بسم الله الرحمن الرحيم
في مقال في مجلة الوطن العربي عن الشيخ
سعيد حوى تضمن أسئلة وجهت إلى الشيخ محمد سعيد حوى عن والده الشيخ سعيد حوى رحمه
الله:
الشيخ سعيد حوى العالم المناضل . .
تمام البرازي
العلامة الشيخ سعيد
حوى الذي توفي مؤخراً عن55 عاماً، كان علامة بارزة في تاريخ سورية الحديث رغم أن
الموت لم يمهله طويلاً، وكان مثال العالم المجاهد قولاً وعملاً وتأليفاً وتنظيماً،
وكانت له منزلة سيد قطب في مصر، ترك28 مؤلفاً تدور حول الشؤون الإسلامية وأعد 11
جزءاً في تفسير القرآن الكريم وهو في أحد سجون النظام السوري.
تحدث أهل الشيخ
الفقيد إلى "الوطن العربي" عن سيرة حياته ومواقفه، كما تحدث عنه الأستاذ
عبد الهادي مصلح الذي حضر من بلد عربي شقيق للمشاركة في وداع هذا العالم الكبير
الشيخ المناضل سعيد حوى.
الشيخ سعيد حوى
العلامة الإسلامي الموسوعي الذي وافاه الأجل في عمان يوم الخميس في غزة شعبان
1409هجرية الموافق9 أذار (مارس) 1989، ترك أثاراً فكرية إسلامية فريدة في عمقها
الإسلامي.
ومع أن 55 سنة من
حياة المرء وخصوصاً في حياة إنسان كالشيخ سعيد حوى الذي ترعرع في مدينة حماة
"أبي الفداء" وانخرط في العمل الإخواني ودخل السجون، فإن 55 سنة كانت
قصيرة في هذه الحياة الدنيا لكن سعيداً رحمه الله كان تدفق علماً وأدباً وفكراً
أصيلاً جمع في 28 مؤلفاً.
والده محمد ديب حوى
كان عضواً في الحزب الاشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني في حماه، وبشير الأستاذ
الشيخ في كتابه الأخير "هذه تجربتي وهذه شهادتي"إلى أن أكرم الحوراني
تأثر في بداية حياته بفكر الحزب القومي السوري ثم رفضه وخرج عنه، وطرح شعار إحياء
العدالة العمرية (نسبة إلى عمر رضي الله عنه). ودخلت الاشتراكية إلى حي العليلات
حيث كانت أسرة سعيد حوى تقيم – باسم الدين حتى
أن صلاة الجماعة كانت تقام في مركز جمعية الحزب الاشتراكي، ودخل وفد سعيد - الذي
مازال حياً – السجن عندما كان سعيد ما زال في الثامنة من عمره مما اضطره
لاستلام محل والده الذي كان تاجر خضار بالجملة في سوق الهال في حماة.
وانقطع سعيد عن
الدراسة سنوات، لكنه كان قارئاً فهماً لكل ما يقع تحت يديه بدأ بقصة "عنترة
بن شداد" وقصة "سيف بن ذي يزن" الشعبية ثم الروايات ثم انتقل إلى
قراءة الفلسفة اليونانية وترجمات عبد
الرحمن بدوي لأعمال الفلاسفة الألمان وغيرهم من أمثال سوبنهور ونيتشه.
وراقب سعيد المظاهر
الحزبية في حماة ويقول في كتابه المذكور أعلاه : "إن التحزب العربي الاشتراكي
نبت في حماة على انفعام مصالح بعض الناس وإن أكرم الحوراني كان سابقاً إلى إدراك
المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وطرح حلول لها وتعبئة الناس حولها وحسن مخاطبة
الناس من خلال ما يعرفون ويفهمون".
في هذا الجو تأكد
لسعيد ضرورة رسم الخطط في معالجة المشاكل التي تواجه مستقبل حياته، وعندما عاد
لإنهاء دراسته الثانوي في ثانوية ابن رشيد في حماة شهد الصراع الحربي في الحياة
الطلابية بين الحزب الشيوعي السوري والحزب القومي السوري والحزب العربي الاشتراكي،
وكان الحزب الأخير هو المسيطر على الثانوية، وقد التقى بعض الشيوعيين لكنه لم
يتأثر بدعوتهم، وجذبه الشيخ محمد الحامد (رحمه الله) الذي كان يدرس التربية
الإسلامية في الثانوية فانضم إلى حلقته الشهيرة التي كان يلقيها في جامع السلطان.
وبدأ سعيد حوى
يتساءل أثناء تلقه هذه الدروس الدينة قبل بلوغه الثامنة عشرة من عمره "كيف
يعيش الناس دون هدف كبير يسعون لتحقيقه وكيف يتصرفون عما يرث الأمجاد" وانخرط
سعيد في صفوف الأخوان المسلمين عندما كان في الصف الأول ثانوي ويصف ذلك " كان
انقلاباً هائلاً في حيات ينوعاً من العثور على" الأنا الجماعي
"لنفسي".
ودخل سعيد كعضو جديد
في "أسرة" من الأخوان لتلقي التعليم والتوجيه من الأستاذ مصطفى الصبر في
الدكتور عبد الكريم العثمان وعدنان سعد الدين، إلا أن تلميذته استمرت على يد الشيخ
محمد حماد.
وبدأت في هذه
المرحلة من نمو سعيد الفكري تظهر بدايات نظرية "الوحدة القرآنية" التي
بنى عليها تفسيره اللاحق للقرآن الكريم، وكانت فكرة الجهاد والسلاح هاجساً له
ولبعض شباب الأخوان، مع أن قيادة الجماعة الإسلامية كانت تخشى من هذا التوجه ومع
ذلك فقد تم تشكيل نواة مسلحة ثم انفرطت وكانت مهمتها تعطيل الحفلات الفنائية
الراقصة.
وأصبح سعيد حوى
مسؤولاً عن الطلاب الأخوان في أكبر ثانوية في حماة وقاد المظاهرات، ومنها مظاهرة
بمناسبة دعوة الأخوان لإدخال التدريب العسكري (الفتوة) في الثانوية والتظاهر ضد
إعدام قادة الأخوان في مصر.
وواجهت سعيد ضغوط
عائلية لأن يتخلى عن الأخوان خصوصاً وأن والده وأسرته وحبه كانت قلعة الاشتراكية
لكنه استمر في ولائه للإخوان المسلمين.
أثر الشيخ حامد عليه:
ولا بد هنا من إلقاء أضواء سريعة على حياة الشيخ
محمد الحامد معلم سعيد حوى وهو الذي غير مجرى الأحداث في حماة وعكس المد الاشتراكي
إلى مد إسلامي عميق الجذور.
كان الشيخ محمد
الحامد قد أنهى دراسته في دار العلوم الشريعة، في حماة عام 1982، وأنتقل إلى
المدرسة " الخسروية" في حلب لإتمام دراسته الشرعية العليا حيث كانت
المدرسة المذكورة أرقى مدرسة في سوري في هذا المجال، وتخرج فيها عام1935 وعاد إلى
حماة ليصبح خطيبا ومدرساً في جامع السلطان وكان يرفض أن يكون إماماً للمصلين
باستمرار من شدة ورعه وحرصه على الطهارة فقد كان إذا مسته نقط ماء من ميزاب يعيد
طهارة ثيابه، وكان أيضاً لا يقضي مسائل الطلاق .. حتى أن زعيم الأخوان المسلمين
التاريخي في سورية الأستاذ عصام العطار قال عنه إمام الملأ: "لا أعرف ولم
أعرف عن أحد في مشرق الدنيا أو مغربها أورع من الشيخ محمد الحامد".
الشيخ محمد الحامد
لم يدخل في الأخوان رسمياً ولم يخرج من الأخوان رسمياً، تلك كانت المعادلة الصعبة
التي يقول بها اتباعه، خصوصاً وأنه هو الذي جلب "فكرة الأخوان" من مصر
بعد عودته من الأزهر عام1937 لنفوره مما رآه من انفتاح مصري على الغرب وأجبره
أقرباؤه على العودة مجدداً إلى الأزهر ليتابع الدراسة.
وتأثر بالشيخ حسن
البنا وقامت وشائج علاقة بينهما واعتبر الشيخ البنا شعبة حماة للإخوان شعبة من
شعبت مصر وهي أول شعبة سورية.
ويروي إتباع الشيخ
محمد الحامد أن قلبه كان خاشعاً لله وكثير البكاء عند قراءة بعض الآيات القرآنية،
فمثلاً قضى ساعة لا يقدر أن يتلوا درسه اليومي بعد أن أجهش بالبكاء الصامت عند
تفسيره لأية كريمة حول ذكر جهنم وسط تلاميذه.
هذا ما زاده شعبي
وحباً واحتراماً من بين كل مشايخ سورية اللاحقين والسابقين.
وكان شديد الهيبة
حتى أنه عندما كان يمر في السوق يقفل بعض أصحاب المحلات المذياع وبعضهم يتوارى في
دكانه.
ولم يسمع أو يقرأ
فكر معادية بالإسلام إلا وجاهر بالرد عيها ولم يخشى في الله لومة لائم ولم يهادن
ويلعب اللعبة السياسية مرة واحدة في كل حياته التي كانت قصيرة نسبياً إذ توفي عن
عمر يناهز التاسعة والخمسين وقدر عدد مشيعيه بربع ملون نسمة ونعته إذاعات دمشق
وعمان ولندن والعواصم العربية والإسلامية الأخرى.
واستلم رئاسة جماعة
الأخوان شقيقه الأستاذ عبد الغني الحامد وكانت جماعة "دعوة" فقط أي تعمل
على نشر الدعوة لمواجهة الغزو الفكري والحزبي .
ويذكر شعب حماة أن
الشيخ محمد الحامد كان في طليعة الجهاد ضد
المستعمر انتهاء بالجهاد ضد الأنظمة القمعية...حتى أنه رفع الأذان بنفسه بعد تحرير
ثكنة الجيش في حماة(الشرفة).
ولم يستطع الأخوان
دخول الجيش لأن الاشتراك أمسكوا بمفاتيح الدخول إلى الكليات العسكرية.
وحاول سعيد أن يتحول
إلى مهنة التعليم لكن بعد تعينه في مدينة الحسكة عاد سريعاً إلى حماة وأنهى دراسته
الثانوية والتحق بالكلية الشرعية في دمشق التي كان الدكتور مصطفى السباعي المراقب
العام للإخوان المسلمين يلقي المحاضرات فيها.
والتزم سعيد الشاب
بتنفيذ توجيهات الشيخ محمد الحامد الذي يقول فيها.. "اجتمع له الذكر والعمل
والورع والدعوة وكان أرقى الناس روحاً وعلماً".
ويشير سعيد في
مذكراته إلى أن الدكتور مصطفى السباعي كانت تحترق أعصابه ويحاول أن يرتقي بالجماعة
لكن الأعوان الأكفياء قلة.
وتتلمذ سعيد أيضاً
على يد محمد المبارك ومعروف الدواليبي والشيخ محمد علي المراد رئيس جمعية العلماء
في حماة.
ويعتبر سعيد أن
الشيخ محمد الحامد من الذين أسهموا في تأسيس الإخوان المسلمين في مدينة حماة سنة
1939ولكن بعد أن حظر أديب الشيشكلي على الموظفين الدخول في الأحزاب لم يدخل الشيخ
محمد الحامد التنظيم مرة أخرى وإنما كان يرعاه.
ومع أنه يعتبر
حنفياً صوفياً فإنه كان دائماً على استعداد لأن يضع يده بيد السلفيين لإنهاء الردة
.
ويقول الشيخ سعيد
حوى أن الإخوان السلفيين قد طالبوا في وقت مبكر أن يكون الشيخ محمد الحامد رئيساً
للإخوان المسلمين في حماة ورفع السقف المرتفع في كل مكان في سورية لأن الشعب
السوري شعب مسيس وكل فرد فيه يظن أنه من أعرف الناس بالسياسية، ولهذا فإن هذا
الشعب لن يسلم للجماعة إلا إذا كانت متفوقة سياسية وعلمياً وروحيا.
نظرة إلى الجيش
والأحزاب:
وحتى في الجيش
السوري فإن سعيد حوى كانت له رؤية مستقلة لتحليل الوضع فيه فهو يقول مثلاً
"أنه كان من المفروض أن يحل الجيش السوري بد الاستقلال ويعاد تشكيله من جديد
على أسس سليمة ونظرية واضحة المعالم وأنه بسبب رفض شكري القوتلي لهذه النصيحة بدأت
مأساة سورية".
فسعيد كامن يرى أن
العمل السياسي في سورية ينبغي أن ينبثق عن عمل حزبي مستكمل لشروط العمل السياسي
الذي يستوعب وضع سورية الديني والنفسي والاجتماعي والحضاري والمحلي والعربي
والإسلامي والعالمي عبر التزام جميع العاملين بالإسلام ديناً للدولة ويعاد ترتيب الجيش بحيث يكون
سنداً وشريكاً..
ويرى الشيخ أن
التيار الإسلامي أصبح بشكل قوة كبير على كل مستوى وكل من المفترض أن يرث
الإسلاميين عهد الانفصال وكان بإمكانهم ذلك لكنهم ساروا على سياسة" أوسمعتهم
سباً أو وادروا الإبل " وغيرهم سار على سياسة "تمكن حتى تمكن".
ثورة حماة:
لكن ارتباك الشيخ
سعيد بحماة وتاريخها يدفع المرء إلى الاستماع لما حدث في المدينة.
يروي الشيخ سعيد حوى
ما حدث في ثورة حماة عام1964، بأن الجو في حماة كان ملتهباً خصوصاً بعد أ، كتب زكي
الأرسوزي في مجلة الجيش والشعب كلاماً فأسمى قصة أدم، أسطورة واعتبر الجاهلية على
أنها أرفع مظهراً للنفسية العربية، وفكر بعض وزراء النظام بإلغاء الأوقاف وإلغاء
تدريس مادة التربية الإسلامية في سورية.
وتم الاعتداء على
الشيخ عبد الكريم الرفاعي وكتب أحد الطلاب عبارات ضد رجالات الحزب الحاكم فحكم
عليه بالسجن سنة، وقرر الأخوان إعلان الإضراب الطلابي الشامل في حماة، وكان
المسؤول الإخواني عن الطلاب في ثانوية عثمان الحوراني الشيخ مروان حديد الذي قاد
مظاهرة ضخمة فأمر عبد الحليم خدام الذي كان آنذاك محافظاً لمدينة حماة بإنزال
الجيش وإطلاق النار على أحد المواطنين من آل جواد فاستشهد وأمر خدام بإغلاق
المدينة التي كانت مهيأة للإضراب الشامل وبدأ إضراب حماة الذي استمر وقتذاك 29
يوماً.
واعتصم مروان حديد
ورفاقه في مجد السلطان وبدأ أهل حماة يتوافدون للمسجد للاستماع للكلمات الثارية
وطلب خدام محافظ حماة من أعيان البلد أن يجتمعوا ليجدوا حلاً فعقدوا اجتماعاً في
جامع زين بن بحي الشمالية في الحاضر قرب بيت عثمان الأمين زعيم حماة لكن خدام أمر
باعتقال الشيخ عبدالله الحلاق والشيخ سعد مراد وبدأت السلطة تساوم العلماء لإصدار
بيان بإنهاء الإضراب مقابل إطلاق سراح الشيخين، إلا أن الشعب السوري رفض بيان
العلماء..
وبرز سعيد حوى في
اجتماع في بيت عثمان الأمين عندما طرح على المجتمع فكرة "حلف الفضول" الذي كان يقضي بأن تقف
حماة موقفاً موحداً من أي أن اعتداء على أي فرد مهما كان اتجاهه السياسي أو
الديني، وكان الأمل أن يستمر الإضراب حتى تسانده بقية المدن السورية فينتهي النظام
من خلال الإضراب. ولكن السلطة بدأت بقصف مسجد السلطان فهدمت مئذنته وبعض قبابه
ودافع المحاصرون عنه ونفذت الذخيرة وتم اقتحام المسجد...وكانت الإذاعة الخارجية
الوحيدة اهتمت بالأحداث هي إذاعة العراق.
وبدأت المفاوضات بين
الفريق أمين الحافظ رئيس جمهورية آنذاك والشيخ محمد الحامد وقرر سعيد حوى وبعض
رفاقه الذهاب إلى العراق للحصول على أسلحة والذخيرة وقدمت إحدى الأسر النصرانية
سيارة لاندروفر للمجموعة لاجتياز الصحراء إلى العراق.
وكان مع سعيد حوى
عثمان الأمين والحاج أحمد الأمين والعقيد فؤاد الأسود الذي ضرب جبل الدروز في عهد
أديب الشكيلي وهارون خطاب...لكنهم لم يلافوا التجاوب كلياً وبعد40 يوماً في العراق
انتهت أحداث حماة وأصدر أمين الحافظ العفو عن الجميع...وكانت محصلة ثورة حماة
الأولى حوالي أربعة وخمسين قتيلاً منهم أربعة فقط من الأخوان.
ويذكر سعيد حوى في
كتابه أن القيادة المحلية للإخوان في بقية المحافظات لم تحرك ساكناً حتى عندما
عرضت عليها قوى عسكرية أن تتحرك بل قالت بعض القيادات الإسلامية "ونحن لا
نؤمن بالوصول إلى الحكم إلا عن طريق الديمقراطية ولو كلفنا ذلك500 عام وبعض
القيادات استمرت تشهر بإخوان حماة حتى هذه اللحظة".
ويؤكد سعيد أن موقف
مدينة حماة الأصيل، والتصرف الحكيم للشيخ محمد الحامد، ووجود بعض أهل السنة في
مراكز قوية في السلطة، ورغبة بعض العلوين في تمرير المرحلة حتى لا ينكشف الغطاء
الطائفي باكراً، كل ذلك كان عاملاً في إنهاء الوضع...
ويؤكد أن الدرس
الأكبر الذي خرج به الإخوان من ثورة حماة عام 1964 هو أن موقف مدينة واحدة من
سورية ليس كافياً لإسفاط نظام جائر.
زوجة وبنون:
وتزوج الشيخ سعيد
بعد دعوته من العراق ورزقه الله بمحمد وأحمد ومعاذ وفاطمة وعاد إلى التدريس في
السلمية قرب حماة وهي مركز الإسماعيلية فقي سورية ثم غادر إلى السعودية للتدريس.
ويذكر الشيخ سعيد
أنه عندما خطب زوجته حدثها بحضور أمها وأخيها بأنه يريد امرأة تنظر بعينيه وتسمع
بأذنيه وتفكر بعقل...
ويشير بعد فترة عن
أم محمد زوجته فيقول كانت أم محمد أكثر ما أردت وأقوى مما أملت وأقدر مما تصورت
وذلك فضل الله، لقد كانت السكن والمساعدة والمعين وإني مدين لها في ما يعتبر
إنجازاً ...
وفي الفترة ما بين انتهاء
ثورة حماة في عام 1964 والحركة في 22 شباط (فبراير)1966 فإن الشيخ سعيد انكب على
وضع منهاج الإخوان المسلمين ومناقشته في مجلس الشوري للإخوان.
ويذكر الشيخ سعيد حوى أن الرئيس جمال عبد الناصر
الذي كان في صراع عنيف مع الحكم السوري قد أرسل عرضاً بواسطة بعض النصرانيين
للإخوان أن يسلحهم، لكن وضع الإخوان التنظيمي وحساسياتهم تجاه عبد الناصر جعلتهم
يرفضون المشروع...
بدأ التطبيق على
الشيخ سعيد ورفاقه ونقلوا التدريس في مناطق بعيدة عن حماة فقرروا السفر إلى
السعودية للتدريس فيها.
وسكن الشيخ سعيد فيها من عام 1966 إلى عام 1971
يدرس في السعودية فترة سنتين من هذه الفترة في الهفوف وثلاث سنوات في المدينة
المنورة ويحتفظ بأغلى الذكريات لتلاميذه في المعاهد المتقدمة للمرحلتين الإعدادية
والثانوية في السعودية...
وأنهى خلال السنوات
الخمس في السعودية كتابة سلسلة الأصول الثلاثة وكتاب "جند الله ثقافة
وأخلاقاً" وفصولاً من كتاب "جند
الله تخطيطاً وتنظيماً وتنفيذاً".
وألقى محاضرات في
نادي الأنصار ونادي أحد في المدينة المنورة وكتب تحليلاً للأوضاع للملك فيصل رحمه
الله وكانت له أثاراً طيبة في نفسه وتجاوب مع بعض المقترحات التي أصبحت الآن واقعاً
في السعودية...
وكان الشيخ سعيد
يقضي الصيف في جبال لبنان مثل"عالية" و "سير الضفية " وفي صيف
1969 تبين أنه مصاب بداء السكري فقرر العودة إلى حماة في صيف عام 1971 بعد الحركة
التصحيحية ويسمح له بالعودة...
دخل السجن وأنجز فيه
"11" مجلداً في تفسير القرآن.
وعندما استقر في
حماة كان الانقسام في أوجه الإخوان المسلمين، وكان هناك ثلاث فرق الأول على رأسها
الأستاذ عصام العطار والثانية على رأسها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة والثالثة تقف
على الحياد وتسمي نفسها مراكز حياد وتشمل حماة وأداب ودير الزور.
ويحصر سعيد حوى
الانقسامات الكبرى في الإخوان المسلمين بثلاثة:
الانقسام الأول في
عام 1954.
الانقسام الثاني في
عام 1970.
الانقسام الثالث في
عام 1968.
ويرى أن كل قسم كل
انقسام لم يتم إلا بعد مخاض ملوبل، فمثلاً انقسام 1970 كان من أسبابه المباشرة أن
تنظيم الإخوان كان سورياً وهذا التنظيم كان من الممكن يبدل على وحدتهما دامت القمة
منطقية فإذا اختلفت وجد الانقسام.
أما الأسباب الغير
مباشرة فهي تسارع الأحداث التي تجعل النظامات كثيرة وكبيرة ومتعددة ومنها التطلع
إلى نظرية تنظيمية تناسب الأوضاع في سورية.
عندما عاد الشيخ
سعيد من السعودية في عام1971 ورأى هذه الأجواء الإخوانية تسيطر على حماة بذل مع
مروان حديد جهوداً جبارة لإعادة الوحدة إلى الإخوان المسلمين وقبلت معظم مراكز
الإخوان بالحل الذي وضعه حسن الهضيبي لمشكلة سورية الإخوانية، ثم جاء الاحتفال
بعيد المولد النبوي الشريف عام1972 فحاول أهل حماة الاحتفال به بشكل كبير تحدياً
لاحتفال السلطة بميلاد البعث... وفي عام1973 بدأ الصراع حول الدستور وإصرار
الإخوان أن يكون دين الدولة الإسلام.
وقاد سعيد حوى
الحملة ممثلاً حماة في الاجتماعات التي عقدت في حلب وكان من المتحمسين الشيخ محمد
النهبان ووقع عليه العلماء من أمثال الشيخ خالد الشقفة رئيس علماء حماة وحلب وحمص
إلى الشيخ حسن حبنكة ليضع الصيغة النهائية لها... وأثناء ذلك تراجع الأسد وأوعز
إلى مجلس الشعب بإدخال عبارة أن دين رئيس الدولة الإسلامية ليس دين الدولة
الإسلامية.
وخرج طلاب حماة في
مظاهرات عنيفة وهم يهتفون: لا دراسة لا تدريس حتى يسلم الرئيس ومزقوا صور الأسد.
وفي اليوم التالي
هوجم مركز الحزب ومراكز الشبيبة الحزبية وحطمت الخمارات ولم يتحرك الجيش، ونتيجة
هذه التحركات وإصدار البيان ضد الدستور تم إلقاء القبض على عدد من علماء سورية كان
الشيخ سعيد حوى على رأسهم، ودخل السجن في "5 آذار ""مارس" في
عام"1973" ومورس التعذيب الجسدي ضده، ووضع في زنزانة انفرادية حوالي
سبعة أشهر ونصف الشهر ثم انتقل إلى مهاجع السجن مع الإخوان والناصرين والبعثيين
القوميين واجتمع الشيخ مروان حديد في أحد المهاجع.
فكان سجن المزة
العسكري الذي سجن فيه تحت سلطة شرطة الجيش الذي كان رئيسها لفترة طويلة العميد علي
المدني الذي كان التقى الشيخ على مقاعد الدراسة في حماة.
والشيخ سعيد يرى أن
السجن كان من أعظم منح العناية الربانية له وأنجز فيها مؤلفاته الموسوعية وأهمها
"الأساس في تفسير القرآن الكريم" والذي يقع في أحد عشر مجلداً وهو من
أعظم وأهم التفاسير في العربية السورية في تاريخ الإسلام المعاصر.
ويذكر أهل الشيخ
سعيد لـ"الوطن العربي "أنه تعاون على التحقيق معه من كل ناجي جميل وحكمت
الشهابي وعدنان الدباغ علي دوبا وعلي المدني ومحمد الخولي وغيرهم.
واستمروا في التحقيق
معه 40 يوماً ودرسوا مؤلفاته وأهمها "جند الله " آنذاك وصل الأمر إلى أن
حافظ الأسد كان يريد إعدام الشيخ سعيد ثم خفف هذا الحكم إلى السجن مدى الحياة.
والتقى الشيخ سعيد
في السجن مع الناصرين ومع عدد من الضباط الأحرار الذين كانوا يخططون للإطاحة
بالأسد وكذلك التقى في المهجع مع خليل برير مؤلف كتاب "سقوط الجولان"
الذي اختطف في بيروت بعد صدور الكتاب.
وقرر أن يرسل كتاباً
إلى الأسد يتحمل فيه مسؤولية أحداث الدستور مما أدى للإفراج عن بعض المعتقلين بسبب
أحداث الدستور.
وقد استطاع الشيخ سعيد
أن يهرب ما كان يؤلفه من داخل السجن إلى الخارج واستمر في المراسلات السرية.
وعندما أعتقل مروان
حديد في عام1975 انضم إليه، لكن مروان توفي في مستشفى السجن.
ويذكر أهل الشيخ
سعيد لـ"الوطن العربي" أن الأسد قرر بمناسبة التجديد له في عام 1978
إصدار العفو عن الشيخ سعيد حوى وعندما أفرج عنه ذهب مباشرة إلى بيت الشيخ حسن
حبنكة فلم يجده لأن الرئيس الأسد استدعاه إلى القصر الجمهوري لكن لأسد لم يبلغ
حبنكة عن قرار الإفراج عن سعيد.
وعندما طالبه حبنكة
خلال الاجتماع بشدة للإفراج عن سعيد سأله الأسد هل تكفله فأجابه الشيخ حبنكة: لا
أحد يستطيع أن يكفل أحداً.
ولكن الاغتيالات في
سورية كانت قد بدأت في عام 1976 وقبل إطلاق سراح سعيد بسنتين تقريباً كرد فعل على
قتل حسن عصفور وأحمد زلف وغزوان علواني واعتقال مروان حديد وإخوانه.
وكان رد الفعل الأول
للإخوان اغنيال محمد غزة مدير المخابرات العسكرية في حماة ويؤكد الشيخ سعيد في
كتابه تجربتي أن بعض الشباب دون أوامر من قيادات الإخوان قتلت مسؤولين...
وجاءت ذكرى المولد
النبوي الشريف في عام 1978 وحاول الشيخ سعيد تهدئة الأوضاع في حماة وجنب البلد
المواجهة عبر خطابة الذي ذكر فيه أن الشعب أثناء الاحتفال بالمولد خطأ.
وزار الشيخ سعيد حوى
علي المدني الذي سمح بالإفراج عن أوراقه التي تركها في السجن ووعده بإطلاق سراح
بعض المعتقلين وحدث هذا.
وبعد أيام قام عدنان
سعد الدين بزيارة سعيد في حماة بعد أن أنتخب مراقباً عاماً للإخوان أثناء وجود
سعيد في السجن، وطلب منه الخروج من سورية، وبعد مناقشات طويلة خرج الشيخ سعيد في
20 آذار "مارس" من عام 1978 من
سورية إلى الأردن، وقام بجولة في السعودية والإمارات وقطر ثم دعي لإلقاء
محاضرة في رابطة الطلاب العرب في أمريكا فذهب وتعرف على النشاط الإسلامي هناك.
وقررت قيادة الإخوان
نقال مقرها إلى الخارج.
وكان عدنان سعد
الدين "أبو عامر" ونائبه علي البيانوني "أبو أنس" بدءا واحدة
يجمعان حولهما كل الإخوان فطلبا من سعيد حوى العمل في القيادة فقبل.
وبدأ ترميم التنظيم
وإعادة ربط الخيوط في الداخل وتأمين المال اللازم لكل عمليات في الداخل.
ويؤكد سعيد: "
أن أبو عامر تحرك حركة قوية لتأمين المال اللازم ثم إنهال المال على الإخوان من كل
جانب.
وأثناء ذلك حدثت
حادثة مدرسة المدفعية التي قلبت الإستراتيجيات رأساً على عقب وأصدر الإخوان بياناً
قالوا فيه لا علاقة لهم بالموضوع.
الإخوان في إيران:
وقام سعيد حوى وقادة
الإخوان بزيارة إيران واجتمع مع وزير الخارجية إبراهيم يازدي الذي حدثهم عن
صلته بالإخوان، عندما كان يدرس في أمريكا ثم اجتمعوا مع الخميني بحضور أحد الوفود
ثم بقوا بعد خروج الوفد فحدثهم الخميني عن معرفته بما يجري في سورية وأنه سيتكلم
مع حافظ الأسد وحدثهم أن الثورة الإيرانية قامت بالإيمان واليد الخالية وأن الطريق
الوحيد لتوعية الشعب لإنقاذ المسلمين.
وشارك الشيخ سعيد
خلال هذه السنوات الثلاث في أعمال قيادة الإخوان التي تصاعدت جماهيريتها.
وفي عام 1980 تحركت
النقابات المهنية في سورية... فترك القيادة قبل الحركة الجهادية في سورية.
أفكار سعيد حوى كما يرويها ابنه محمد:
ثمة تساؤلات كثيرة
تدور حول شخصية الشيخ سعيد حوى الذي يراه البعض (سيد قطب الشام)، كنا نود أن
نطرحها على الشيخ نفسه لنأخذ منه الإجابة مباشرة، ولكن الشيخ قد رحل إلى جوار ربه
قبل أن يقول كل ما لديه، وأن ينفذ كل ما كان يأمل تنفيذه، خاصة وأن آخر كلمة قالها
قبل أن يدخل في غيبوبة الموت.. ( إذا كتب الله لنا حياة فستكون رسالتنا تأليف
القلوب وتوحيد الصفوف ان شاء الله).
لقد كان الشيخ سعيد_
رحمه الله_ نموذجاً فريداً للعلماء العاملين، وقد بذل الرجل حياته كلها داعية إلى
الله على بصيرة، عانى فيها عذاب السجن والنفي، حتى لقي ربه عن المدينة التي أحبها
وأحبته (حماة).
أما وأن الرجل قد
رحل إلى جوار ربه، فقد رأينا أن نقترب قدر المستطاع من الشيخ وأفكاره من خلال ابنه
الأكبر محمد لكونه الأقرب إلى والده وكاتم أسراره، ولكونه أيضاً شاباً واعياً
حيث يحضر الآن لرسالة الماجستير في الحديث النبوي في كلية الشريعة في الجامعة
الأردنية والتقينا بالشيخ محمد سعيد حوى فكان الحوار التالي:
·
ماذا
يعني لك اسم سعيد حوى؟
أنه يعني الشيء
الكثير الكثير فهو الأب المربي الحكيم في تربية الأب.
ثم لا بد من قاعدة تحمل
هذا الدين تتصف بصفات هذه مجددة فكان (جند الله) و(المدخل) ولا بد من ضوابط تحكم
سير هذه النخبة فكان (دروس) وكان (جولات) وكان من (أجل خطوة إلى الأمام) ...إلخ
الثانية: الاستيعاب:
فهي تعالج خمس نظريات يراها المؤلف هي العقد في المشكلات عصرنا.
النظرية الثقافية،
النظرية الأخلاقية التربوية، النظرية التنظيمية، التخطيط، التنفيذ.
وبعض هذه الكتب عالج
هذه القضايا للوصول إلى وضع سليم وبعضها عالجها تطبيقاً ببيان المنهج الاسمى والأكمل
فكان من مؤلفاته الأساس في التفسير وسلسلة التربية والتزكية (تربيتنا الروحية)
(المستخلص في تزكية الأنفس) (مذكرات في منازل الصديقين والربانيين).
·
وماذا
عن كتابة الأساس في التفسير؟
-إنه قدم نظرية
جديدة في موضوع الوحدة القرآنية تبين هذه النظرية الربط والمناسبة بين الآيات في
السورة القرآنية الواحدة بما يكشف عن الوحدة الموضوعية والمعنوية في السورة
الواحدة كما يبين سراً من أسرار الإعجاز في نظم سور القرآن.
ومن ميزاته
الاستفادة من أوثق المصادر الدينية السابقة الدينية مع النقد والتحليل، كما أنه
يخلو من الحشو والاستطرادات، مبسطاً ومقرباً مع الاحتفاظ إلى حد كبير بعبارات
المفسرين.
كما أنه محولة لربط
المسلم بقرآنه وتبصيره بواقعه وعصره مبيناً مذاهب أهل السنة في الفقه والسلوك
والاعتقاد.
* من عادة المؤلفين
التنقيح المستمر لكتبهم فماذا كان آخر موقف للشيخ تجاه هذه القضية؟
-بحمد الله فقد قام
الوالد رحمه الله بقراءة كتبه كلها تقريباً قبل وفاته بفترة ونقحها وخرجت في طبعة
جديدة عن دار السلام ودار عماد فيستطيع القارئ –دارساً
أو ناقداً- أن يعتمد هذه الطبعات مطمئناً إلى أنها تمثل اجتهادات المؤلف الأخيرة.
·
لكن
لوحظ على الشيخ في مؤلفاته الأخيرة أنه يتكلم عن إحياء الربانية والجمعية العالمية لدعاة الإسلام وإنشاء جمعيات
تخصيصية مختلفة بماذا تفسرون هذه الظاهرة ؟
-
لقد
كان يستشعر الوالد رخمه الله ضرورة وجود حركة تتمخض لإحياء الربانية تكون مؤهلة
لإيجاد شرط النجاح في أي جماعة، من إيجاد لشرارة التفاعل الكامل مع الإسلام وترشيد
للعمل الإسلامي من خلال النظرة الفقهية الشاملة المبصرة والتربية الراقية العالية
والاستيعاب الفكري لمتطلبات العصر، شعاره في ذلك (دعم الموجود وإيجاد المفقود) فهي
أفكار تتم ما سبق بناؤه ومحاولة لتغطية احتياجات الساحة الإسلامية في شتى المجالات
على مستوى العالم.
·
أل
ترون أن هذه الأفكار تعبر عن وجهت نظر جديدة عند الشيخ في العمل الإسلامي...
-
قد
يكون في بعضها نوع من الجدة وفي بعضها تطوير لما سبق وفي بعضها تأصيل وتعميق وهذا
أمر طبيعي عند كل مفكر يتابع عصره ومتطلباته، فلا شك أن كثير من هذه القضايا جاءت
نتيجة تحليل مبصر موجود!
واقع السقف الروحي
والثقافي والحركي والتنظيمي عند العاملين للإسلام، ضرورة التكامل بين جميع أنواع
العمل شعبية أو رسمية، ضخامة احتياجات العصر بالنسبة للأمة الإسلامية ومشكلاتها
الكثيرة والعقبات التي تعترض الطريق، ثم أن نضوج التجربة العملية عنده يجعله يفكر
لا على مستوى تنظيمي يتبعه وحسب بل لا بد من التفكير على مستوى الأمة الإسلامية
ككل... هذه بعض ظروف الاجتهادات الأخيرة ...
·
أريد
أن نركز الموضوع أكثر، ألا تعتقدون أن الشيخ قد تخلى عن بعض أفكاره...
-
لقد
ألمح بعض الدراسين لذلك، ومن خلال دراساتي الشخصية لفكر الوالد كنت ألمح عنده رغبة
دائمة في المراجعة والمحاسبة واستبصار الطريق.
ومع ذلك فلا أعتقد
أن ثمة قضية ذات بال أو فكرة رئيسية عنده
قد تخلى عنها- لا تمسكاً بشيء يراه غير الحق- بل لم يصل إلى أي قناعة تنقض ما سبق
له أن قرره من القضايا الهامة على الأقل.
خذ مثلاً قضية
الجهاد الداخلي، فقد كان رحمه الله يتكلم عن واقع موجود وما هو موقف المسلم منه
وتحدثت عن الجهاد الداخلي وأنه من أغمض أنواع الجهاد وأكثرها حرجاً لذا تركه
العامة ونفض العلماء أيديهم منه وتورع عنه الكثيرون وأدى إلى ضياع الإسلام في أرضه
...الخ
ثم في المراحل
الأخيرة من حياته وجد جموداً عند بعض الحركات الإسلامية في فهم هذه الحقيقة، فبين
في كتاب جند الله تخطيطاً وفي بعض كتبه الأخرى أموراً كثيرة من ذلك قوله:
"إن أقطار
الأمة الإسلامية ليست واحدة وخطة العاملين للإسلام لا ينبغي أن تكون واحدة، إن
هناك أقطار يجب أن تكون خطتنا فيها موجهة نحو الدعوة ونحو الديمقراطية والمحافظة
عليها، وأن نسعى عبر القانون لإنشاء أحزاب إسلامية في ظل الديمقراطية، وكمثال على
هذه الأقطار، ماليزيا، وتركيا، ومصر، وهناك أقطار يجب أن يدخل خطتنا فيها دعم
جهادها المسلح كأفغانستان، وهناك أقطار يجب أن نقتصر فيها على الدعوة إلى ا لله
بما لا يمس القانون كالبلدان الغريبة مثلاً، وهناك أقطار لها وضع خاص يجب أن تلاءم
خطة العاملين للإسلام مع هذا الوضع الخاص فخطة العاملين للإسلام في بعض البلدان
يجب أن تكون تحصين أهلها من الفكر الوافد الغريب، ويجب أن يطمئن الحاكمون أن أمن
العاملين للإسلام هو أمنهم، وإذا كان من نصيحة فينبغي أن تقدم لأصحابها سراً، وقد
جر إلى هذا الكلام ضرورة التبيان أن خطط العاملين للإسلام تختلف اختلافاً كبيراً
من مكان إلى مكان" . (جند الله تخطيطاً 54).
وقوله:
" نحن نرى أنه
إذا تركت الأمة الإسلامية مبدأ الجهاد فقدت إسلامها شيئاً فشيئاً وظروف الأمة الإسلامية
الحالية تفرض على الأمة أن تبلور نظرية في الجهاد، ونحن نرى أن النظرية المثلي
لتحقيق الجهاد أن تفرق الأمة بين من تعتبره نظام نصيحة وبين أنظمة تريد إستصال
الإسلام، فالأنظمة التي تريد إستصال الإسلام هي التي يجب أن تعبأ الطاقات من أجل
الجهاد فيها"
(جند الله تخطيطاً ص
68).
(إننا نرى أن مقولة
(خذوا الإسلام جملة أو دعوة) صحيحة بالنسبة لكثير من التطبيقات، فالفقهاء فرقوا
بين ألا يبقي شيء من الإسلام وبين أن يبقي شيء من أحكام الإسلام قائماً للحكم على
بلد أنه دار الإسلام أو لا، والنصوص تبين أن عذاب الكافرين أنفسهم متفاوت،
والفتاوى تفرق بين فسوق وفسوق وبين فسوق وكفر ومن هنا فنحن مع دعوتنا إلى الإسلام
كله فإننا نفرح بأي تطبيق جزئي للإسلام على مستوى الفرد أو على مستوى الشعب).
(جند الله تخطيطاً ص
70).
ففهمي أنه أراد أن
يبين لشباب الحركة الإسلامية كيف تضع كل أمر مكانه، فلا يترك الجهاد الداخلي من
أجل ورع زائف أو خاطئ ولا يجاهد في بلد يمكن للمسلمين أن يعملوا وفق اجتهادات أيسر
وخسائر أقل... والله أعلم.
·
كيف
كانت نظرة الشيخ رحمه الله إلى الديمقراطية والتعددية والسياسية ؟
-
للولد
كلام صريح وواضح في قبول الديمقراطية والتعددية السياسية ومن ذلك قول:
-
(نحن
نرى أن الديمقراطية في العالم الإسلامي مآلها أن ينتصر الإسلام، ولذلك فإننا نحذر
أنفسنا وإخواننا من محاربة الديمقراطية العملية، بل نرى أن المطالبة بمزيد من
الديمقراطية هو الطريق العملي لانتصار الإسلام على أرض الإسلام، وقد فطن أعدائنا
لهذا فاغتالوا الديمقراطية وأوجدوا دكتاتوريات وبدائل وغفل الكثيرون من أبناء
الإسلام عن الإيجابيات التي تقدمها لنا الديمقراطية، ونظروا إلى المسألة في إطارها
النظري العقدي، ولم ينظروا إلى المسألة في إطار الواقع الذي يقول إنه حيثما كانت
أكثرية فهي التي تحكم، ومبادؤها هي التي تسود، وحيثما تكون أكثرية إسلامية في قطر
فمآل ذلك أن ينتصر الإسلام وإذا كان المسلمون أقلية فإن الديمقراطية في كثير من
الأحوال لصالحهم. )
-
(إن
مقولة إلغاء الأحزاب السياسية والهجوم على تعدد الأحزاب والمطالبة بالحزب الواحد
أثبتت تجربة خطأها، ولذلك فنحن لا نحارب
فكرة تعدد الأحزاب بإطلاق، ولا نطالب بفكرة الحزب الواحد، ولو كان هذا الحزب
حزبنا، لأن دكتاتورية الحزب أصعب من
دكتاتورية الفرد، وديكتاتورية الحزب مآلها إلى ديكتاتورية الفرد، وخطيئة واحدة
للديكتاتور قد تؤدي بشعب أو أمة، وهذا شيء مخيف، ونحن لا نخشى الحرية السياسية
المنضبطة بالإسلام ).
(جند الله تخطيطاً ص
71)
-
من
المفاهيم التي للشيخ رحمه الله اهتمام خاص بها، مفهوم حزب الله ومفهوم جماعة
المسلمين وقد شوش بعض الدارسين عليه بسبب هذين المفهومين فهل لكم أن تلقوا أضواء
عليها...
-
بالنسبة
لمفهوم حزب الله فقد ادعى بعضهم أن الشيخ الوالد رحمه الله (يخلط بين المصطلح
القرآني الذي انصرف إلى معسكر الإيمان في مجموعة وبين المصطلح السياسي المعاصر
الذي ينصب على فصيل سياسي دون غيره).
-
هذا
الكلام مخالف رأساً لمفهوم الوالد رحمه الله لحزب الله إذ نجده يقول في كتاب جند الله
ثقافة وأخلاقاً تحت عنوان (حزب الله أولاً وقبل كل شيء اتجاه)، (إن حزب الله هم
المسلمون الحقيقيون سواء كانوا علماء أم ربانيين أم عامة، وسواء قام الواحد منهم
بدور كبير أو صغير، بالاشتراك مع الآخرين أو منفرداً فاعتقد أن هذا الكلام واضح
كالشمس في أنه لا يجير مفهوم حزب الله لفئة سياسية إسلامية دون فئة وأنه يصرفه إلى
معسكر الإيمان كله لا إلى بعضه وكل كلام بعد هذا تشويش وإثارة.
-
وفي
هذا الإطار اتهم بعضهم الوالد أنه يرى أن جماعة الإخوان هي جماعة المسلمين، وهذا
غير صحيح ففي كتابه المدخل بين أن فقهاء الدعوة من حسن البنا إلى الآن لم يدع أحد
منهم هذا، ولكنه كان يرى رحمه الله أن جماعة الإخوان المسلمين في الإطار النظري
كما بينه حسن البنا أقرب الجماعات لأن تكون جماعة المسلمين، وعندما يقول النظري
فهذا يدخل معهم كل من كان قريباً من الفكر وإن لم يكن منتظماً ومجموع كتاباته لا
تدل بحالة على أنه يجب على كل أحد أن ينتظم في الإخوان حتى يكون قريباً من جماعات
المسلمين وفي كتاب الإجابات وضح هذا المفهوم ونفي هذه التهمة نفياً قاطعاً فليراجع
ضمن سلسلة (كي لا تمضي بعيداً عن احتياجات العصر).
وعجبي لا ينقضي من رجل
نشر كتابه عام 1986 نص فيه الشيخ قد رجع عن هذا الرأي لكنه لم يعلن، فمع أن الشيخ
الوالد رحمه الله لم يتبناه ابتداء فقد وضح مفهوم جماعة المسلمين في الإجابات وقد
صدر عام 1984.
·
قدم
الشيخ آراء وأفكاراً حول وحدة الصف كان لها أثراً فهل لكم أن تلقوا أضواء حول هذه
القضية من خلال مواقفه العملية والنظرية...
كل مسلم يتمنى وحدة
الصف ويعمل جاهداً لها وقد تطرأ طوارئ تحمل الإنسان مكرها على أن يتخذ موقفاً ما
يجعله بعيداً عن جهة قريباً إلى أخرى وحسب فهمي وتصوري فقد كانت تحكم الوالد عدة
مبادئ في هذا الخصوص منها:
1-
إلزامية
الشورى وأن مجالس الشورى هي صاحبة الحق في إخراج القيادات.
2-
ضرورة
احترام الأنظمة وأن خرقها بسبب نزاعاً وشقاقاً.
3-
أنه
قد يقع الداعية المسلم بين خيارات صعبة: بين تبني الاجتهاد الصحيح مع فقدان شيء من
الوحدة أو خسران الاجتهاد الصحيح ووجود وحدة مظهرية فعلى المسلم أن يوازن.
4-
ضرورة
وجود طبقة من الإسلاميين مهمتها التقريب بين التيارات كما ينبغي على التيارات
الإسلامية أن تعطي الحرية لأبنائها لكي يتعاونوا مع غيرهم على الخير.
5-
من
خلال تجربته العملية اضطر لنصرة رأي على رأي في بعض مراحل حياته مهتدياً بالإضافة
إلى ما سبق بقوله تعالى {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}.
ولقد لاحظته في
أخريات حياته ميالاً للمرتبة الأخرى.
{ولمن صبر وغفر إن
ذلك لمن عزم الأمور}.
6-
كان
يؤكد أنه إن فاتتنا العلاقات التنظيمية فلا تفوتنا العلاقات الأخوية، وكان حريصاً
على التنسيق بين التيارات الإسلامية ما أمكن ذلك وأسجل
أن آخر كلمة قالها(
إذا كتب الله لنا حياة فستكون رسالتنا تأليف القلوب وتوحيد الصفوف إن شاء).
وعلى مستوى العالم
الإسلامي فكان يؤكد على ضرورة أن يتولى الدعوة إلى الوحدة التنظيمية ربانيو هذه
الأمة العلماء العاملون المخلصون، وأن تأخذ الوحدة التنظيمية بعين الاعتبار التدرج
في الخطوات والبعد عن الإثارات، وأن توائم بين مصالح الأمة الإسلامية ومصالح لأمم
لأخرى، وأن يكون الإطار التنظيمي مرنا لا يضر مشاركاً ولا يقيد وأن نضم الوحدة
التنظيمية كل من له دور مؤثر في مجموعة من المسلمين.
لا بد أنه كان للشيخ
اهتمامات محددة فهل لكم أن تذكروا ببعضها لتكون بمثابة الوصية للمسلمين.
كان يركز على ضرورة
البناء الثقافي والمدني للأمة الإسلامية واستيعاب الأوضاع العالمية من خلال بناء
الفرد والأمة أخلاقاً وثقافة، وإيجاد الوارث النبوي الكامل والولي المرشد والرباني
العالم العامل كما كان يركز على ضرورة إيصال فروض العين إلى كل مسلم وضرورة تغطية
فروض الكفايات