بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة التي ارتجلها
الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي على قبر الحبيب الفقيد الشيخ سعيد حوى – تغمده الله بفيض
رحمته ورضوانه- إثر دفنه في مقبرة سحاب – من ضواحي عمان – بعد ظهر الجمعة 10/
3/ 1989م.
الشيخ سعيد حوى…
فارس يرتجل
السلام عليك في
الخالدين يا أبا محمد
يا ابن حماة الأصيل
يا شيخ المجاهدين
ومعلم المناضلين.
***
أنا
أرثيك؟.
كيف
أرثيك؟.
إنني إذن
سأرثي جيلاً بأسره.
سأرثي
الكرم والشجاعة والوفاء، في عصر ندر فيه الكرم والشجاعة والوفاء يا أبا الأوفياء.
سأرثي جيل
الجهاد والاستشهاد الذي عايشك، وتربى على فيوضات فكرك النير، وعقلك الكبير، وروحك
التي ما فتئت تطوف في الملكوت، لتأتي بأعاجيب الأفكار والمعاني والخواطر، وبأحر ما
تكون العواطف والمشاعر.
لقد كان
لها سبح طويل ومعارج ترقى فيها، لا تطولها أخيلة الأقزام من حاسديك، وتبقى أبصارهم
حسيرة كليلة دون عطاءاتها التي خلفتهم وراءها دهوراً.
أرثيك أم
أرثي نفسي – أنا العبد الضعيف القليل الذي يفقد في كل يوم عزيزاً –؟
أرثيك أم
أرثي جماعتي التي افتقدت بفقدك عالمها ومجاهدها والمنظر لها؟
أرثيك أم
أرثي المسلمين الذين كانت خسارتهم بك كبيرة، فقد قل نظيرك بين العلماء والعاملين،
يا فد العلماء والعاملين، وندر مثيلك بين العلماء والمجاهدين، يا حامل لواء الحهاد
والعلم والفداء.
أنا أرثيك
يا ابن حماة الأصيل؟
إذن سأرثي
(حماة) التي ما ذكرت إلا وقيل: إنها مدينة الشيخ سعيد، وعرين بن مروان الحديد، كما
كان يقال لها من قبل : إنها مدينة أبي الفداء.
وإني
لأحسبها تبقى كذلك ما بقيت تصاول الطواغيت، وتتحدى الفراعين.
فقد أليست
ما هالا لأمتها، وما أظنها تضعها عنها وأرواحكما تسبح في جوائها، فلا رواح
العماليق ما للأريج من عنقوان ينزع نحو الأعالي ولا يطامن من كبريائه، ويأبى العيش
بين الحفر..
ولئن شاءت
الأقدار أن يتنائى الجثمانان الطاهران عن ثراك يا حماة، إنهما أطلقا روحيهما
المقاتلتين إليك، كيلا تخمد جذوة الجهاد في نفوس الحفدة والأبناء.. كي تبقى الشعلى
متقدمة، حتى لو ترجل الفرسان.
حتى لو دفن
الفارس الحديد في دمشق والفارس السعيد في عمان.
هيه يا
سعيد.. يا ابن الإسلام العظيم.
هيه يا أبا
الجهاد والمجاهدين.
هيه أيها
الطرد الشامخ الذي طالما تلقى سهام الغدر من الأدعياء والأصدقاء والأعداء على حد
سواء..
يا من
علمتنا الصبر على كيد الأعداء وغدر الأصدقاء..
ويا من
دعوتنا على الابتسام في وجوه الخطرب الكالحات..
يا من
هديتنا إلى الاستهانة بلؤم الغادرين.
هيه يا أبا
محمد
يا جيلاً
من صمود.
يا غابة من
حراب في صدور الضالين والمضلين.
يا بحراً
من جود
يا أبا
اليتامى والثكالى والأرامل.
يا من
قتلتك هموم المستضعفين من الإخوان والأنصار.. ومن الأرامل والأيتام والعاجزين والمعوزين.
يا من كنت
تخطط وتحشد ليوم النزال مع الأنذال..
نم قرير
العين في أرض الشام.. في الأرض التي باركها الله وما حولها، فإخوانك وتلاميذك
ومريديك ما يزالون يحتضنون البنادق، وأصابعهم على الزناد.
ما زالوا
مصممين على متابعة الطريق، ولن يحيدوا عن سبيل الجهاد الذي أشربتهم إياه في كل
كلمة قلتها، وفي كل كلمة كتبتها.
نم على
الرغم من أنك لم تتعب من حمل اللواء.
وعلى الرغم
من أن الأشجار والبوسق لا تموت إلا واقفة.
وقد مت
واقفاً أيها الشيخ السعيد.
وكذلك يموت
الكبراء والعظماء.
وقد آن
للجسد المعذب أن يهدأ.د
وآن للروح
المتوثبة أن تصل إلى العروج والتحليق.
وأنت يا
حماة..
يا نواعير
حساة ثوري ولا تنوحي فالشيخ يريدك ثائرة.
يريد صوت
الجهاد فيك مجلجلا.
أهيبي
بأبنائك أن يثأروا.
ادفعيهم
إلى الثأر العريان.
لأبناء
سورية الأحرار
للشيخ سعيد
لمروان
الحديد
وأنتم يا
أشقاءنا في أردن العطاء.
يا من
آويتمونا ونصرتمونا عندما عز النصير.
نستودع
الله شيخنا الحبيب في أرضكم.
ليكون عبرة
ومهمازاً.
ليكون
برهاناً على وحدة الأرض والهدف.
تهفوا إليه
قلوبكم
كما تهفوا
إليه قلوب أحبائه في سورية الجريح.
***
طبت حياً
وطبت ميتا يا أخي ومعلمي يا أبا محمد..
ولسوف تبعث
طيباً بإذن الله.
وحق لمن
مزج بين مداد العلماء وبين دماء الشهداء أن يحيا طيباً.
وأن يموت
طيباً، وأن يبعث مع الطيبين، مع الأنبياء والشهداء والصادقين الصالحين والأوفياء.
وحسن أولئك
رفيقاً.
والسلام
عليكم في الخالدين.
وقال
الأستاذ عبد الله الطنطاوي أيضاً في تأبين الشيخ:
أنا أرثيك؟
كيف أرثيك ؟
إنني-إذن-سأرثي
جيلاً بأسره..
سأرثي الكرم
والشجاعة والوفاء ، في
عصر ندر
فيه الكرم والوفاء
يا أبا الأوفياء .
سأرثي جبل الجهاد
والاستشهاد الذي عايشك ،
وتربي على فيوضات فكرك النير، وعقلك الكبير، وروحك التي فتئت
تطوّف في الملكوت ،لتأتي بأعاجيب
والخواطر.
لقد كان لها سبح طويل
ومعارج ترقى فيها ، لا تطولها
أخيلة الأقزام
يا جبلاً من صمود..
يا غابة من حراب في صدور الضالين
والمضلين…
يا بحراً من جود ..
يا أبا
اليتامى والثكالى والأرامل ..
يا من قتلتك هموم المستضعفين
والمستضعفات من الإخوان والأنصار .. من الأرامل والأيتام والعاجرين والمعوزين..
يا من كنت تخطط وتحشد ليوم النزال مع الأنذال..
نم قرير العين في أرض الشام .في الأرض التي باركها
الله وبارك من حولها ، فإخوانك وتلاميذك ومريدوك ما يزالون يحتضنون البناديق ، وأصابعهم على الزناد..
ما زالوا مصممين على متابعة الطريق ، ولن يحيدوا عن سبيل الجهاد الذي أشربتهم إياه في كل كلمة قلتها، وفي كل كلمة كتبتها…
نم على الرغم من أنك تتعب
من حمل اللواء ..
وعلى الرغم من أن الأشجار البواسق لا تموت إلا واقفه
وقد متّ واقفاً أيها الشيخ السعيد ..
وكذلك يموت الكبراء والعظماء..
وقد آن
للجسد المعذب أن يهدأ..
وآن للروح المتوثبة أن تواصل العروج والتحليق..