التحقيق في أسباب
إجلاء بني قينقاع
إعداد:
د. محمد سعيد حوى
جامعة مؤتة
/ كلية الشريعة
قسم أصول
الدين
ملخص
تعد
قضية أسباب جلاء بني قينقاع من الأحداث المهمة جداً في السيرة النبوية، وقد وردت
فيها عدة مرويات تستحق نقداً ودراسة وتقويماً، وخاصة الرواية المتصلة بالاعتداء
على المرأة المسلمة في سوق قينقاع، وما يترتب عليها.
كما
أن المستشرقين استغلوا هذه القضية، محاولين تشويه نقاء السيرة، مقدمين أسباباً
مكذوبة لإجلاء بني قينقاع، ووقع بعض الباحثين الإسلاميين في تحليلات فكرية خاطئة
في صدد دراسة هذا الموضوع.
مما
يستوجب دراسة القضية برمتها، وبيان الحق فيها، ليتوصل الباحث إلى أن جلاء بني
قينقاع كان لارتكابهم جملة أعمال عدائية، كإعلان المعاداة والمحاربة والمحادّة لله
ولرسوله r ، وإظهار الحنق
والغيظ من انتصار المسلمين، والتواصل مع أعداء المسلمين من قريش، فكان لا بد من
مبادرة سريعة تجاههم، إذ لم يحفظوا للمسلمين إلّاً ولا ذمة.
ABSTRACT
It
was an important issue of prophet Mohammad's Sira the discussion about the real
reasons of why Bani qainuqa'a were forced to be out of Al-Madina. Many of those
related contexts describe what had happened need to be studied deeply as well
the need to be criticized and finally evaluated especially the part of story
related to the aggression on the muslim's woman and the sequences of such
story.
This
paper was because of many Orientalist perspectives which tried to abuse this
issue using some lies about what happened in order to give bad and wrong idea
about prophet Mohammad's Sira. This abuse had led many Islamic researchers to
the confusion of miss-analyzed studies about this issue. Therefore the purpose
of this study was to give a comprehensive academic view for the whole issue.
The
results of this paper show that Bani Qainuqa'a were forced to leave Al-Madina
because of many justified reasons such as: many aggressive acts toward Islamic
society, making contacts with enemies of islam and islamic society and cooperation
with the main enemy (Quraish). Hence the Islamic act of forcing them to be out
of Al-Madina was a must for preventing such harmful activities.
المقدمة
أَوْلى
المسلمون السنة النبوية كامل عنايتهم واهتمامهم؛ درساً وتمحيصاً لرواياتها، ونقداً
لأحوال رواتها، وسبراً لمتونها، توصلاً إلى معرفة الصحيح من السقيم، والسليم من
المعلول، وفاءً بحق السنة، وما يجب لها من كمال الطاعة والاتباع، امتثالاً للأمر
الرباني: ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ [ الحشر: 7 ]، وقوله: ﴿
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ﴾ [ محمد: 33 ]، وقوله تعالى: ﴿ فلا
وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت
ويسلموا تسليماً ﴾ [ النساء: 65 ].
فالسنة
هي المفصلة لمجمل الكتاب، والمبينة لأحكامه، والموضحة لمشكله، كما أنها قد تستقل
بجملة من الأحكام.
وتعد
السيرة النبوية جزءً لا يتجزأ من سنة رسول الله r، إذ السنة « ما أضيف إليه r من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية » ([1]).
والسيرة
لا تخرج عن كونها أقوالاً أو أفعالاً أو تقريرات أو أوصافاً له r.
ولقد بنى علماؤنا وفقهاؤنا كثيراً من أحكامهم الفقهية الدقيقة على أحداث في السيرة النبوية([2]).
ولئن
كان علماؤنا قد اتجهت همتهم الكاملة لنقد أحاديث العقائد والأحكام والآداب ومجمل
التشريعات، وفق منهج النقد الحديثي الدقيق؛ فلقد بذلت جهود مخلصة أيضاً للنظر في
أحداث السيرة النبوية في ضوء مقاييس النقد الحديثي، أذكر منها:
جهود
الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري في كتاب السيرة النبوية الصحيحة.
والشيخ
سعيد حوى في كتابه الأساس في السنة وفقهها، قسم السيرة.
إلا
أنه ما زالت تطرح في المكتبة الإسلامية اليوم مؤلفات جديدة في السيرة النبوية
تفتقر إلى اعتماد النقد الحديثي الدقيق، إما لعدم دراية مؤلفيها بمنهج المحدثين في
النقد، أو لأنهم لا يرون إخضاع السيرة لموازين النقد الحديثي ([3])،
والباحث يعتقد أنه لما كانت السيرة جزءً لا يتجزأ من السنة النبوية وينبني عليها
أحكام فقهية، وربما عقائدية؛ فإنه يتوجب علينا أن لا نقبل من السيرة إلا ما صح وفق
قواعد علم النقد الحديثي، إلا ما يمكن أن يُعَدَّ
من باب الفضائل والرقائق؛ فإنه يتساهل فيه.
وقد
رأيت أن من موضوعات السيرة التي تستحق أن تدرس بعناية، دراية ورواية، نقداً
وتمحيصاً؛ موضوع إجلاء بني قينقاع، فعلى سبيل المثال يُلحظ اعتماد أكثر الكاتبين
في السيرة لقصة الاعتداء على المرأة المسلمة في سوق بني قينقاع، فما حقيقة هذه
القضية.
كما
أن الدارس لقضية جلاء بني قينقاع يلحظ أنها تمثل نموذجاً لأساليب المستشرقين في
الطعن في السيرة النبوية وتشويه نقائها، فيقدمون اليهود في صورة القوم المستضعفين
الذين يعتدى عليهم لمجرد أنهم ذوو أموال وتجارة وحضارة مادية، محاولين إخفاء
سلوكهم العدائي تجاه الإسلام والمسلمين.
وقد
رأيت في سياق الدراسة لهذه المرحلة من السيرة أراءً لبعض الباحثين الإسلاميين في تحليل موقف يهود وسبب
إجلائهم من الخطورة بمكان.
لهذا
كله رأيت أن تكون قضية جلاء بني قينقاع محل دراسة نقدية تكون نموذجاً لما يجب أن
نسلكه علمياً في دراسة السيرة من وجهة نظر النقد الحديثي.
ولتحقيق
هذه الغايات؛ جعلت البحث في ستة
مطالب وخاتمة:
المطلب الأول: مدخل في
بيان القرآن لأسباب الصراع.
المطلب
الثاني: التعريف ببني قينقاع، وبيان تاريخ الغزوة.
المطلب
الثالث: تحقيق الروايات
الواردة في جلاء بني قينقاع.
المطلب
الرابع: أسباب أخرى لغزوة
بني قينقاع.
المطلب
الخامس: أسباب مفتراة.
المطلب
السادس: مصير بني قينقاع.
الخاتمة:
أوجزت فيها خلاصة ما توصلت إليه.
فإن
وفقت فمن الله، وله الحمد والشكر والثناء الحسن، وإن كانت الأخرى فمن نفسي وأستغفر
الله، راجياً من أهل العلم تسديد ثغرات هذا البحث المتواضع في بابه، والله ولي
التوفيق.
المطلب
الأول
مدخل في بيان القرآن
لأسباب الصراع مع يهود
لقد أولى القرآن قضية
الصراع مع يهود عناية تامة وأهمية خاصة، من غير ذكر تفاصيل كل حدث أو التنويه
بأسماء الأشخاص والقبائل إلا نادراً جداً، إذا اقتضت الحكمة ذلك، فمنهج القرآن
الدائم الإجمال والإيجاز، لأنه منهج للحياة كلها.
فسلط الأضواء على
انحرافات يهود العقدية، وفساد أخلاقهم، وقص علينا سوء أدبهم مع الله ورسوله r،
وتحريفهم لكتب الله، وفضح مواقفهم من أنبيائهم، واعتداءاتهم عليهم، مبيناً في سياق
ذلك توثيقاً كاملاً لتصرفات ومواقف وعقائد يهود، التي من شأنها أن تكون أسباباً في
تصدي النبي r
لهم.
وبين يدي التحقيق في
أسباب إجلاء بني قينقاع وكشف ملابسات الصراع معهم؛ أودّ أن أقدم بياناً موجزاً
لتوثيق القرآن لمجمل أسباب الصراع مع يهود، فمن ذلك:
1. عداؤهم لله ولرسوله r ولملائكته:
قال تعالى: ﴿ قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ، مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، مَن كَانَ عَدُوّاً للهِ وَمَلآئِكَتِهِ
وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 97-98]، قال الطبري: أجمع أهل العلم
بالتأويل أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكال ولي لهم، وساق أكثر من رواية في سبب نزول ذلك([4]).
وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلا
أَن كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء لَعَذَّبَهُمْ في الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي
الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ،
وَمَن يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 3-4].
روى الطبري بسنده عن الضحاك
في قوله تعالى: ﴿ ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ﴾: أهل النضير، وروى نحوه عن ابن
عباس وقتادة([5])، وقال الطبري في قوله تعالى: ﴿ ذلك بأنهم
شاقوا الله ورسوله ﴾: « هذا الذي فعل الله بهؤلاء اليهود ... بما فعلوا هم في
الدنيا من مخالفتهم الله ورسوله في أمره ونهيه وعصيانهم ربهم فيما أمرهم به من
اتباع محمد r
»([6]).
2. سوء أدبهم مع الله تعالى:
قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ
الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا
قَالُواْ، بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء، وَلَيَزِيدَنَّ
كَثِيراً مِنْهُم مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً، وَأَلْقَيْنَا
بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ، وَيَسْعَوْنَ في الأَرْضِ فَسَاداً، وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64]، عن
ابن عباس قال: قال رجل من اليهود، ويقال له النباش بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق،
فأنزل الله: ﴿ وقالت اليهود ... ﴾([7]).
وأخرج الطبري بسنده عن
عكرمة قال: نزلت في فنحاص اليهودي([8])، وأخرج بسنده عن ابن عباس قوله: ﴿ وقالت
اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم ... ﴾ ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة، ولكنهم
يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً([9]).
3. سوء أدبهم مع رسول الله r
:
قال تعالى: ﴿ مِنَ
الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ، وَيَقُولُونَ
سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ، وَلَكِن
لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 46].
وقال تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا، وَقُولُواْ انظُرْنَا
وَاسْمَعُوا، وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 104]، قال ابن كثير: نهى
الله عباده أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون
من الكلام ما فيه تورية، لما يقصدونه من التنقيص، عليهم لعائن الله، فإذا أرادوا
أن يقولوا: اسمع، [يقولون:] راعنا، ويورون بالرعونة([10]).
وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ
تَرَ إِلى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ
وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ، وَإِذَا
جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ، وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ
لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ، حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا
فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [المجادلة: 8]، أخرج الطبري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: ﴿ ألم تر إلى الذين نُهوا عن النجوى ... ﴾ قال: اليهود، وكذا قال مقاتل بن حيان([11]).
وأخرج الطبري بسنده عن
قتادة: كانت تقول يهود ( راعنا ) استهزاءً، فزجر الله المؤمنين أن يقولوا كقولهم([12])، وذكر عدداً من الروايات في ذلك.
4. بث الشبهات والإرجاف والإشاعات:
قال تعالى: ﴿ سَيَقُولُ
السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ
عَلَيْهَا، قُل للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142]، أخرج الطبري بسنده من طريق البراء قوله: ﴿ سيقول
السفهاء من الناس ﴾، قال: هم اليهود([13]).
5. المعاداة والمشاقّة وللمؤمنين:
قال تعالى: ﴿ وَدَّ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ
الْحَقُّ، فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109]، أخرج الطبري بسنده عن الزهري وقتادة،
قالا: ﴿ ود كثير من أهل الكتاب ... ﴾ : كعب بن الأشرف([14]).
وأخرج بسنده عن ابن
عباس قال: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً، إذ خصهم
الله برسوله وكانا جاهدين إلى رد الناس عن الإسلام بما استطاعوا، فأنزل فيهم: ﴿ ود
كثير من أهل الكتاب لو يردونكم ﴾([15]).
وقال تعالى: ﴿ وَلَن
تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، قُلْ
إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَليٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120].
6. التعاون مع أعداء الله من المنافقين
وغيرهم:
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا
لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى
شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ ﴾ [البقرة:
14]، أخرج الطبري بسنده عن أبي مالك: خلوا يعني مضوا، وشياطينهم: سادتهم وكبراؤهم
ورؤساؤهم من أحبار يهود ورؤساء المشركين والمنافقين([16]).
وأخرج الطبري بسنده عن
ابن عباس: ﴿ وإذا خلوا إلى شياطينهم ﴾ من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما
جاء به الرسول r ([17]).
وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا
لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا، وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلى
بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم
بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [ البقرة: 76].
7. محاولاتهم المستمرة في تصديع الجبهة
الداخلية وبث الفتن داخل الصف المسلم:
قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ، وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا
تَعْمَلُونَ، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ مَنْ
آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ
أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ، وَكَيْفَ
تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن
يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 98-101]،
وسيأتي في سياق البحث في المطلب الرابع ما يبين سبب نزول هذه الآيات.
وبعد: فهذا غيض من فيض في بيان مجمل مواقف يهود
وتصرفاتهم وعداوتهم لله ولرسوله r
وللمؤمنين، يوثّقها القرآن الكريم، وحسبك به، أردت أن أضعها بين يدي القارئ مدخلاً
وتوطئة للحديث عن أسباب إجلاء بني قينقاع([18]).
سائلاً المولى أن يحفظ
أمتنا من مكرهم وغدرهم، والله المستعان.
المطلب
الثاني
التعريف ببني قينقاع، وبيان تاريخ الغزوة
من هم بنو قينقاع:
لا تسعفنا المصادر
كثيراً في بيان من هم بنو قينقاع، وخلاصة ما استطعت الوقوف عليه في ذلك: أن قينقاع
اسم لشعب من اليهود، سكنوا المدينة، وكانوا أهل تجارة ومال وشجاعة، وإليهم ينتسب
عبد الله بن سلام t .
جاء في معجم البلدان: « قَيْـنَُِقاع، بالفتح، ثم السكون، وضم النون وفتحها وكسرها، كلٌّ يروى، والقاف، وآخره عين مهملة، وهو اسم لشعب من اليهود
الذين كانوا بالمدينة، أضيف
إليهم سوق كان بها، ويقال له سوق بني قينقاع »([19]).
وجاء في الطبقات الكبرى
لابن سعد:
«
وكانوا قوماً من يهود حلفاء لعبد الله بن أُبَيّ بن سلول، وكانوا أشجع يهود، وكانوا صاغة، فوادعوا النبي r، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد،
ونبذوا العهد والجيرة »([20])،
وهم رهط عبد الله بن
سلام t ([21]).
تاريخ الغزوة:
يكاد يتفق كتّاب السير أن هذه الغزوة كانت بعد بدر, ويرى الواقدي أنها كانت في يوم السبت النصف من شوال سنة اثنتين من الهجرة، وكذا يروى عن الزهري أنها كانت في شوال من السنة الثانية([22]).
وظاهر الأمر أنه لا
خلاف بين علماء السير في هذا، حتى قال العمري: يتفق المؤرخون أنها وقعت بعد غزوة بدر الكبرى([23])، إلا أن الشيخ « سعيد حوى » يذكر أن هناك
خلافاً بين كتّاب السير حول السنة التي حدثت فيها واقعة بني
قينقاع([24])، ولم يذكر ماهية هذا الخلاف ولا من خالف فيه، ولعله
يشير إلى ما وقع
به بعضهم من وهم في عدِّه الغزوة التي وقعت بعد بدر هي غزوة بني النضير، فقد نقل ابن القيم عن الزهري وهو يتحدث عن غزوة
بني النضير قوله: كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، قال ابن القيم: وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة، وذهب ابن القيم إلى تأييد الرأي الثاني قائلاً: بل الذي لا شك فيه أنها كانت [ أي غزوة بني النضير ] بعد أُحد، والتي كانت بعد بدر بستة أشهر هي غزوة بني قينقاع »([25]).
فيلاحظ هنا أن ابن
القيم جعل غزوة بني قينقاع متأخرة ستة أشهر عن بدر، بينما أكثر المؤرخين على أنها بعد بدر مباشرة في شوال.
المطلب
الثالث
تحقيق الروايات الواردة في
جلاء بني قينقاع
تتعدد الروايات في سبب
جلاء بني قينقاع، وهي وإن كانت لا تحمل تناقضاً أو تعارضاً فيما بينها، إذ يمكن حمل تعددها
على تعدد الأسباب، إلا أن البحث العلمي يقتضي التحقيق في هذه الروايات ومعرفة ما
يثبت منها، ومن ثَم ما يبنى عليها من حقائق تاريخية وقضايا
وأحكام.
ثم
إن بعض الروايات التي اشتهرت عند كتاب السير تتطلب نقداً خاصاً،
ولا أود أن أستبق الحديث عن هذه الروايات حتى نخضعها جميعاً للبحث والدرس.
الرواية
الأولى
أخرج أبو داود في سننه
بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَمّا أصاب رسولُ الله r
قريشاً يوم بدر، وقدم المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينـقاع، فقال: « يا معشر يهود، أسلِموا، قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً »، قالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من
قريش كانوا أغماراً([26]) لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن الناس، وأنك لم تلق
مثلنا، فأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد، قد كان لكم آية في فئتين التقتا، فئة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة، يرونهم مثليهم رأى العين، والله يؤيد بنصره من يشاء، إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار ﴾ [ آل عمران: 12 -
13 ]([27]).
دراسة الرواية:
حسَّن الحافظ ابن حجر إسناد هذه الرواية في الفتح([28])، على أن في سندها محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال عنه ابن حجر: مدني مجهول، تفرد عنه ابن إسحاق([29]).
أقول: وذكره ابن حبان في الثقات([30])، وقال الذهبي: لا يعرف([31]).
فما هو الأساس النقدي
الذي جعل ابن حجر يُحَسِّنُ الرواية ؟ هل لورودها في كتب السير ؟ أم لم يعتد بكون الراوي
مجهولاً لكونه وحداناً وحسب ؟
ثم النظر في متن
الرواية يجعلنا نتوقف بعض التوقف، إذ هل كان مطلوباً من اليهود أن يسلموا ؟ وإن لم يسلموا فلا بد من محاربتهم ؟ أم
كان المطلوب مجرد الموادعة، وعدم الإخلال بالأمن، والخضوع لسلطان الدولة ؟
ولعل الأستاذ العمري تنبه إلى هذا الإشكال، فقال: « وإذا قبلنا تحسين ابن حجر لها فإن ذلك لا يعني
أن سبب جلاء بني قينقاع يعود إلى رفضهم قبول الإسلام، ففي هذه المرحلة كان الإسلام يقبل التعايش
السلمي معهم، ولم يكن النبي [ r
] يشترط على أحد من يهود أن يدخل في الإسلام مقابل بقائه في المدينة، بل إن نصوص المعاهدة([32]) تؤكد إعطاء اليهود حريتهم في المدينة المنورة »([33]).
أقول: لكن صح عند
البخاري
بسنده عن أبي هريرة t قال:
بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله r
فقال: انطلقوا إلى
يهود، فخرجنا معه حتى جئنا بيت المِدْراس([34])، فقام النبي r
فناداهم: « يا معشر يهود، أسلموا تسلموا »، فقالوا:
بلغت يا أبا القاسم،
فقال:
« ذلك أريد »، ثم قالها الثانية، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، ثم قال الثالثة، فقال: « اعلموا أن الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه، وإلا فاعلموا أنما
الأرض لله ورسوله »([35]).
فقد يقول قائل هذا يؤكد
أن النبي r
طلب من اليهود الإسلام، فأقول: هذا النص إنما هو في إجلاء بني النضير([36])، وقد مر أن بني النضير طلبوا الحوار والمحاججة
فيما بينهم وبين رسول الله r، كما
خرّج ذلك أبو داود في سننه([37])، فكان طلب الرسول r أنْ أسلِموا إنما هو بعد الحوار وإقامة الحجة عليهم، وعلى أية حال هو ثابت في حق بني النضير، وليس بني قينقاع.
فمع التحفظ على الرواية المتصلة ببني قينقاع من الناحية الإسنادية؛ فإن الجزء الثاني من الرواية وهي قولهم: « لا يغرنك يا محمد من نفسك ... » الخ
ينبئ عن إظهارهم
العداوة، وتحديهم لرسول الله r .
ثم إن الرواية تجعلنا
نتساءل لماذا يتوجه إليهم النبي r
بهذا الخطاب ابتداءً ؟ ولماذا يجمعهم في سوق بني قينقاع ؟
وقد تؤول الرواية أن
قوله: أسلموا، دعوة للدخول بالإسلام طواعية، ليكون ذلك سبباً في ردهم عن أعمالهم العدائية
ضد المسلمين، ومن ثَمَّ سبباً في حفظهم وأمنهم، بعد أن أظهروا من
العداء ما يوجب حربهم وإخراجهم.
وإذن الرواية لا تخلو
من الإجمال الشديد، ولا تبين لماذا جمعهم فكلمهم أساساً، إلا أنها تؤشر لحقيقة موقف بني
قينقاع، ولئن كان في سندها بعض الضعف؛ فإن الروايات الآتية تعضدها، وبخاصة جانب
إظهار العداوة، لذا نجد كتّاب السيرة متفقين أن بني قينقاع أول يهود نقضوا العهد، وأظهروا البغي والحسد، وقطعوا ما كان بينهم وبين رسول الله r
من العهد، فجمعهم في سوق بني قينقاع، وخاطبهم بما ذكر في الرواية([38]).
فالرواية
هذه وإن كانت لا تفصل في ذلك لكنها تظهر إعلان عداوتهم لرسول الله وتحديهم له
عندما قالوا: « لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش ... » الخ، والأمر الطبيعي أنه لا بد من سبب وجيه جعل النبي r
يتوجه إلى بني قينقاع من يهود دون غيرهم بهذا الخطاب، فإذن قد أظهروا نوايا الغدر والعداوة مما لا
يمكن معه مشاركتهم وإغفال موقفهم،
وأنه
لا بد من علاج حاسم وسريع ومكافئ.
لماذا بنو قينقاع
أولاً ؟
ولنا أن نتساءل لماذا
يكون الغدر من بني قينقاع أولاً ؟
إننا إذا عرفنا ما
امتاز بنو قينقاع به؛ عرفنا لماذا كان موقفهم هذا ؟ ولماذا عاجلهم النبي r
؟
1. أنهم اغتروا بأنفسهم أنهم أشجع يهود، كما وصفوا في كتب السيرة.
2. كونهم داخل المدينة والأكثر احتكاكاً
بالمسلمين([39])، أما ما يرويه المستشرقون من أنهم أصحاب مال
وغنى وسكنى داخل المدينة فسنبين رده فيما بعد.
الرواية
الثانية
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن بني قينقاع
كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله r وحاربوا فيما بين بدر
وأحد([40]).
دراسة الرواية:
إسناد الرواية صحيح إلى
عاصم إلا أنها مرسلة، ولعله يستضاء بها في تفسير بعض جوانب الرواية السابقة في
بيان ما صدر من بني قينقاع في إظهارهم المحاربة والمبادأة، فكان لا بد من موقف حازم تجاههم، وتشير الرواية إلى
وجود عهد سابق بين رسول الله r
وبني قينقاع، هذا العهد الذي أشير إليه في صحيفة المدينة([41]).
الرواية
الثالثة
قال ابن إسحاق: حدثني أبي إسحاق بن يسار([42]) عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت([43]) قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله r
تشبث بأمرهم عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، وقام دونهم، قال: ومشى عبادة بن الصامت
إلى رسول الله r ـ وكان أحد بني عوف([44]) ـ لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أُبَيّ،
فخلعهم إلى رسول الله r،
وتبرأ إلى الله عز وجل وإلى رسول الله r
من حلفهم، وقال: يا رسول الله، أتولى الله ورسوله r والمؤمنين، وأبرأ من
حلف هؤلاء الكفار وولايتهم، قال: ففيه وفي عبد الله بن أُبَيّ نزلت هذه القصة من
المائدة:
﴿
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء
بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾ أي لعبد
الله بن أُبَيّ، وقوله: إني أخشى الدوائر ﴿ يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة،
فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، فيصبحوا على ما أسروا في
أنفسهم نادمين، ويقول الذين أمنوا: أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم ﴾، ثم القصة إلى قوله تعالى: ﴿ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ﴾، وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا، وتَبَرُّئِه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم ﴿ ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ﴾ [ المائدة: 51-56 ]([45]).
نقد الرواية:
إسناد الرواية صحيح إلى
عبادة بن الوليد، ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، أما من حيث مضمونها فهي تكشف عن إعلان بني قينقاع الحرب على المسلمين ابتداءً، والشاهد فيها قوله:
« لَمّا حاربت بنو قينقاع رسول الله r » فهي تتفق مع الرواية السابقة في قوله: « وحاربوا فيما بين بدر وأحد »، فورود هذا المعنى في الروايتين ـ وهما مرسلتان ـ يقوي
بعضهما بعضاً، وتعطيان تفسيراً
دقيقاً لسبب توجه رسول الله r
لهم بالخطاب الذي ورد في الرواية الأولى، وهو أن أعمالاً حربية عدائية ظهرت من بني قينقاع، دون تفصيل ماهية هذه الأعمال، ولا تربط هذه الرواية الأمر بعهد سابق.
الرواية
الرابعة
أخرج
الطبري في تاريخه بسنده عن الزهري عن عروة قال:نزل جبريل على رسول الله r بهذه الآية ﴿ وإما تخافن
من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ﴾ [ الأنفال: 58 ] فلما
فرغ جبريل عليه السلام من هذه الآية قال رسول
الله r: إني أخاف من بني
قينقاع، قال عروة: فسار رسول الله r بهذه الآية([46]).
وقال
ابن سعد: « ثم غزا رسول الله r بني قينقاع يوم السبت من شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجره، وكانوا
قوماً حلفاء لعبد الله بن أُبَيّ بن سلول، وكانوا
أشجع يهود وكانوا صاغة، فوادعوا النبي r، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد، ونبذوا العهد والمدّة، فأنزل
الله تبارك وتعالى على نبيه: ﴿ وإما
تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ... ﴾، فقال رسول الله r: إنما أخاف بني قينقاع،
فسار إليهم بهذه الآية، وكان الذي حمل لواءه يومئذ حمزة بن عبد المطلب، وكان لواء
رسول الله r أبيضَ، ولم يكن
الرايات يومئذ »([47]).
نقد الرواية:
لم
أقف على سند صحيح متصل لهذه الرواية، لا في كتب
السِّيرة ولا التفسير، فرواية
الطبري في تاريخه معلقة مرسلة، ورواية ابن سعد بلا إسناد، بل
إن الطبري يذكر في تفسيره سبباً آخر لنُزول الآية:
عن
مجاهد بإسناده إليه أن قوله تعالى: ﴿ فانبذ
إليهم على سواء ﴾ في بني قريظة([48])،
ولم يذكر شيئاً عن بني قينقاع في تفسيره، والحق أن
معنى الآية قد يكون مناسباً لحال بني قينقاع وحال بني قريظة،
وكذا لغيرهم ممن يكون بينهم وبين النبي r أو خلفائه من بعده حلف،
وقاموا بما ينبئ عن نقضهم العهد أو ظهر منهم المحاربة أو قصد ذلك.
فتأتي
الروايات لتجعل حالة من تلك الحالات سبباً للنّزول،
بينما الأمر أنها توجيه مطلق عن سبب محدّد، يعمل
بها حيث يقتضي الأمر ذلك، والذي يحملنا على هذا القول أننا لا نجد سنداً صحيحاً
متصلاً يبين سبب النّزول.
وأياً
كان الأمر فغاية القول أن مبلغ علم الزهري وعروة أن الآية نزلت في بني قينقاع،
مما يعني أنه قد صدر من بني قينقاع أعمال جعلت النبي r يتخوف من تصرفاتهم، مما دفعه
إلى علاج حاسم لوجودهم، وبهذا المعنى فالرواية تتفق مع الروايتين السابقتين في وجود حالة أعمال عدائية من بني قينقاع.
الرواية
الخامسة
قال
ابن هشام: فذكر عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور
بن مخرمة عن أبي عون قال: كان أمر
بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بِجَلَبٍ لها، فباعته
بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ هناك
منهم، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى
ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها، فصاحت
فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهودياً، فشدّت
اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ
أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب
المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع([49]).
نقد الرواية:
لعل
هذه الرواية هي الأشهر عند عامة الناس، لاعتماد
كثير من كتّاب السير لها، يذكرونها ويمرّون عليها دونما
تمحيص ونقد، ويعدونها تفسيراً مقنعاً لسبب محاربة رسول الله
r لبني قينقاع، وممن
اعتمد هذه الحادثة أو رواها من غير نقد: ابن هشام، وابن كثير، ومحمد بن يوسف
الصالحي، وعبد السلام هارون، ومحمد الخضري، والشيخ
محمد الغزالي، والدكتور البوطي مع إشارته إلى بعض لين في
سندها، والمباركفوري، والدكتور
علي محمد الصلابي، وغيرهم كثير([50])، فيما نجد أن
الطبري وابن سعد لم يذكرا هذه الحادثة([51]).
دراسة الرواية:
أ ـ النقد الإسنادي: الرواية مُعَلََّة إسناداً
من وجوه:
1.
الانقطاع ما بين ابن
هشام([52])
وعبد الله بن جعفر([53])، وقد
رواها ابن هشام بصيغة تفيد التعليق.
2.
جهالة
أبي عون([54])،
فقد قال أبو زرعة: مديني
لا نعرفه،
وقال أبو محمد ابن أبي
حاتم الرازي: إذا لم يعرفه مثله فقد جعله مجهولاً([55])، وقد تفرد
به.
3.
الإرسال: إذ إن أبا عون تابعي صغير مجهول كما رأينا.
ب ـ نقد المتن: تذكر الرواية أن سبب القضية
مراودة يهود لامرأة مسلمة أن تكشف عن وجهها، وفي هذا عدة وقفات:
الأولى: مع
إقرارنا أن أصل الحجاب والحشمة كان معروفاً عند أشراف العرب، كما يدل على ذلك بعض
أقوالهم وأشعارهم، يبقى السؤال قائماً: هل كان حجاب
الوجه
الشرعي على وجه الخصوص معروفاً في ذلك الوقت
؟ فإن المعلوم تاريخياً أن الحجاب بهيئته
الشرعية قد نزل في السنة الخامسة([56])،
لذا نرى أن استدلال الدكتور البوطي بهذه القصة على وجوب غطاء الوجه([57])
منتقد بأمرين:
الأول: ضعف الرواية الشديد.
الثاني: أن حجاب الوجه الشرعي إنما عرف فيما بعد، علماً أن الأستاذ البوطي قد استنبط حجاب
الوجه من عدة أدلة، وإنما أردت أن هذه القصة لا تصلح دليلاً لذلك، إذ هي قبل فرض
الحجاب، مع ما فيها من ضعف.
الثانية: وإن
كنا لا نستبعد في ضوء أخلاق يهود وهم قتلة الأنبياء أن يظهر منهم مثل هذا الفعل،
فإننا أمام نقد القصة سنداً؛ نلحظ أيضاً أنها من جهة المتن تُظهِر الروايةُ المرأةَ المسلمة بصورة
من السذاجة والبلاهة والغفلة المتناهية؛ بحيث يقوم يهودي بعقد إزارها من الخلف،
حتى إذا قامت انكشفت عورتها وهي لا تشعر بذلك، وهذا وقوعه بعيد جداً، من حيث أن تمرّ مثل هذه الفعلة دون أن تتنبّه المرأة إلى
ذلك .
الثالثة: يذهب الشيخ البوطي ـ حفظه الله ـ إلى أن القصة السبب الأساس في غزوة بني قينقاع، ومما قاله: « ولقد رأينا أن مصدر الحادثة هو إرادة اليهود المرأة
العربية على كشف وجهها، ولا تنافي بين هذا السبب الذي رواه ابن هشام، والسبب الآخر
الذي رواه بقية رواة السير من حقدهم على المسلمين عقب انتصارهم في غزوة بدر، فالأغلب أن السببين واقعان معاً، وكل منهما يتمم الآخر، إذ من البعيد أن ينبذ إليهم رسول الله عهدهم لمجرد ظهور بوادر الضغينة على
وجوههم وكلماتهم، بل لا بد أنهم قد تصرفوا مع ذلك تصرفاً أساءوا فيه إلى المسلمين »([58])،
ومما
يرد على هذا ما يأتي:
1. أن
الأستاذ البوطي اكتفى في نقده للرواية بقوله: فيها لين،
والحق أنها شديدة الضعف كما رأينا.
2. يرى
أنه لا بد أنهم تصرفوا تصرفاً أساءوا فيه، ونحن
مع هذا، لكن أن يكون هذا التصرف هو ما ذكرته الرواية
المتعلقة بالمرأة؛ فذلك مما لم يثبت
سنداً.
الرابعة: ويذهب
الدكتور أكرم ضياء العمري إلى الاستئناس بهذه الرواية من الناحية التاريخية،
بناءً على منهجه في قبول ما أقره كتّاب السير من غير نقض ولا معارضة،
فيقول معلقاً على الرواية التي تذكر: « يا معشر
يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً »، يقول: « وإذا قبلنا تحسين ابن حجر لها؛
فإن ذلك لا يعني أن سبب جلاء بني قينقاع يعود إلى رفضهم الإسلام، ففي هذه المرحلة
كان الإسلام يقبل التعايش السلمي معهم، ولم يكن
النبي r يشترط على أحد من يهود أن يدخل في الإسلام مقابل بقائه في المدينة،
بل إن نصوص المعاهدة تؤكد إعطاء اليهود حريتهم الدينية في المدينة المنورة،
وإنّما يعود سبب الجلاء إلى ما أظهروه من روح عدائية؛
انتهت إلى الإخلال بالأمن داخل المدينة المنورة، فقد وردت رواية تشير إلى أن أحدهم
عقد طرف ثوب امرأة مسلمة في سوق بني قينقاع، فلما قامت انكشفت
وصاحت، فقام أحد المسلمين فقتل اليهودي، وتواثب
اليهود فقتلوا المسلم، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون، فوقع
الشر بينهم وبين بني قينقاع، وهذه
الرواية ضعيفة في إسنادها انقطاع بين ابن هشام وعبد الله بن جعفر المخرمي، ثم إنها
موقوفة على تابعي صغير مجهول الحال، هو أبو
عون، ولكن يستأنس بها من الناحية التاريخية، فقد
أوردتها معظم مصادر السيرة وهي تصور تتابع الأحداث التي أدت إلى إجلاء بني قينقاع، وإن رفضهم الدخول في الإسلام لم
يكن سبب جلائهم، بل السبب الحقيقي في ذلك هو إخلالهم بالأمن ومجاهرتهم بالعدوان،
مما جعل الرسول r يقتنع بعدم إمكان العيش معهم بسلام »([59]).
أقول: إن
مجموع العلل التي وجهت للرواية؛ تجعلنا لا
نسلِّم بصحة أصلها على الوجه الذي وردت به، مع
إثباتنا لمبدأ وجود الأعمال العدائية من بني قينقاع ضد المسلمين، فليس ثَمة ما يدل أبداً أن من جملة هذه الأعمال العدائية هذه القصة،
ولسنا بحاجة البتة إلى مثل هذه القصة لإثبات الأعمال العدائية لليهود، فلماذا
الإصرار على روايتها، وقد رأينا ما في سندها ومتنها، وكأننا نريد أن ندافع عن
تصرفات رسول الله r، بحيث إذا لم تثبت هذه القصة؛
فكأن يهود لم يقع منهم ما يوجب طردهم.
فإذ لم تثبت هذه القصة فإن ما جرى منهم من إظهار العداء
والتحدي والإخلال بالأمن عامة؛ كافٍ في أن يتخذ في
حقهم الإجراء الذي اتخذه النبي r لحفظ بيضة المسلمين وأمن المدينة.
ولعل في ذلك أبلغ الدرس لنا اليوم في صراعنا مع يهود
أننا إذا تساهلنا معهم في كل تصرف يتصرفونه اليوم، فإن ذلك يجر إلى ويلات أكبر
وأكبر.
وهكذا نجد من واقع الروايات أن النبي r عاقب بني قينقاع بعقوبة عادلة تناسب غدرهم وما كان منهم من عداوة للمسلمين
وإخلال بأمنهم، فاليهود قوم بُهْتٌ كما وصفهم واحد منهم عالم بحقيقة حالهم
وأخلاقهم، وهو عبد الله بن سلام t .
المطلب
الرابع
أسباب
أخرى لغزوة بني قينقاع
لم يكن
رسول الله r ليقدم على أمر كبير كإجلاء بني قينقاع؛ لولا أنه وقع
منهم من أعمال المحاربة، ومظاهر العداوة والشر والكيد للمسلمين ما لا
يجوز السكوت عنه، وإضافة لما سبق من أسباب تاريخية
لإجلاء بني قينقاع نجد كتّاب السير يوردون أسباباً أخرى
مجملة، نبينها فيما يأتي:
1. سعيهم في
الوقيعة بين الأنصار:
يذكر ابن
هشام عن ابن إسحاق أن من
الأحداث التي كانت قبيل بدر؛ حادثة شاس
بن قيس، وشاس رجل من أحبار يهود من بني قينقاع،
قال ابن هشام:
« قال
ابن إسحاق: ومر شاس بن قيس، وكان شيخاً قد عَسَا
ـ أي أسنَّ
ـ عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، وشديد
الحسد لهم، على نفر من أصحاب رسول الله r من الأوس والخزرج، في مجلس قد
جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من أُلفتهم وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على
الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد
اجتمع ملأ بني قَيْلة
بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم
بها من قرار، فأمر فتىً شاباً من يهود كان معهم، فقال: اعمد
إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا
فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج،
وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج، وكان على الأوس يومئذ حضير بن سماك
الأشهلي، أبو أسيد بن حضير، وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي فقتلا جميعاً، قال
ابن إسحاق: ففعل، فتكلم
القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب
رجلان من الحيين على الركب، أوس بن قيظى، أحد بني حارثة بن الحارث، من الأوس، وجبار
بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا
ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم
رددناها الآن جَذَعة،
فغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة ـ والظاهرة:
الحرة ـ السلاح السلاح، فخرجوا
إليها، فبلغ ذلك رسول الله r فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين، حتى
جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية
وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر
الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم، فعرف القوم أنها نزغة من
الشيطان، وكيد من عدوهم، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم
انصرفوا مع رسول الله r سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس
بن قيس، فأنزل الله تعالى في شاس
بن قيس وما صنع: ﴿ قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ؟ والله شهيد على ما تعملون، قل
يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وأنتم شهداء، وما الله
بغافل عما تعملون ﴾ [آل عمران: 98-99]، وأنزل
الله في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان
معهما من قومهما، الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شاس
من أمر الجاهلية: ﴿ يا أيها
الذين آمنوا إن تطيعوا
فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ﴾ [ آل عمران 100-101 ] »([60]).
نقد الرواية:
يورد المفسرون هذه الرواية سبباً لنُزول قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءاً ... ﴾ [آل عمران: 100-103].
والرواية
من الناحية الإسنادية معضلة بلا إسناد عند ابن هشام، لكن
الطبري أسندها، فقال: حدثنا ابن حميد: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني الثقة
عن زيد بن أسلم وساق القصة([61])،
وهذا الإسناد فيه إبهام الثقة، وأهل
العلم لا يقبلون التعديل على الإبهام([62])،
وفيه الإرسال، فإن زيد بن أسلم تابعي ثقة يرسل([63])، على أن
الطبري أورد طرقاً أخرى للقصة عن السدي ومجاهد([64])، وكلها
معضلة، ويبدو أن مجموع هذه الطرق جعل القصة مقبولة مشهورة عند المفسرين وكتّاب
السير، وغاية ما يمكن أن يستفاد من الرواية مظاهر
العداء التي كان يكنها يهود للمسلمين، ومظهر من
مظاهر المؤامرة والكيد التي يستدعي وجودها استئصالاً لهذا المرض الخطير.
2. موقفهم من إسلام عبد الله بن سلام t :
ومن مظاهر
عداء يهود ـ وفي مقدمتهم بنو قينقاع ـ
موقفهم من إسلام عبد الله بن سلام t ، وهو من يهود بني
قينقاع، المتضمن تكذيب رسول الله r، والصد عن دين الله،
والإيذاء الشديد لمن يسلم منهم، ورميه
بأقذع الشتائم والبهتان.
روى
البخاري بسنده عن أنس قال: فلما
جاء النبي r جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق، وقد
علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن
يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني
قد أسلمت قالوا فِيَّ ما ليس فيّ، فأرسل نبي
الله r إلى اليهود فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله r « يا معشر يهود ويلكم
اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً وأني جئتكم
فأسلِموا »، قالوا:
ما نعلمه، قالوا ذلك للنبي r ثلاث مرار، قال: « فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟
» قالوا: ذاك
سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: « أفرأيتم
إن أسلم ؟ »، قالوا:
حاش لله ما كان ليسلم، قال: « يا ابن سلام اخرج عليهم »، فخرج فقال: يا معشر يهود اتقوا الله الذي لا
إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله،
وأنه جاء بالحق، فقالوا: كذبت،
فأخرجهم رسول الله r ([65]).
وفي رواية أخرى
مفصلة عن أنس قال: لما قدم رسول الله r
المدينة أُخبر عبد الله بقدومه وهو في نخلة فأتاه،
فقال: إني سائلك عن أشياء
لا يعلمها إلا نبي فإن أخبرتني
بها آمنت بك،
وإن
لم تعلمهن عرفت أنك لست نبياً،
قال: فسأله عن
الشبه، وعن أول
شيء يأكله أهل الجنة،
وعن
أول شيء يحشر الناس، قال رسول
الله r: « أخبرني بِهنّ جبريل آنفاً »، قال: ذاك
عدو اليهود، قال: « أما الشبه؛ إذا سبق
ماء الرجل ماء المرأة ذهب
بالشبه، وإذا سبق
ماء المرأة ماء الرجل ذهبت
بالشبه، وأما أول شيء يأكله
أهل الجنة فزيادة كبد الحوت،
وأما أول شيء يحشر الناس فنار
تخرج من قبل المشرق فتحشرهم
إلى المغرب »،
فآمن
وقال: أشهد أنك
رسول الله، قال ابن
سلام: يا رسول
الله، إن اليهود
قوم بهت، وإنهم
إن سمعوا بإسلامي يبهتوني، فأخبئني
عندك وابعث إليهم، فتسألهم
عني، فخبّأه رسول
الله r، وبعث إليهم، فجاؤا، فقال: « أي رجل عبد الله
بن سلام فيكم ؟ »،
قالوا:
هو خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا
وابن سيدنا، وعالمنا
وابن عالمنا، فقال: « أرأيتم إن أسلم،
تسلمون ؟ »، فقالوا:
أعاذه الله من ذلك، فقال: « يا عبد الله
بن سلام اخرج إليهم
فأخبرهم »، فخرج،
فقال:
أشهد
أن لا إله إلا الله، وأشهد
أن محمداً رسول الله، فقالوا:
أشرُّنا وابن أشرنا، وجاهلنا
وابن جاهلنا، فقال ابن
سلام: قد أخبرتك
يا رسول الله أن اليهود قومٌ
بهت([66]).
3. تجسس
يهود على المسلمين:
مما لا
يخفى أن التجسس ونقل الأخبار للعدو من الأعمال الحربية والخيانات التي لا يمكن
التهاون في شأنها،ويرى اللواء محمود شيت
خطاب أن من أسباب غزوة بني قينقاع: « تجسس
اليهود على المسلمين لصالح المشركين، ونقلهم
كافة المعلومات عن نوايا المسلمين وحركاتهم إلى قريش، وإظهار
عداوتهم بوضوح للمسلمين »([67]).
إلا أنني لم أجد نصاً موثقاً أو حادثة محددة تبين تفاصيل هذا العمل، وإن كان غير مستغرب منهم.
4. مراسلات
مع العدو:
نقل الدكتور عماد الدين خليل عن صاحب كتاب الوثائق السياسية؛
أن
بني قينقاع تلقوا رسالة
من قريش تحرضهم فيها على قتال الرسول r ([68])، وبالرجوع إلى كتاب الوثائق السياسية لا نجد أثراً لهذه الوثيقة،
إنما نجد النص الآتي: إن كفار قريش كتبوا إلى عبد الله بن أُبَيّ بن
سلول ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله r بالمدينة قبل وقعة بدر: « إنكم آويتم صاحبنا، [ وإنكم أكثر أهل
المدينة([69]) ]، وإنا نقسم بالله
لتقتلنّه،
أو لتخرجنّه، [ أو لنستعيننّ
عليكم بالعرب([70]) ]، ثم لنسيرنّ
إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح
نساءكم ».
يقول الدكتور محمد حميد الله: ولكن لم يؤثر تهديد الكفار ولا ترغيب المنافقين في مسلمي الأنصار، فلما أيست
قريش من عرب المدينة، كتبت إلى يهودها بعد وقعة بدر: « إنكم
أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلنّ صاحبنا أو لنفعلنّ
كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء »، فلما بلغ كتابهم اليهود، أجمعت بنو النضير على
الغدر، فأرسلت إلى النبي r: « أخرج إلينا في ثلاثين
رجلاً من أصحابك، ولنخرج في ثلاثين حبراً حتى نلتقي في مكان كذا »
إلى آخره([71]).
وهذا
النص
يدل
دلالة
عامة
على
ما
تم
من
مراسلات
بين
يهود
وقريش، ويشير
إلى
تصرف
بني
النضير
بشكل
خاص،
وإنما
أوردته
هنا
لأن
الدكتور
عماد
الدين
نسبه
إلى
بني
قينقاع،
وقد
وضحت
الوهم
في
ذلك.
المطلب
الخامس
أسـباب مفـتراة
يصور
بعض المستشرقين ـ ومنهم ولفنسون ـ
أن أسباب جلاء بني قينقاع مادية تتصل بحال المسلمين وما كانوا عليه من فقر وحاجة
وقلة مال، وما كان عليه يهود بني قينقاع من غنى وثراء،
فهم أهل صناعة الذهب، وأنه اجتمع إلى ذلك
كون بني قينقاع يساكنون المسلمين داخل المدينة،
فأراد النبي r أن يطهر المدينة منهم، ثم
لكونهم قليلي العدد، فكان ذلك سهلاً على
رسول الله r ([72]).
وهذه
الأسباب التي يجعلها ولفنسون ذريعةً لتحركات المسلمين ضد يهود نابعة من النظرة
المادية التي لا يعرفون غيرها، ولا يستند
في ذلك إلى أي وثيقة تاريخية أو مصدر سليم في النقل،
معتمداً تحريف الكلم عن مواضعه، واللجوء
إلى مبدأ التوسم الذاتي في تفسير الأحداث، الذي
ينطلق من خلفيات الباحث الفكرية، بعيداً عن
الرواية التاريخية الصحيحة([73])، بل
إن الأسباب التي ذكرها في الحقيقة من الدوافع الكامنة وراء تحرك بني قينقاع
العدواني تجاه المسلمين، فأخذوا
يعتدّون بقوتهم الاقتصادية، ويثيرون
العداوات من خلال احتكاكهم المباشر مع المسلمين،
غير مبالين بالموقف السلمي الذي وقفه
رسول الله r ابتداءً معهم، ولم يطيقوا أن يخفوا عداوتهم لرسول الله r وللمسلمين.
ويخفي
المستشرقون السبب الجوهري الذي أدى إلى الصراع بين المسلمين واليهود في المدينة،
ويحاولون جهدهم أن يصوروا أن الأمر متعلق بنِزاع
اقتصادي أو مادي، بينما الحق في ذلك أن هذا الإسلام قد قام أساساً على عقيدة
التوحيد، والاستسلام الكامل لله تعالى،
وما يتضمنه ذلك من خضوع الإنسان لربه، وتقرير
مبدأ الكرامة المعتمدة على التقوى، مع تساوي
جميع الخلق في التكريم الإنساني، بينما
تقوم عقيدة اليهود على أساس قومي استعلائي مغلق من أن الله الواحد هو إله إسرائيل
الذي اختارهم لنفسه من دون الناس، فكذبوا
أنبياءهم، وحاربوا المسيح، وسعوا
إلى قتله، فلما جاء محمد r ليقرر ما قرره الأنبياء السابقون وقفوا الموقف نفسه منه([74]).
ولم
يكن بد من أن تأتي آيات القرآن تكشف ممارسات يهود في حق أنبيائهم وكتبهم من تزييف
وتحريف، وفي الوقت نفسه كان الإسلام يمد رواقه بين القبائل، ويحقق وحدة عميقة بين
الأوس والخزرج، الذين كانوا قبل الإسلام محل عبث يهود وفتنتهم،
يستغلونهم بين حين وآخر في صراعات دامية([75]).
لهذا كانت
عداوة يهود وقرارهم العقدي في محاربة النبي r من اللحظة الأولى، روى ابن إسحاق، والبيهقي، وأبو نُعيم عن أُم
المؤمنين صفية بنت حُيي رضي الله عنها أنها قالت: « لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أبي ياسر أحب إليهما
مني، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه،
فلما قدم رسول الله r قُباء قرية بني عمرو بن عوف غدا إليه أبي؛
حُييّ
بن أخطب، وعمي؛ أبو ياسر بن أخطب مغلّسين، فوالله ما جاءنا إلا مع مغيب الشمس، فجاءانا بأمر أبي كبشة [ كذا
في الرواية ] كالّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، فهششت
إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما نظر إليّ واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول
لأبي حُييّ بن أخطب: أهو هو ؟ قال: نعم، قال: أتعرفه
بنعته وصفته ؟ قال: نعم والله، قال: فما
في نفسك منه؟ قال: عداوته ما
بقيت »([76]).
وذكر ابن
عقبة عن الزهري قال: « إن أبا ياسر بن أخطب
حين قدم رسول الله r المدينة ذهب إليه فسمع منه وحادثه ثم رجع إلى قومه فقال: يا قوم أطيعوني،
فإن الله تعالى قد جاءكم بالذي تنتظرونه فاتّبعوه ولا تخالفوه،
فانطلق أخوه حُييّ بن أخطب، وهو يومئذ سيد يهود، وهما من بني النضير فجلس إلى رسول
الله r وسمع منه، ثم رجع إلى قومه، وكان فيهم مطاعاً، فقال:
أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدواً، فقال له
أخوه أبو ياسر: يا ابن أُم أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعد، فقال: والله
لا أُطيعك، فاستحوذ عليه الشيطان، وتبعه قومه على رأيه »([77]).
وروى كعب
بن مالك الأنصاري قال: كان
المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدمها رسول الله r يؤذون النبي وأصحابه أشد الأذى،
فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم
أنزلت: ﴿ ود كثير من أهل الكتـاب
لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم ﴾ [البقرة:
109]([78]).
يقول
الدكتور عماد الدين خليل: هذه هي في الحقيقة (النقطة الجوهرية ) في البحث عن أسباب
الخلاف بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود والتي إذا ما أهملت ـ دون غيرها ـ فلا
سبيل مطلقاً للبحث في هذا الموضوع !! ومن هذا الخطأ يجد ولفنسون وعدد من
المستشرقين أنفسهم مسوقين إلى خطأ أخر، وهو أنه ما دام القتال قد نشب بين المسلمين
واليهود في أعقاب بدر فإن معنى هذا أن اليهود كان عليهم أن يندمجوا في الدين
الجديد أو أن يجابهوا (بحرب دموية ) حتى يفنوا أو يجلوا إلى مكان بعيد . . وأنه ما
دام قد وقع قتال بين الطرفين فإن معنى هذا « أن
المهاجرين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر نتيجة مقاومة اليهود في يثرب لأن حالتهم كانت
سيئة جداً، إذ لم يكن لهم مال ولا مزارع ولا منازل،
بل كانوا يسكنون مع الأنصار من الأوس والخزرج »([79])، وفات
هؤلاء المؤرخين أن طبيعة التعارض العقائدي بين الدينين اللذين يقوم أحدهما على
(الانفتاح الكامل) والآخر على (الانغلاق الكامل ) كان لابد وأن يؤول إلى صراع حاسم
من أجل انفراد أحدهما بالكلمة العليا، حتى لو كان المهاجرون
يسكنون القصور الفخمة ويأكلون أحسن الطعام!
وهل
بالإمكان ـ فوق هذا كله ـ
أن يتناسى المؤرخ الجاد أن الرسول r لم يكن يشن حرباً إلا ضد الفئة اليهودية التي تبدأ بالعدوان([80]).
مع العلامة الندوي رحمه الله
في تحليل أسباب العداء بين
المسلمين واليهود
وقد
لفت نظري كلام للعلامة الندوي رحمه الله، يحلل فيه أسباب العداء بين المسلمين
واليهود، ويخص بني قينقاع بالذكر، فلما دققت في كلامه رحمه الله؛ رأيته متأثراً
ببعض طروحات المستشرقين في هذا الجانب، فأنقل فيما يلي كلامه كاملاً لنقف على
جليته.
يقول
العلامة الندوي رحمه الله: « وبدت طلائع
عداء اليهود للإسلام بعدما كان موقفهم موقف الحياد من المسلمين والمشركين من أهل
مكة والمدينة، وربما كانوا أميل إلى الإسلام والمسلمين، لأنهم جميعاً يلتقون على
الإيمان بالنبوات والإيمان بالبعث، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، وهم أقرب الأمم
إلى المسلمين في توحيد ذات الله وصفاته ـ على ما
اعترى هذه العقيدة من الوهن بحكم التأثر بالأمم الجاهلية التي جاوروها، والبلاد
الوثنية التي قضوا فيها أيام الجلاء والنفي الطويلة، وما دخل من الغلو والتقديس
لبعض أنبيائهم ... فكانت كل القرائن تدل على أنهم يلتزمون
هذا الحياد، إن لم يشايعوا الإسلام الذي جاء مصدقاً لكتابهم، والنبي الذي دعا إلى
الإيمان بأنبياء بني إسرائيل، وأعلن القرآن على لسان المؤمنين فقال: ﴿ كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق
بين أحد من رسله ﴾، ولو كان ذلك لكان
للتاريخ البشري ـ فضلاً عن التاريخ
الإسلامي ـ اتجاه آخر، ولكفيت الدعوة الإسلامية الشيء
الكثير من المشكلات والقضايا التي أثارها الصراع بين الإسلام واليهودية، والنضال
بين المسلمين الذين كانوا في دور النشوء والتكوين،
وبين اليهود الأقوياء الأغنياء المثقفين، ولكن ذلك لم يكن لسببين رئيسيين، أولهما:
ما طبع عليه اليهود من حسد، وضيق صدر، وجمود، وثانيهما: ما
بدأ القرآن به من نقد لما كان عليه اليهود من عقائد باطلة، وأخلاق منحطة، وعادات
سيئة، وذكر لتاريخهم الماضي المليء بالأحداث، من محاربة الأنبياء ودعواتهم، والاجتراء
على قتلهم، وعنادهم وصد عن سبيل الله، وافتراء على الله، وشره للمال، وأخذهم الربا
وقد نهوا عنه وأكل أموال الناس بالباطل، وأكلهم السحت، وتحريفهم للتوراة، وحبهم
الزائد للحياة، وغير ذلك مما زخر به القرآن.
وإذا
كان مكان رسول الله r زعيم سياسي لحسب للوضع المعقد ـ الذي
كانت تعيشه المدينة ـ حسابه وابتعد عن إثارة
سخط اليهود وعدائهم، إن لم يتملقهم ويتودد إليهم، ولكنه الرسول المأمور بتبليغ
الرسالة، والصدع بما أمر به، وتمحيص الحق والباطل وعدم مسايرة الفساد والضلال، والمكلف
بدعوة الطوائف والأمم جميعاً إلى الإسلام. وفيهم اليهود والنصارى أهل الكتاب قبله،
وهو النهج القويم، والفارق بين السياسة والنبوة، والزعماء القوميين والأنبياء
المرسلين.هذا التعرض لليهود في عقائدهم وحياتهم وأخلاقهم هو الذي أثار اليهود على
الإسلام والمسلمين، فغيروا موقفهم منهم وناصبوا الإسلام العداء الخفي والسافر، وبرزوا
في الميدان »([81]).
اضطررت
أن أنقل هذا النص المطول الذي يحلل فيه الإمام
الندوي ـ بِلُغة بيانية راقية، وتحليل فكري عميق ـ سبب عداء
يهود؛ لأني رأيت فيه
قضايا خطيرة تستحق الوقوف عندها نقداً وتمحيصاً، مع
إجلالي الكبير للعلامة الندوي رحمه الله.
أولاً: يقرر ابتداءً أن موقف اليهود الحياد بين المسلمين
والمشركين أول الأمر، بل لربما كانوا أميل للإسلام، وهذا خلاف الحقيقة،
والله تعالى يقول: ﴿ ولن
ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع
ملتهم ﴾ [ البقرة: 120 ]، ويقول تعالى: ﴿
لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ﴾ [ المائدة: 82 ]، وهم الذين ناصروا
قريشاً بذكر الأسئلة الثلاثة بقصد إحراجه
عليه الصلاة والسلام، فعن ابن عباس قال: قالت
قريش ليهود أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل فقالوا:
اسألوه عن الروح ... الحديث([82])، ومما
يدل على ذلك موقفهم من قصة إسلام عبد الله بن سلام t كما سبق إيرادها، مع النصوص التي نقلت من قبل.
ثانياً: يقرر الشيخ الندوي رحمه الله، أن اليهود أقرب
الأمم إلى المسلمين في توحيد ذات الله وصفاته . . ولا أدري
كيف يصح
هذا وهم الذين
قال الله فيهم: ﴿ وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ﴾ [البقرة:
93]، وقال فيهم: ﴿ وقالت اليهود: يد الله مغلولة، غلت أيديهم، ولعنوا بما قالوا،
بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ﴾ [المائدة: 64]، ﴿ وقالت
اليهود: عزير ابن الله ﴾ [التوبة: 30]، وقال فيهم:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، قُلْ
فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم، بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾ [المائدة:
18]، هذا مع صريح فساد عقيدتهم في صفات الله تعالى، فضلاً عن ضلالاتهم العقدية
الأخرى في حق الأنبياء والرسل وتحريف الكتب، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بأصول
الاعتقاد، وتجسيدهم الوثنية بأبشع صورها، إلى آخر ما هنالك، فكيف
يكون هذا الميل والقرب لا أدري ؟
ثالثاً: يقرر أنه لو سارت الأمور بالتزام يهود الحياد
لكان للتاريخ البشري اتجاه آخر، هذا صحيح من جانب
تحميل يهود مسؤولية ما تقع فيه الإنسانية من مآسٍ وشر وفساد، ولكن كيف يمكن أن يتصور ذلك والله تعالى يقول: ﴿ ولن
ترضى عنك اليهود ولا النصارى ﴾
[البقرة: 120]، ويقول: ﴿ لتجدنّ
أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ﴾
[المائدة: 82].
رابعاً: يرى أن الحياد لم يستمر لسببين:
1. ما
طبع عليه اليهود من الحسد.
2. ما
بدأ به القرآن من نقد لما كان عليه اليهود من عقائد باطلة.
والواقع أن
هذا الحياد لم يكن موجوداً أصلاً، وأن
الصراع مع اليهود مبدئي جذري، ولم
يكن عندهم أدنى استعداد للقاء لحظة واحدة، وقد
نزل من أوائل ما نزل قوله تعالى: ﴿ اهدنا
الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾ [الفاتحة: 5-7]، وجاء عن رسولنا r ما يبين أن المغضوب عليهم هم
اليهود([83]).
وهم
الذين قص الله علينا مواقفهم من أنبيائهم في آيات كثيرة، وقص علينا سوء أدبهم مع
الله، وعبادتهم العجل، وقتلهم الأنبياء، وقد عرفنا أن عقيدة التوحيد جاءت نقضاً
لكل العقائد الباطلة المنحرفة . . فالذي أعجب له قول الشيخ: هذا التعرض لليهود في
عقائدهم وحياتهم وأخلاقهم؛ هو الذي أثار
اليهود على الإسلام والمسلمين، وكان الحري به
أن يبين أن الموقف العدائي منذ بعثته r
من قِبَلِ يهود لكل ما جاء عن الله ورسله؛
هو المتأصل فيهم.
خامساً: لقد حاولت أن أتبين مصدر هذه التحليلات
الغريبة عند الشيخ، فوجدته ينقل النص الآتي عن
المستشرق اليهودي ولفنسون فقال: وكان الكاتب اليهودي الفاضل « إسرائيل
ولفنسون » دقيقاً
ومنصفاً في تحليل أسباب هذا النّزاع فقال: « ولو وقفت تعاليم الرسول عند محاربته للديانة
الوثنية فحسب، ولم يكلف اليهود أن يعترفوا برسالته؛
لما
وقع نزاع بين اليهود والمسلمين، ولكان اليهود نظروا بعين ملؤها التبجيل والاحترام
لتعاليم الرسول، ولأيدوه وساعدوه بأموالهم وأنفسهم، حتى يحطم الأصنام، ويقضي على
العقائد الوثنية، لكن بشرط ألا يتعرض لهم ولا لدينهم، وبشرط ألا يكلفهم الاعتراف
بالرسالة الجديدة، لأن العقلية اليهودية
لا تلين أمام شيء يزحزحها عن دينها، وتأبى أن تعترف بأن يوجد نبي من غير بني
إسرائيل »([84]).
فعلمت مصدر تحليلاته، فعجبت كيف يتأثر به وينقل عنه مقرّاً، وعجبت كيف يصف هذا
اليهودي المتعصب بالفاضل، ويصف
تحليله أنه دقيق ومنصف،وعجبت أكثر كيف يسكت عن
هذا التحليل الذي يقلب الحقائق في زخرف من القول مليء بالغرور، إذ يصور اليهود
بأنهم القوم الذين يرفضون الوثنية، وأنهم على استعداد لمناصرة محمد r في حربه على الشرك، مع أنهم وقفوا
مع قريش، حسداً وعداءً، بل قالوا لقريش عندما سألوهم عن دين محمد r : « دينكم خير من دينه »([85])، وهم في عقائدهم يجسدون الوثنية بأبشع صورها، وتلحظ كيف يبرر ليهود رفضهم الإسلام
والاعتراف بنبيه، لأن العقلية اليهودية ـ في زعمه ـ لا تلين أمام شيء يزحزحها عن
دينها.
المطلب
السادس
مصير بني قيـنقاع
بعد
هذا الصراع، وبعد هذه التصرفات العدائية، وأثراً عن كل تلك المواقف؛ ماذا يمكن
للمسلم أن يتوقع لهؤلاء الناس؟ وكيف يمكن
أن يتصرف معهم رسول الله r
؟ إن النتيجة الطبيعة هي
أن يتحملوا مسؤولية أعمالهم كاملة، ومع ذلك فقد اكتفى النبي r بأن أجلاهم عن المدينة جميعاً كما هو مشهور:
قال
ابن هشام: قال ابن إسحاق: فحدثني
عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول الله r حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه
عبد الله بن أُبَيّ بن سلول حين أمكنه الله
منهم، فقال:
يا محمد أحسن في مواليّ، وكانوا
حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول الله r، فقال: يا محمد أحسن
في مواليّ، فأعرض عنه، قال: فأدخل
يده في جيب درع النبي r
.
قال
ابن هشام: وكان يقال لها ذات الفضول،
فقال له رسول الله r: « أرسلني »، وغضب رسول الله r، حتى رأوا لوجهه ظُلَلاً، ثم
قال: « ويحك
أرسلني »، قال: لا
والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ؛
أربعمائة حاسر، وثلثمائة دارع،
قد منعوني من الأحمر والأسود؛ تحصدهم في
غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر،
قال: فقال له رسول الله r: « هم لك ».
قال
ابن هشام:
واستعمل
رسول الله r في محاصرته إياهم أبا لُبابة بشير بن عبد المنذر،
وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة.
قال
ابن إسحاق: وحدثني أبي عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن
الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله r؛ تشبث بأمرهم عبد الله
بن أُبَيّ، وقام دونهم،
ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله r، وكان من بني عوف([86])، له
من حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أُبَيّ،
فجعلهم إلى رسول الله r، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم،
وقال: يا رسول
الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من
حلف الكفار وولايتهم.
قال:
وفيه وفي عبد الله بن أُبَيّ نزلت الآيات من المائدة: ﴿ يا
أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض ﴾ الآيات
حتى قوله: ﴿ فترى الذين
في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ﴾ يعني عبد الله بن أُبَيّ،
إلى قوله: ﴿ ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب
الله هم الغالبون ﴾ [ المائدة:
51-56]([87]).
موقف
بني النضير وقريظة من إخراج بني قينقاع
لا
نجد أدنى مناصرة من قبائل يهود الأخرى لبني قينقاع، وقد يظن بعض الناس أن ذلك
التزام منهم بما عاهدوا النبي r، والحقيقة أن السبب شيء آخر،
وهو كما نقل الندوي عن إسرائيل ولفنسون: أنه
كانت عداوة بين بني قينقاع وبقية اليهود، سببها أن
بني قينقاع كانوا قد اشتركوا مع الخزرج في يوم بعاث،
وقد أثخنت بنو النضير وقريظة في بني قينقاع،
واستمرت هذه العداوة فلم ينهض أحد من يهود مع قينقاع لمحاربة المسلمين([88]).
وقد
أشار القرآن إلى عداوة اليهود فيما بينهم بقوله: ﴿ وإذ
أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون،
ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم
والعدوان ... ﴾ [ البقرة:
84-85 ]، وقوله تعالى: ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً
وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [ الحشر: 14].
الخاتمة
وبعد؛ فإن الباحث يود أن يسجل خلاصة ما توصلَت إليه الدراسة من نتائج:
ـ يتأكد لدى الباحث من خلال
الدراسة أهمية إخضاع أحداث السيرة النبوية للنقد الحديثي، للوقوف على جلية الأحداث.
ـ ما
ورد
من
دعوة
النبي
r ليهود
بني
قينقاع
إلى
الإسلام
إنما
هو
جزء
من
مهمته
r في
الدعوة
إلى
الإسلام،
ومن
ثمّ
بيان
عاقبة
الإصرار
على
الكفر
والمعاداة
في
الدنيا
والآخرة،
وليس
هو
من
باب
الإجبار
للدخول
في
الإسلام،
فليس
هذا
من
هديه
r ،
كيف
وقد
قال
الله
تعالى:
﴿
لا
إكراه
في
الدين
﴾
[البقرة:
252].
ـ إن الرواية
التي يتداولها الكاتبون المتصلة بالاعتداء
على
المرأة
المسلمة في سوق بني قينقاع؛
لا
تثبت
سنداً.
ـ إن الذي يمكن استنتاجه من مجموع
الروايات أن يهود بني قينقاع أول يهود حاربوا رسول الله r وأعلنوا العداء والمحادة لله
ولرسوله.
ـ إن من أعمال اليهود وخاصة بني قينقاع السعي بين المسلمين بقصد الفتنة، وفي ذلك تَرِدُ قصة شاس بن قيس، إذ تظهر الدراسة النقدية للقصة أن لها أصلاً بمجموع طرقها.
ـ إن من أبلغ الأدلة على موقف
قينقاع المعادي؛ موقفهم من عبد الله بن سلام، وانقلابهم عليه، واتهامه لمجرد
إسلامه، بعد أن كانوا يجلّونه ويقدمونه.
ـ يشير بعض
الباحثين إلى وجود صلات تجسس لليهود على المسلمين، إلا أنني لم
أجد نصاً خاصاً موثقاً يتعلق بتصرفات بني قينقاع، مع ثبوت المراسلة بين قريش
واليهود مطلقاً.
ـ يصور بعض المستشرقين أن أسباب
جلاء بني قينقاع مادية، تتصل بحال المسلمين، وما كانوا عليه من فقر وحاجة، وما كان
عليه يهود بني قينقاع من غنى و ثراء.
وقد حاول الباحث أن يفند هذه الشبهات مبيناً أن سبب الجلاء الجوهري يعود
إلى أن الإسلام قام على عقيدة التوحيد والاستسلام الكامل لله، بينما قامت عقيدة
يهود على أساس قومي استعلائي مغلق، مع ما اشتملت عليه طبائعهم من الغدر والخيانة
والعداء، وعقائدهم من الانحراف والشرك.
ـ اضطر الباحث لمناقشة العلامة
الندوي في تحليله لأسباب جلاء بني قينقاع، إذ ظهر تأثره بمقولات ولفنسون المستشرق
اليهودي، ومن ذلك دعوى أن الحياد كان موقف اليهود ابتداءً، ودعوى أن اليهود لم
يستمروا في الحياد بسبب حسدهم من جهة، وبسبب مبادأة القرآن لعقائدهم بالنقد، ولئن
صح السبب الأول، فلا يصح الثاني، ولكل جواد كبوة.
ـ كما بين الباحث توثيق القرآن
لأسباب محاربة النبي r لليهود، بما يكشف مسؤولية يهود الكاملة عن أعمالهم وتصرفاتهم وعدائهم للمسلمين.
والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الهوامش
([1]) السيوطي، جلال الدين، (ت 911ها)، تدريب الراوي، دار الفكر، بلا تاريخ، ج 1،
ص 183، نور الدين عتر، منهج النقد في علوم الحديث، دار الفكر، دمشق، ط 3،
1997م، ص 28.
([2]) انظر في الفهرس الفقهي لكتاب
البوطي: فقه السيرة النبوية، دار الفكر، بيروت، دمشق، ط 10، 1990م، لترى
مصداق ذلك.
([3]) لا
يود الباحث أن يذكر نماذج لذلك في هذا الموضوع، حتى لا يكون من باب التشهير والقدح في غير موضعه، إذ يحتاج الأمر إلى بحث خاص.
([4]) الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، دار الحديث،
القاهرة، ط 1987م، ج 1، ص 341، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم، مكتبة المنار، عمان،
الأردن، ط 1، 1990، ج 1، ص 112، وانظر ابن هشام، السيرة النبوية،
تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي ، دار إحياء التراث
العربي، لبنان، بيروت، ج 1، ص 191.
([5]) الطبري، جامع
البيان، ج 28، ص 32.
([7]) أخرجه الطبراني (ت 360 ها)، المعجم
الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، ط2، 1983م،
ج 12، ص 67، رقم 12497، وقال الهيثمي (ت 807ها):
رواه الطبراني ورجاله ثقات، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الريان
للتراث, ودار الكتاب العربي، القاهرة, بيروت، 1407ها،
ج 7، ص 17، وذكره ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 2، ص 71، إلا أنه سماه
شاس بن قيس وليس النباش بن قيس.
([8]) الطبري، جامع
البيان، ج 6، ص 194.
([10]) ابن كثير، تفسير
القرآن العظيم، ج 1، ص 129.
([11]) الطبري، جامع
البيان، ج 28، ص 10، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 4، ص 291.
([12]) الطبري، جامع
البيان، ج 1، ص 374، وانظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 1، ص
129.
([13]) الطبري، جامع
البيان، ج 2، ص 3، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 1، ص 165.
([14]) الطبري، جامع
البيان، ج 1، ص 388.
([15]) الطبري، جامع
البيان، ج 1، ص 389.
([16]) الطبري، جامع
البيان، ج 1، ص 101.
([17]) المرجع السابق، وانظر:
السيرة النبوية، ج 1، ص 178، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 1،
ص 15.
([18]) تنبيه: الرويات في بيان أسباب
نزول هذه الآيات وعلاقتها باليهود كثيرة مشهورة، ومُوافِقَةٌ للنص القرآني بما
يغني عن دراسة أسانيدها في هذا الصدد.
([19]) شهاب الدين أبو عبد الله، ياقوت
الحموي ( ت 626ها)، معجم البلدان، دار
صادر، بيروت، بلا تاريخ، ج 4، ص 424.
([20]) محمد بن سعد ( ت 230ها)، الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت، بلا
تاريخ، ج 2، ص 28.
([21]) المصدر السابق، ج 2، ص 48.
([22]) المصدر السابق، ج 2، ص 28، وأبو
جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت 310ها)، تاريخ
الأمم والملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987، ج 2، ص 48.
([23]) أكرم ضياء العمري، السيرة
النبوية الصحيحة، مكتبة العبيكان، الرياض، ط 4، 2001 م، ج 1، ص 299.
([24]) سعيد حوى، الأساس في السنة،
قسم السيرة، دار السلام، مصر، ط 1، 1989م، ج 1، ص 509.
([25]) ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله
محمد بن أبي بكر ( ت 751ها)، زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1979م، ج 3، ص 249. وانظر نص
الزهري في: عبد الرزاق الصنعاني ( ت 211ها)، المصنف،
تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي، ج 5، ص 357، رقم 9732، وإنما
يرويه الزهري عن عروة.
([26]) الأغمار: جمع غُمر، بضم العين، وهو
الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور. انظر: ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات ( ت
606ها)، النهاية في غريب الحديث والأثر،
تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، المكتبة الإسلامية، بلا تاريخ، مادة غمر، ج 3،
ص 385.
([27]) أخرجه أبو داود ( ت 275ها)، السنن، كتاب الخراج والإمارة، باب كيف كان
إخراج اليهود من المدينة، ج 3، ص 154، رقم 3001، وينظر: ابن هشام، السيرة
النبوية، ج 3، ص 50.
([28]) ابن حجر العسقلاني ( ت 852ها)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محب
الدين الخطيب، طبعة دار السلام، ط1، 1997، ج 7، ص 415، تحت شرح حديث 4032.
([29]) ابن حجر العسقلاني، تقريب
التهذيب، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد، حلب، ط 4، 1997، رقم الترجمة 6276.
([30]) محمد بن حبان بن أحمد، أبو حاتم
التميمي البستي ( ت 354ها)، الثقات، تحقيق:
شرف الدين أحمد، دار الفكر، ط 1، 1975م، ج 7، ص 392، ترجمة رقم 10559.
([31]) الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان ( ت 748ها)، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي،
ج 4، ص 26، ترجمة 8129.
([32]) في هذه المعاهدة نظر كبير سنداً
ومتناً.
([33]) د. أكرم ضياء العمري، السيرة
النبوية الصحيحة، ج 1، ص 300.
([34])
بيت المِدراس: ذهب ابن الأثير إلى أن المِدْراس هو » البيت الذي يدرُسون فيه «، النهاية في غريب الحديث، ج 2، ص 113، (درس)، خالفه ابن
حجر فقال: » والمراد به كبير اليهود، ونسب البيت إليه لأنه هو الذي كان صاحب
دراسة كتبهم أي قراءتها «، فتح الباري، ج 12، ص
318، شرح حديث رقم 6944.
([35]) محمد بن إسماعيل البخاري ( ت 256ها)، الجامع الصحيح،
مطبوع مع فتح الباري، رقم 1765 و 6944، وانظر: سعيد حوى، الأساس في السنة،
قسم السيرة النبوية، ج 2، ص 638.
([36]) يرى ابن حجر أن هذا الجلاء لجزء
قليل من اليهود بقوا بعد السنة السابعة، انظر: ابن حجر، فتح الباري، ج12، ص
317-318.
([37]) أبو داود، السنن، رقم 3004،
وسنده صحيح.
([38]) محمد بن سعد، الطبقات، ج 2،
ص 29، ومحمد بن يوسف الصالحي ( ت 942ها)، سبل
الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1993، ج 4،
ص 179.
([39]) محمد بن سعد، الطبقات، ج 2،
ص 28، 48.
([40]) ابن هشام، السيرة النبوية،
ج 3، ص 51، وأبو جعفر الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 2، ص 48، وابن
كثير أبو الفداء الدمشقي ( ت 774ها)، البداية
والنهاية، دار الفكر، بيروت، ج 3، ص 3.
([41]) أكرم العمري، السيرة النبوية
الصحيحة، ج 1، ص 274.
([42]) هو إسحاق بن يسار المدني، والد
صاحب المغازي، وكان رجلاً ثقة، أخرج له أبو داود في مراسيله، من الطبقة الثالثة،
أي توفي بعد المائة، انظر: ابن حجر، تقريب التهذيب، رقم 394.
([43]) عبادة بن الوليد بن عبادة بن
الصامت الأنصاري، ثقة، من الرابعة، روى له البخاري ومسلم وغيرهما، انظر: ابن حجر، تقريب
التهذيب، رقم 3161.
([44]) يعني عبادة بن الصامت.
([45]) ابن هشام، السيرة، ج 3، ص
52، وانظر: ابن كثير، البداية، ج 4، ص 4.
([46]) الطبري، تاريخ الأمم والملوك،
ج 2، ص 48 - 49.
([47]) محمد بن سعد، الطبقات، ج 2،
ص 28 - 29.
([48]) الطبري، جامع البيان، ج 1،
ص 20، وانظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 2، ص 293.
([49]) ابن هشام، السيرة، ج 3، ص
51.
([50]) انظر: ابن هشام، السيرة، ج
3، ص 51، وابن كثير، البداية، ج 4، ص 3 - 4، والصالحي، سبل الهدى
والرشاد، ج 4، ص 179، وعبد السلام هارون، تهذيب السيرة النبوية، دار
إحياء التراث العربي، بيروت، بلا تاريخ، ص 174 - 175، ومحمد الخضري، نور اليقين،
مؤسسة علوم القرآن، دمشق، ط 2، 1980، ص 133، ومحمد الغزالي، فقه السيرة،
دار الكتب الحديثة، مصر، بلا تاريخ، ص 259، ومحمد سعيد رمضان البوطي، فقه
السيرة، ص 247 - 248، وصَفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، دار
الأرقم، بيروت، بلا تاريخ، ص 205، وعلي محمد الصلابي، السيرة النبوية، عرض
وقائع وتحليل أحداث، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر، ط 1، 2001م، ج 2، ص
83، وغيرها من المصادر والمراجع.
([51]) الطبري، تاريخ الأمم والملوك،
ج 2، ص 48 - 49، وابن سعد، الطبقات، ج 2، ص 28 - 29.
([52]) ابن هشام: أبو محمد بن عبد الملك
بن هشام بن أيوب الحميري، ( ت 218ها)، من أئمة
الرواية في السير والمغازي، انظر: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ها)، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط
وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1981م، ج 10، ص 428.
([53]) عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن
المسور بن مخرمة، أبو محمد المدني، قال ابن حجر: ليس به بأس، ( ت 170ها)، انظر: تقريب التهذيب، رقم 3252.
([54]) أبو عون هو والد عبد الواحد بن أبي
عون المدني، وعبد الواحد: صدوق يخطئ، ( ت 144ها)،
انظر: ابن حجر، تقريب التهذيب، رقم 4226.
([55]) ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن
بن محمد،( ت 327ها)، الجرح والتعديل، دار
الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1953م، ج 9، ص 414، ترجمة رقم 2020.
([56]) انظر تفصيل ذلك في: د. محمد فؤاد
البرازي، حجاب المسلمة، دار أضواء السلف، الرياض، ط 3، 2000م، ص 58 - 61،
وص 73 و 75، فقد فصل في تاريخ الحجاب قبل الإسلام وبعده.
([57]) انظر:
د. محمد سعيد البوطي، فقه السيرة،
ص 249، على أن البوطي قد قال: « إن فيها بعض اللين »، أقول: بل هي شديدة الضعف.
([58]) المصدر السابق، ص 249.
([59]) د. أكرم ضياء العمري، السيرة
النبوية الصحيحة، ج 1، ص 300 - 301.
([60]) ابن هشام، السيرة النبوية،
ج 2، ص 204 - 205، وابن كثير، البداية والنهاية، ج 3، ص 236.
([61]) ابن جرير الطبري، جامع البيان،
ج 4، ص 16 - 17، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 1، ص 342.
([62]) انظر:
الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية،
دار الكتب الحديثة، القاهرة، ص71، ونور الدين عتر، منهج النقد في
علوم الحديث،
ص104.
([63]) ابن حجر، تقريب التهذيب،
رقم 2118.
([64]) الطبري، جامع البيان، ج 4،
ص 16.
([65]) البخاري، محمد بن إسماعيل، الصحيح،
مطبوع مع فتح الباري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي r وأصحابه، ج 7، ص 312، رقم 3911،
وهذه الرواية جزء من حديث طويل.
([66]) البخاري، الصحيح، رقم 3329
و3938 و4480، وأحمد بن حنبل، المسند، ج3، ص 108 و189 و199، واللفظ من
المسند.
([67]) محمود شيت خطاب، الرسول القائد،
دار مكتبة الحياة، بغداد، ط 2، 1960م، ص 92-93، وانظر: عماد الدين خليل، دراسة
في السيرة، مؤسسة الرسالة، ط 6، 1982م، ص 334.
([68]) عماد الدين خليل، دراسة في
السيرة، ص 334.
([69]) هذه الزيادة التي بين معكوفتين من
مصنف عبد الرزاق.
([70]) هذه الزيادة التي بين معكوفتين من
مصنف عبد الرزاق.
([71]) د. محمد حميد الله، مجموعة
الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، دار النفائس، ط 6، 1987م،
ص 66، والنص أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب المغازي، باب وقعة بني النضير،
ج 5، ص 358، رقم 9733، ومن طريقه أخرجه أبو داود في سننه رقم 3004، والقصة سندها
صحيح فقد رواها عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل
من أصحاب النبي r، وهذا إسناد صحيح متصل، ولا يضر جهالة الصحابي، وعبد الرحمن بن
كعب ثقة من كبار التابعين، انظر: ابن حجر، تقريب التقريب، رقم 3991.
([72]) انظر: عماد الدين، دراسة في
السيرة، ص 235، نقلاً عن ولفنسون، تاريخ اليهود، ص 128.
([73]) البوطي، فقه السيرة، ص 30.
([74]) عماد الدين، دراسة في السيرة،
ص 327.
([76]) ابن هشام، السيرة النبوية،
ج 2، ص165وفيه قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
قال: حُدِّثت عن صفية، وساق الحديث، فالإسناد فيه انقطاع، وانظر: الصالحي، سبل
الهدى والرشاد، ج 3، ص 377-378.
([77]) الصالحي، سبل الهدى والرشاد،
ج 3، ص 378، وهي رواية مرسلة أيضاً.
([78]) أبو داود، السنن، ج 3، ص
401، وسنده صحيح.
([79]) إسرائيل ولفنسون، تاريخ اليهود،
ص 126 - 127، بواسطة عماد الدين، دراسة في السيرة، ص 329.
([80]) عماد الدين، دراسة في السيرة،
ص 329.
([81]) أبو الحسن الندوي، السيرة
النبوية، دار الشروق، جدة، ط 2، 1979م، ص 169 - 171.
([82]) الترمذي، الجامع، أبواب
تفسير القرآن، باب من سورة بني إسرائيل، رقم 3140، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من
هذا الوجه.اهـ، أقول: وثمة رواية أخرى تفيد أن السؤال كان من يهود مباشرة في
المدينة، ووفق ابن حجر بتعدد الحادثة. انظر: فتح الباري، كتاب التفسير،
تفسير سورة الإسراء، باب ويسألونك عن الروح، ج 8، ص 510، حديث رقم 4721.
([83]) الحديث أخرجه الترمذي مطولاً، الجامع،
رقم 2953 م2، و2954، وقال: حسن غريب، وذكره ابن حجر في فتح الباري، ج8، ص
200، وحسن إسناده.
([84]) الندوي، السيرة النبوية، ص
171، وهو أخذ عن ولفنسون، تاريخ اليهود في بلاد العرب، ص 123.
([85]) انظر: ابن هشام، السيرة
النبوية، ج4 ، ص 171، وتفسير الطبري، ج 21، ص 129، وتاريخ الطبري، ج 2، ص 90.
([86]) يعني عبادة بن الصامت نفسه.
([87]) ابن هشام، السيرة النبوية،
ج 2، ص 51 - 52، والروايات في هذا مرسلة.
([88]) الندوي، السيرة النبوية، ص
146-147، وهو نقل عن كتاب اليهود في بلاد العرب، ص 129.
قائمة المصادر والمراجع
1.
ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات ( ت 606ها)،
النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي،
المكتبة الإسلامية، بلا تاريخ.
2.
أحمد بن حنبل، المسند، دار صادر، بيروت، بلا تاريخ.
3.
أكرم ضياء العمري، السيرة النبوية الصحيحة، مكتبة العبيكان، الرياض،
ط 4، 2001م.
4.
البخاري، محمد بن
إسماعيل، ( ت 256ها)، الجامع
الصحيح، مطبوع مع فتح الباري، تحقيق: محب الدين
الخطيب، دار السلام، ودار الفيحاء، ط1، 1997م.
5.
الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، ( ت 279ها)،
الجامع الصحيح سنن الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
6.
ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن بن محمد، ( ت 327ها)، الجرح والتعديل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1953م.
7.
ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد، أبو حاتم البستي، ( ت 354ها)، الثقات، تحقيق: شرف الدين أحمد، دار الفكر،
ط 1، 1975م.
8.
ابن حجر العسقلاني، ( ت 852ها)، فتح
الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، دار السلام، ودار الفيحاء،
ط1، 1997م.
9.
ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد،
حلب، ط 4، 1997م.
10.
الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، ( ت 463ها)،
الكفاية في علم الرواية، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
11.
أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، ( ت 275ها)،
السنن، تحقيق: محمد عزت عبيد الدعاس، دار الحديث، سوريا، ط 1، 1969م..
12.
الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، ( ت 748 ها)،
سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط
1، 1981م.
13.
الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، ( ت 748ها)،
ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة،
بيروت، بلا تاريخ.
14.
سعيد حوى، الأساس في السنة، قسم السيرة النبوية، دار السلام،
مصر، ط 1، 1989م.
15.
السيوطي، جلال الدين، ( ت 911ها)،
تدريب الراوي، دار الفكر، بلا تاريخ.
16.
الصالحي، محمد بن يوسف، ( ت 942ها)، سبل
الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1993م.
17.
صَفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، دار الأرقم، بيروت، بلا
تاريخ.
18.
الطبراني، سليمان بن أحمد، (ت 360 ها)، المعجم الكبير،
تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، ط2، 1404ها- 1983م،
19.
الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، ( ت 310ها)،
تاريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987م.
20.
الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تفسير القرآن، دار الحديث،
القاهرة، ط 1987م.
21.
عبد الرزاق بن همام، أبو بكر الصنعاني، ( ت 211ها)،
المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي، الهند، ط1 .
22.
عبد السلام هارون، تهذيب السيرة النبوية، دار إحياء التراث العربي،
بيروت، بلا تاريخ.
23.
علي محمد الصلابي، السيرة النبوية، عرض وقائع وتحليل أحداث، دار
التوزيع والنشر الإسلامية، مصر، ط 1، 2001م.
24.
عماد الدين خليل، دراسة في السيرة، مؤسسة الرسالة، ط 6، 1982م.
25.
ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ( ت 751ها)، زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق: شعيب
الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1979م.
26.
ابن كثير، أبو الفداء الدمشقي، ( ت 774ها)،
البداية والنهاية، دار الفكر، بيروت.
27.
ابن كثير، أبو الفداء، تفسير القرآن العظيم، مكتبة المنار، عمان،
الأردن، ط 1، 1990م.
28.
محمد الخضري، نور اليقين، مؤسسة علوم القرآن، دمشق، ط 2، 1980م.
29.
محمد الغزالي، فقه السيرة، دار الكتب الحديثة، مصر، بلا تاريخ.
30.
محمد بن سعد، ( ت 230ها)، الطبقات
الكبرى، دار صادر، بيروت، بلا تاريخ.
31.
محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة
الراشدة، دار النفائس، ط6، 1987م.
32.
محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة النبوية، دار الفكر، بيروت،
دمشق، ط10، 1990م.
33.
محمد فؤاد البرازي، حجاب المسلمة، دار أضواء السلف، الرياض، ط 3،
2000م.
34.
محمود شيت خطاب، الرسول القائد، دار مكتبة الحياة، بغداد، ط 2،
1960م.
35.
المزي، جمال الدين أبو الحجاج، ( ت 742ها)، تهذيب
الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت،
ط1، 1988م.
36.
الندوي، أبو الحسن علي، السيرة النبوية، دار الشروق، جدة، ط 2،
1979م.
37.
نور الدين عتر، منهج النقد في علوم الحديث، دار الفكر، دمشق، ط 3،
1997م.
38.
ابن هشام، عبد الملك بن هشام الحميري المعافري، أبو محمد، السيرة
النبوية، تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي ، دار إحياء
التراث العربي، لبنان، بيروت.
39.
الهيثمي، علي بن أبي بكر، (ت 807 ها)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الريان للتراث, ودار الكتاب العربي، القاهرة, بيروت، 1407ها.
40.
ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله، ( ت 626ها)،
معجم البلدان، دار صادر، بيروت.