في
الذكرى التاسعة لوفاته
الشيخ
سعيد حوى.. الشاهد على عصره
نتناول في هذا المقال محطات من تاريخه، استخلصناها
من كتابه "هذه تجربتي وهذه شهادتي" والتي ركزنا فيها على أهم أفكاره
التي تناولها العديد من مؤلفاته، والتي ساهمت في ثقافة جيل تربي على الإسلام
وتجربة ثرية من تجارب جماعة الإخوان.
فقد التحق بحركة الإخوان في العشرين من عمره،
وتدرج في المواقع التنظيمية فعين مسؤولاً في مراحل الثانوية وفي الجامعة، وكان له
العديد من لمواقف التي تصدى فيها إلى النشاطات اليسارية التي حاولت الإساءة
للإسلام والأنبياء، وكان كثير التنقل بين العلماء كافة الاتجاهات الإسلامية،
فاستفاد من المدرسة السلفية، كما التحق بحلقات الصوفية والخلوات، وشارك في الحملات
الانتخابية، لمرشحين إسلاميين في أوقات أعلنت فيها الجماعة عن مقاطعتها، كان له
دور متميز في التصدي لحزب البعث الذي سيطر على الحكم في منتصف الستينات، فكان
يخاطب الناس في مدينة حلب ويحثهم على توحيد مواقفهم وسافر سراً إلى العراق والأردن
من أجل تأمين السلاح الذي يضمن فيه التصدي إلى محاولة علمنة النظام وإلغاء
الأوقاف.. وتدريس التربية الإسلامية في المدارس.
وفي الثلاثين من عمره وبتشجيع من حركة الإخوان
المسلمين سافر إلى السعودية وأمضى خمسة أعوام قام خلالها بوضع منهاج للجماعة، فكتب
سلسلة الأصول "الله، الرسول، الإسلام". وكتاب جند الله ثقافة وأخلاقاً،
وجند الله تخطيطاً وتنظيماً وتنفيذاً، وفي هذه الفترة قامت الحركة التصحيحية،
واعتقل فيها صلاح جديد العقل المدبر لثورة البعث في 1946 وبقي في معتقله حتى وفاته
في التسعينات وحدثت ككارثة حزيران وتشكلت العديد من الأحزاب.
وبعد
عودته التحق للعمل في التدريس، وفي عام 1973 حاولت إجراء تعديل على الدستور يلغي
بموجبه قانون الأحوال الشخصية الإسلامية، ويفرض التجديد الإجباري على المرأة
وإنهاء التعليم الديني، وتجاهل الدستور المادة التي تنص على أن دين رئيس الدولة
الإسلام وأن الإسلام أحد مصادر التشريع.. يومها كتب الشيخ فتوى يرفض الدستور،
وتحرك في حلب وحماة وحمص ودمشق يحرص على شيوخ سوريا للتوقيع ورفض الدستور وتمكن
لأول مرة في تاريخ سوريا الحديث من توحيد موقف علماء سوريا في جميع المحافظات في
التصدي لقضية سياسية، كما استجاب الاشتراكيون فأعلنوا الإضراب وتحمس الناصريون
فأصدروا بياناً. وبقي البيان رقم "1" الذي وقع عليه العلماء والتقى عليه
السوريون بصور مختلفة، في رفض الدستور بقي سراً لا أحد يعرف مصدره حتى بدأت
السياسي في السجن، ونتيجة تأمله في القرآن وضع نظريته في الوحدة القرآنية وبنى
عليها تفسيره الذي سماه "الأساس في التفسير" وتم إنجازه في عامين لكنه
لم ير النور إلا في عام 1985م استعرض فيه النصوص بالدليل والبرهان وقدم فيه إجابات
متكاملة أظهرت الصلة بين سور القرآن وآياته، ومظاهر الإعجاز وتصحيح التصورات والموائمة
بين العلم والتربية والجهاد في آن واحد، وفيه بيان لرأي أهل السنة والجماعة
والمدارس الاعتقادية والفقهية والروحية والسلوكية والأصولية، كتب بعدها "من
أجل خطوة للأمام" " جولات في الفقهين الكبير والأكبر" "تربيتنا الروحية" "القواعد في
البناء" "نظريتنا الأمنية" وغيرها.
وفي تلك الأثناء قامت حرب تشرين وتعرض السجن
للقذائف الصاروخية سارعت في خروجه من الزنزانة الانفرادية لوضع أسرى اليهود، كما
اعتقل الشيخ مروان الحديد الذي توفي في السجن، كان سبباً في تأزم الوضع.
وفي 1978م خرج من سوريا بطلب من المراقب العام
"عدنان سعد الدين" وبإجماع من الإخوان استقر بعدها في عمان وبقي فيها
حتى وفاته في "9/3/1989" زار خلالها العديد من الدول العربية والإسلامية
وشارك في المؤتمرات وألقى المحاضرات في السعودية وقطر والإمارات والعراق ولبنان
وباكستان وإيران وأمريكا وبريطانيا وغيرها..
وقام خلال إقامته بتنقيح كتبه فظهر كتاب
"تربيتنا الروحية" و " المدخل إلى جماعة الإخوان المسلمين" و
" دروس في العمل الإسلامي" و " آفاق التعاليم" و" فصول
في الآمر والأمير" ووضع إحدى عشر رسالة تحت عنوان "كي لا نمضي بعيداً عن
احتياجات العصر" ففي "إحياء الربانية" كان حريصاًُ على إيجاد حركة
رائدة يعتبرها ضرورة معاصرة تقدم الثقافة الانموذج والتربية الأنموذج والمسجد
الأنموذج الذي يعج بالحركة العليمة والروحية للصغار والكبار، وتقدم فيها إجازة،
ورسالة "منطلقات إسلامية لحضارة عالمية" و " أخلاقيات
وسلوكيات" وغيرها ..
إضافة إلى "الأساس في السنة
وفقهها" و "الأساس في قواعد
المعرفة وضوابط الفهم للنصوص" و"المستخلص في تزكية الأنفس" و
"مذكرات في منازل الصديقين والربانيين" كما وضع كتابه "هذه تجربتي
وهذه شهادتي" الذي يقول فيه "غلب علي التفكير في شأن الأمة في قيامي
وقعودي حتى خشيت أن تصبح الأمة الإسلامية شاغلا لي عن الله عز وجل ".
وبعد أحداث الثمانينات ، انتقلت قيادة الحركة
إلى الخارج، كان الشيخ بينها.
في
1987 ازدادت عليه الأوجاع، وتعددت الأمراض ونصحه الأطباء بالاعتزال الكامل نتيجة
أمراض العيون والسكري والضغط والقلب وتصلب الشرايين وتورم الأقدام، والكلى وأعراض
الشلل الجزئي، فلم يعد قادراً على المشاركة في العمل العام، فاقتصر دوره على تقديم
النصيحة والتأليف، أدخل بعد ذلك إلى المستشفى حتى توفاه الله في 9/ 3/ 1989م .
قام بزيارته أثناءها العديد من القيادات
الإسلامية وزعماء دول وقادة الأحزاب الأردنية والفلسطينية والعربية، فقد كانت له
كلمة يحترمها الجميع.