الشيخ سعيد خصائص وشمائل
كتبه ولده: د. محمد سعيد حوى
لقد تحلى
الشيخ رحمه الله بجملة من الخصائص والشمائل أجملها فيما يأتي:
1ـ الصبر
والجهاد والمجاهدة : كان الصبر خلقاً بارزاً جداً في شخصية الشيخ رحمه الله
فلقد سجن خمس سنوات فلم تسمع له أنة أو شكوى يوماً، وتكاثرت عليه الأمراض من سكري
وضغط وتصلب شرايين وفشل كلوي جزئي وفقد البصر إلا قليلاً، فكان يتلقى كل ذلك برضى
وطمائنينه. وفقد أخويه وكثيراً من أحبابه فتجلد لذلك وسلم لأمر ربه.
وهاجر وترك
بلده وأهله …وأوذي في بعض أهله فلم يُعلِم بذلك أحداً … وصبر …
واحتمل من الأذى في سبيل الله ما احتمل، فما تبرم لذلك يوماً
أبداً، وكان بمقاله وحاله الرجل الذي يصبر الآخرين ويثبتهم.
يقول
الدكتور أحمد جواد : تميز الشيخ أبو محمد بالشجاعة والجرأة في الحق وإذا كان
الجهاد في سبيل الله دون خوف من لوم اللائمين كما قسمه في بعض كتبه خمسة أنواع : أولاً:
الجهاد باللسان، ثانياً: الجهاد التعليمي، ثالثاً: الجهاد المالي، رابعاً: الجهاد
السياسي، خامساً: الجهاد باليد والنفس. فإن الشيخ جاهد بها جميعاً، فقد جاهد
خطيباً ومحاضراً بلسانه كما جاهد بقلمه وما ادخر من ماله فلساً، ينفق في سبيل الله،
كما كانت له المواقف الرائعة الجريئة أمام الحكام، ولقد حمل السلاح مدافعاً عن
دينه وعقيدته([1])
.
ويقول
الأستاذ عدنان سعد الدين:جاهد الشيخ بسيفه ولسانه وقلمه وماله فلم يعرف طعم الراحة
زهاء أربعين، كان همه ودأبه أن يقيم للإسلام مجتمعاً راقياً ويبني على أسسه
وقواعده دولة عتيدة. تعرض للأذى والاضطهاد ولاحقته السلطات الباغية، ودخل السجن
بضع سنين، ثم هاجر في سبيل الله وطاف العالم يبشر بدعوة الإسلام ويدعو الناس
إليها، وحاول العدو اغتياله والقضاء عليه وعندما فشل في ذلك ألحق أشد العذاب
بعائلته الكريمة الصابرة. فاغتالت يد العدو أخويه وأمعنت في قتل شباب العائلة من
آل حوى حتى مضى منهم زهاء عشرين شهيداً([2])
.
2ـ الكرم
والزهد : جود الشيخ وكرمه يعد مضرب مثل عند إخوانه ولا أدل على ذلك أنه درس في
السعودية هو وأم محمد خمس سنوات ثم عاد إلى بلدة حماه مديوناً لم يورث شيئاً مما لأجله
الآخرون يعملون. وما كان يُسأل عن شيء فيقول لا، إن وجد أعطى، وإن لم يجد وعد
ووفى. وما زاره أحد إخوانه ليلاً ونهاراً إلا أكرم وإن أمكن أن يقدم طعاماً قدم
مما هو موجود بلا تكلف ولا إسراف. وعندما خطب أم محمد قال لها ثلاثة لا أفرط فيها
ولا أقبل أن يمس منها أحد أو أن يقصر في حقهم، والدي وأضيافي وأسراري.
3ـ التواضع:
وتلك صفة بارزة في الشيخ رحمه الله يجلس للصغير وللكبير ويحادث الأخ والابن والبنت،
ويلبس ما تيسر من اللباس، يتبسط في حديثه ومداعباته، لو زرت بيته لم تجد من الأثاث
إلا أيسره وأهونه.
4ـ الشجاعة والأنفة وعزة النفس: أمام إغراءت
الدنيا وشهواتها، فما طأطأ يوماً لأجل الدنيا، وما خضع يوماً لظالم،ولقد قال
أبياتاً في موقف تعرض له أثناء عمله مدرساً تعبر عن هذه الروح:
حـذار
المسـاس بحريـتي فكسر الكرامـة
لا يجبر
وإني
تركت البـلاد التي هي الوطن الأطيب الأطهر
لأني
خشيت ذليـل الأذى وظلمـاً أراه فـلا أنـكر
وسأورد هذه
الأبيات كاملة فيما بعد.
ولقد حدث
أقرانه عن شجاعته فمثلاً إذا أعلن أبناء الحركة إضراباً في مدرسة ابن رشد فيكفي أن
يقف سعيد حوى في باب المدرسة ليمنع أحداً من أن يدخل إليها.
وكان من
شجاعته النادرة وتفانيه أن تحمل أمام المحققين في سجن المزة مسؤولية بيان الدستور
سنة 1973، ليكلفه ذلك خمس سنوات سجناً، ولينجو إخوانه من السجن الطويل.
5ـ الحلم:
يقول الدكتور أحمد جواد :عاش الشيخ رحمه الله حياته مع إخوانه ومع الناس على شتى
أصنافهم وطبيعي أن يتفق أو يختلف مع غيره في بعض الآراء أو المواقف وأنقسم الناس
فيه بين محب وبين مخاصم معاند لا يفوت فرصة للنيل منه أو الكيد له.لكنني في حدود
ما أعلم وهذه شهادة أمام الله ما وجدته يحمل غلاً ولا حقداً على أحد بل يؤول
المخالفة ويسامحه وإذا لقيه تبسم واستبشر واعتذر ليستل سخيمة قلبه ويحوله إلى
المودة والصفاء مما دفع بعض الناس أن تفهمه فهماً معكوساً وتقول :لقد تاب الشيخ عن
بعض كتبه وهذه مغالطة كبيرة وإساءة بالغة له ولتراثه العلمي الزاخر، ولا ندعي
العصمة إلا لكتاب الله وما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم .. لكن يشهد أهل العلم
بسلامة منهجه وصحة ما دعا إليه وكتب([3])
.
كان من
حلمه أنه يؤذى ويشتم ثم يصبر ويقف مع الشاب المبتدأ سنا وتجربة فيرفع صوته أمامه
ثم يحاوره حتى يقنعه وربما أكرمه بعد ذلك. وأود هنا أن أورد هذه المقتطفات من
شهادة الأستاذ عدنان سعد الدين، يقول: إن جملة العوامل الفطرية من ذكاء حاد وموهبة
نادرة والعوامل المكتسبة من دراسة وتجربة ومشاركة وخبرة ونشاط؛ كونت هذه الشخصية
النادرة وأبرزت فيها جملة من السمات والخصائص.
ما عرفت في
الكرماء وأهل الجود على كثرتهم أسخى منه يداً وأعظم منه كرماً، كانت ثقته بما في
يد الله أكبر من ثقته بما في يده، وكان أمتع الأمور إلى نفسه إكرام ضيوفه وإيثارهم
على نفسه وعلى عياله، ما شكا الفقر يوماً لأنه ما خشي الفقر يوماً. أحب الأشياء
إلى قلبه خدمة إخوانه وتلاميذه وإكرامهم ومد يد العون لهم، مما يجعله منشرح الصدر
متهلل الوجه كأنك تعطيه الذي أنت سائله، وكان رحمة الله عليه شجاعاً مقداماً لا
يعرف الخوف إلى نفسه سبيلاً، يواجه العالم بكل فراعينه وطغاته بمعتقداته وقناعاته
دون أن تأخذه في الله لومة لائم، واستمر على ذلك حتى وافته المنية رحمه الله.كان
قريباً من القلوب محبباً إلى الناس يأسرهم بخطاباته ويشدهم بحديثه العذب ومنطقه
الصارم وحجته البالغة، كان استهلاله لأي حديثاً مدهشاً، وذا بيان ساحر، بل كان
يقنع القريبين والبعيدين عنه، ففي آخر جولة قمنا بها سوية إلى القاهرة عام 1986تمت
لقاءات بأكثر من ثلاثين مؤسسة وهيئة وجماعة، مثل مشيخة الأزهر والمجلس الأعلى
للشؤون الإسلامية ووزراء للأوقاف سابقين وشخصيات سياسة ومشيخة الطرق الصوفية
وجمعيات الشبان ورجال فكر وصحافة واعلام وأعضاء في البرلمان وقادة أحزاب، بعضهم
يتفق مع الإخوان وبعضهم يختلف معهم، بيد أنهم جميعاً استقبلوا أحاديثه وأفكاره
ومقترحاته بالارتياح والإعجاب والقبول، كان تأثيره كبيراً على كل من التقاة من
القادة والزعماء ورؤساء الحكومات والشخصيات السياسة والفكرية والدعاة بما يطرحه من
أفكار ومقترحات وحلول ومشروعات لحل الأزمات التي تعاني منها أمتنا ومواجهة
المؤامرات التي تحاك ضد التي أوطاننا.
كان رحمه
الله متواضعاً وديعاً يألف ويؤلف، كما كان سموحاً صفوحاً، إذا غضب كان إلى الرضا
أسرع، لا يطيق جفوة الإخوان والخلان، فإذا واختلف مع إخوانه وأصحابه أو اختلفوا
معه بادر إلى إزالة أسباب الجفاء، بل إلى تقديم الاعتذار لهم، والتودد إليهم،
وتطييب نفوسهم سواء أكان هو المخطئ معهم أم كانوا هم المخطئين([4])
.
شهادات أخرى
:
لا يستطيع المرء استيعاب مزايا الشيخ وخصائص فكره، ولكني أقتبس اقتباسات من كلمات
حق قيلت في حق الشيخ توضح بعض ما للشيخ:
من ذلك ما
قاله الأستاذ عدنان سعد الدين أيضاً المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في
سورية ـ في ضمن مقالة مطولة: إن الذي يمعن النظر في كتاباته يحسبه متفرغا لها، بل
يجده قد أعطى أكثر مما قدمه المتفرغون للبحث والتأليف، ومن نظر في نشاطاته
ومشاركته ومسؤولياته الإدارية والتنظيمية يخاله منصرفاً إليها ولا يشغله عنها شيء
فكان في مجال الحركة والنشاط متقدماً، وكان في رحاب الفكر وحقل الكتابة والتأليف
مبرزاً، وهذه خصيصة انفرد بها رحمه الله، لم يجاره بها أحد من أبناء الجماعة في
سورية منذ نشأة حركة الإخوان المسلمين عدا الدكتور مصطفى السباعي قائد الجماعة
واحد السابقين في تأسيسها وتشييد بنائها، إن جملة العوامل الفطرية من ذكاء حادٍ
وموهبة نادرة والعوامل المكتسبة من دراسة وتجربة ومشاركة وخبرة ونشاط كونت الشخصية
النادرة وأبرزت فيها جملة من السمات والخصائص([5])
.
ومن ذلك ما
قاله الشيخ الشهيد الدكتور عبد الله عزام رحمه الله : أبا محمد: ماذا نقول فيك ؟ إذ
حيثما فقدنا الرجال في ميدان وجدناك، طرقنا باب الدعوة فألفيناك قلعة من قلاعها،
وتلمسنا طريق العلم فوجدناك علماً من أعلامها، ومضينا على جادة الجهاد فرأيناك
صارماً من صوارمها، ونظرنا في ميدان السياسة فلقيناك قلماً من أقلامها، وسلكنا
طريق الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوجدناك معلماً بارزاً من معالمها. هكذا
نحسبك ولا نزكي على الله أحد([6])
.
ومن ذلك ما
كتبه الدكتور عادل حسون الكاتب في مجلة البلاغ: أستاذي سعيد حوى . . غادرتنا وكنا
في أمس الحاجة إليك . . لأنك كنت حجة على الدعاة وشاهداً على الناس . . نعم يا
سعيد . . كنت تريد الداعية المهاجر ألا يثقله المتاع في بلاد الرفاه، فيمكث فيها
بالعشر والعشرين والثلاثين بحجة العمل للدعوة وهو في الحقيقة قابع لأجل المال
والمتاع!!وكنت تريد للداعية الأنصاري أن يمنح أخاه المهاجر كل الحقوق، وأن لا
يترفع عليه، وأن يقاسمه الحوار والنصح والنقد والعدالة، وكل ضوابط أخوة المهاجرين
والأنصار!! وكنت تريد من الجماعة الحركية ألا يكون قيمة صوت أحد أفرادها بما يملك
من مال ومن جاه!!بل بما يملكه من أخلاق ومن جرأة ومن نخوة ومن تجرد حقيقي لا دعائي
!!وكنت تريد أيضاً من الجماعة الحركية أن تكون واعية إلى درجة تقدر فيها أن تكشف
أي قيادي فيها اندس في صفوفها خلسة أو ارتقى في مناصبها في غفلة من زمن، تريدها أن
تكشفه لتخرجه من الصفوف…كنت تريد كل داعية أن
لا يخاف من أحد إلا رسول الله، وأن لا يهتز قلبه خوفاً أو طمعاً من أخيه في الله
مهما كان أخوه صاحب مال أو منصب أو جاه…نعم…كنت تريد
الجماعة الحركية…أن تكون في المستوى الرباني اللائق…لهذا حسدك البعض من
إخوانك وقاتلك البعض الآخر…وشهر بك آخرون ولكنك
صمدت أنت ورجال من أمثالك مهاجرون سواء في العلم العربي والإسلامي أو في أوروبا
وغيرها فكنت حقاً جديراً بالمجد ألا رحمة الله على معلمي ورفيق دربي الشيخ سعيد ف
إلى اللقاء في جنة الخلد، في رحاب الله ومستقر رحمته([7])
.
وأختم هذه
المقتطفات بهذه الكلمات للأستاذ ياسر زعاترة، رئيس تحرير مجلة فلسطين المسلمة: كفكفي
الدمع أيتها النواعير الحزينة رغم أنك قد أدمنت الحزن، كفكفي الدمع فالشيخ لم يمت،
وهل يموت الأولياء وفي الدنا طفل بريء، هذي النجوم قد رحلت منذ آلاف السنين، وها
مواقعها تضئ، فالشيخ باق ما بقيت حروفه التي نثرت على الصفحات تعلن أن مزابل
التاريخ مشرعة لمن تنادوا لكي يسرقوا منا النهار.
أترى تراك
حماة مشتعلاً بجذر نشيدها وتنام؟!!
أو هل تراك
تغيب قسراً عن سنابلها.
ولا يبكي
الغمام ؟!!
بل كيف
تشهر طلقة الروح الأخيرة.
في وجه
قاتله وينساك الحمام !
يبكيك سيف
الحق في وطني وينتحب السلام.
كنت أجلس إليه كصوفي أمام شيخه لا يعرف الهذر
إلي لسانه سبيلاً فليس ثمة لحظة تمضي وأنت بين يديه إلا ويعطيك فيها خفقة من قلبه
وشعاعاً من عقله حتى إذا أضحكك بنكتة، كانت هي الحكمة بعينها.قتلته هموم أمته،
ولوعته أحزان الثك إلى والمستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، ولذا فقد كانت
النهاية بالنسبة له واضحة.
قد قلت لي :
إن الذين يعشبون عقولهم كي تزهر الأفكار.
قد عرفت نهايتهم.
فموت أو جنون.
إن كان حقاً ما تقول فهب لروحي لحظتين.
لكي أرتب شكل موتي.
فالهم وحدنا، وفرقنا المنون([8])
.
وبعد:فهذه كلمات واقتباسات وشهادات أحببت أن
أضعها بين يدي القارئ الكريم تذكر بالمؤلف وتسدي له بعض ما له من حق علينا، وتعين
على تصور فكر الشيخ، وفهم آرائه ونظرياته في العمل الإسلامي.
([1]) مجلة النذير العدد 113 ، ص 23.
([2]) مجلة النذير العدد 113 ، ص 6.
([3]) مجلة النذير، العدد 113، ص23.
([4]) مجلة النذير، العدد 113، ص 6-7.
([6]) مجلة الجهاد الأفغانية، العدد 53.
([7]) مجلة البلاغ، العدد 985، 19 / 3 / 1989م .
([8]) صحيفة اللواء الأردنية 15 / 3 / 1989م .