على اللُّباب والمعنى مباشرة دون تطويل، ولشدة سلاسة عبارته
تشعر كأن الشيخ يتحدث معك مباشرةً.
11 ـ ومما امتاز به فكر الشيخ فهم عميق للأحكام الشرعية
الأصلية والأحكام الاستثنائية التي ينبني عليها وضع الأمر في موضعه الصحيح،
والموازنة بين المصالح والمضار، وترتيب الأولويات ترتيباً صحيحاً على أن يكون ذلك
مرتبطاً بالفتوى البصيرة العلمية من أهلها الراسخين في العلم.
12 ـ ولقد تكاملت شخصية الشيخ فكان يجمع إلى جانب
الدعوة إلى الله، التحرك السياسي الدائم المناسب والعلم الشرعي المدقق والتصوف
السني المحرر من الشوائب والمنضبط بالكتاب والسنة، وضمن اجتهادات أهل العلم
الراسخين في العلم.
13 ـ لقد كان الشيخ رحمه الله، شديد الولع والاهتمام بقضايا
التخطيط والتنظيم والمناهج التي تضع العمل الإسلامي موضعه الصحيح المناسب،
وترتقي بالمسلم في ثقافته وخصائصه والتزامه، ووعيه وفكره وقلبه وروحه، بما يجعله
مؤهلاً حقاً لحمل هذا الدين للعالم كله هداية ورشداً وسعادة وعدلاً.لذلك كانت
معاناته في عمله الحركي كبيرة، لما كان يراه لدى بعض العاملين من قصور في تصور
المنهاج وقضايا النظام والتنظيم، أو حرص لدى البعض على المركزية القاتلة، أو العمل
ضمن محاور ومراكز قوى، والانسياق وراء اجتهادات لا تمثل انتقاء الصالح للارتقاء
والبقاء، هذا وغيره من مشكلات العمل الإسلامي جعلت الشيخ دائم التفكير فيما هو
الأصلح للأمة، ودائم البحث عن المنهج الأسلم للتغيير والتجديد، الذي من خلاله يتم
إعزاز دين الله والحكم بشرعه.
فكان من
نتائج هذه المعاناة والدراسات كتبه الكثيرة، وعلى رأسها كتاب جند الله بأقسامه: ثقافة،
وأخلاقاً، وتنظيماً، وتخطيطاً، وتنفيذاً.
([1]) د. أحمد جواد، مجلة النذير، العدد 113، ص 21.