سعيد حوى
في ذمة الله
د. عبد الحميد عمر
الأمين
الأستاذ المدرس في
جامعة أم القرى ـ مكة
توفي
يوم الجمعة الماضي العلامة السوري الكبير سعيد حوا عن عمر يناهز 55 عاماً، والفقيد
من مواليد حماة، ونشأة في بيئة دينيه، وحظي باحترام كبير، وله منزلة سيد قطب في
مصر.
كتب
28 مؤلفاً كلها تدور حول الشؤون الإسلامية، بينها كتاب "جند الله" وكتاب
"تربية الإخوان المسلمين" وأمضى في سجون النظام السوري عدة سنوات عكف
خلالها على أعداد 11 جزءاً في تفسير القرآن الكريم، ونشرت عام 1985.
إنا
لله وإنا إليه راجعون
لقد
مات أبو محمد فهذا قضاء الله وقدره، وكأس الموت كل مخلوق شاربه، فلا تقول إلا ما
يرضي ربنا متأمين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله عند وفاة ابنه إبراهيم
"إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون".
فإنا
لفراقك يا شيخنا ويا أخانا الحبيب لمحزونون، فماذا ارثي فيك، انه ليحار القلم
ويختلج القلب وتدمع العين وبكل اللسان عن أداء حقك مما عرفت فيك.
هل
أرثي فيك الإخاء، أم أرثي فيك الإباء، أم أرثي فيك الشجاعة والكرم، أم أرثي فيك
العلم والفهم، والحلم والصبر، يحار القلم فيك أيها الأخ الحبيب، لقد تعلمنا منك
الكثير، كم كنت تتمنى وتتمنى أن يعود للإسلام مجده، وتقوم له دولته ويحكم في الأرض
بما أنزل الله فبذلت في سبيل ذلك كل غال وثمين، جاهدت في سبيل الله حتى سهم في يدك
وكنت دائماً الذي يتطلع لوحدة المسلمين وقع كلمتهم.
فرحمك
الله يا أبا محمد رحمة واسعة وكللك الله بالرضى والرضوان وأسكنك فسيح الجنان مع
المقربين الأخيار، فيا رب رحماك تفضل بها على عبدك وتوله بمغفرتك. فرحمك الله
تقياً صالحاً كما عرفناك وجعلك في عداد الشهداء الأبرار.
فنم
قرير العين يا أبا محمد وأعلم بأن إخوانك على الدرب سائرون وفي سبيل الله ماضون،
فهم هم على عهد ربهم قائمون ليقوم حكم الله في الأرض عزيزاً وتعلو كلمة الله فوق
العالمين، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
وفي مقال تحت عنوان:
سعيد
حوى الرجل والكلمة:
قال
الكاتب:
عاش
سعيد حوى أربعة وخمسين عاماً وهبها كلها – إلا قليلاً –
للعمل على تنفيذ الفكرة التي جاهد وصابر من أجلها..
كان
يحلم بتربية أجيال مسلمة تربية شاملة في مجال الأخلاق والعلم والثقافة وفي أسلوب التفكير والمعاملة،
والتخطيط لبناء الإنسان الكامل الذي يحيا الحياة الكريمة التي أرادها الله
ورسوله..
يقول
عنه صهره الدكتور عبد الحميد الأمين أستاذ التفسير بجامعة أم القرى في مكة
المكرمة: كان خطيباً مفوّها في المظاهرات التي قادها وشارك فيها، وفي مساجد حماة
ودمشق وهو لا يزال طالباً في كلية الشريعة لا يتجاوز عمره الخامسة والعشرين، إذا
تكلم علا بيانه، وسحرت عباراته السامعين، ودفعت كبار العلماء من أهل التخصص في
الأدب والفكر إلى الثناء عليه والانبهار بسحر بيانه.
وأسأل
الدكتور الأمين: الداعية الإسلامي سعيد حوى، سلك في فترة من حياته طريق
الزهاد – أو "الدراويش"، وانخرط في سلكهم مما جعل البعض يأخذ
عليه هذا الجنوح الذي خالف فيه منهجه الذي يدعو إلى دخول الساحة السياسية والنزول
لأرض الواقع ومعايشته، فكيف تفسر ذلك؟ ويضحك قائلاً: رحم الله أبا محمد، لقد كان
حكيماً في تصرفاته.. لو تعلم أن هذه الفترة كانت فترة تخفي من البطش السائد
بالإخوان المسلمين حينما صدر قرار بحل الأحزاب والهيئات القائمة وعلى رأسها جماعة
الإخوان المسلمين، فكان لزاماً في تلك الفترة التأني في مسيرة العمل الإسلامي ..
واستطاع سعيد حوى أن يحقق من خلال هذه الفترة هدفين: الأول: كما قلت
التخفي، والتأني حتى لا تتوقف مسيرة العمل الإسلامي، والثاني: توعية شاملة
للشباب الذي توجه إلى الزهد، والعمل على الأخذ بيده وتعريفه بأصول الدعوة عن طريق
التربية والتخطيط الشامل للمشاركة في ميدان الجهاد بدلاً من ميدان الزهد فقط.. ثم
بعد ذلك انقشعت الغمة، وعاد سعيد حوى إلى سيرته الأولى وتبني فكرة الإخوان والجهاد
من أجلها..
رحم
الله الداعية سعيد حوى فقد كان بحق من الموجهين التربويين الذين كان لهم الأثر
الفعال في تربية جيل مسلم فقه مبادئه وعاش على أثارها.