الشيخ سعيد بين محبيه
ومخالفيه
كتبه ولده: د. محمد
سعيد حوى
مهما
بلغ الشيخ رحمه الله من مقام ومكانة ومهما كان أثره في الدعوة والفكر والعلم
والقيادة ومهما كان باعه طويلاً في التربية والتأليف ومهما امتلك من المواهب
والسمات والخصائص والشمائل يبقى أنه بشر وواحد من عباد الله الضعفاء المفتقرين إلى
رحمة الله تعالى.
ويبقى
الخطأ والنقص من سمة البشر حاشا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فليس
غريباً أن يكون الشيخ عرضة للنقد والتخطئة لكن مع ذلك فلقد تجاوز بعضهم الحدود
الشرعية والخُلُقية فتجاوز مبدأ النقد إلى التجريح والاتهام والإساءة.
لاشك
أن بعض ما قد يوجه للشيخ من نقد لربما كان صحيحاً وربما كان الشيخ حريصاً على
مراجعة مواقفة لو تسنى له ذلك. وهو الذي قدم كتاب تربيتنا الروحية للعلامة ابن باز
ليقول كلمته فيه وأبدى استعداداً تاماً أن يطبع تعليقات العلامة ابن باز مع الكتاب
بلا تردد. وثمة فرق كبير بين أن يخطئ الإنسان وهو يعمل ويجتهد في تحري الصواب، فمن
يعمل من البشر غير الأنبياء لابد أن يخطأ، وبين من يتعمد الإساءة أو الخطأ أو
الانحراف.
أما
شيخنا فشهادة المنصفين فيه أنه كان حريصاً على الحق ومعرفته، رجاعاً إلى الحقيقة،
كثير الأوبة والتوبة إلى الله، يجتهد ولا يألو في تعرف الحق والعمل به.
وما
كان من خطأ في تصرف أو اجتهاد فمما لا يسلم منه الإنسان أيا كان، ومع ذلك فلقد
تركزت سهام منتقدي الشيخ على عدد من القضايا وهي تتعدد وتتلون بحسب المنهج الفكري
لمن صدر عنه النقد فمن هذه القضايا:
1.كونه
إخوانياً.
2.كونه
صوفياً.
3.كونه
حنفياً.
4.كونه
أشعرياً في المعتقد.
وهذه
الانتقادات أجاب عنها الشيخ رحمه الله في كتاب الإجابات ضمن مجموعة الرسائل: (كي
لا نمضي بعيداً عن احتياجات العصر)، فلتراجع.
وثمة
انتقادات أخرى وجهت للشيخ من أبناء الحركة التي ينتمي إليها تركزت حول :
ـ
استبداد الشيخ برأيه وعدم خضوعه للشورى.
ـ
قدرته على فرض رأيه على الآخرين.
والحق
أن الشيخ كان قوي الشخصية بالغ الحجة محاوراً فريداً طويل النفس في الحوار يلون
الحجج ويقارع الآخرين يتشبث برأيه إلى آخر لحظة.فإذا كان الأمر متعلقا بإعمال
تنظيمية رسمية فإنه يحاور ويكافح عن رأيه ولا يترك وسيلة يستطيع إقناع الآخرين بها
إلا ويسلكها إلى أن تصل الأمور إلى التصويت فإذا ووفق على رأيه كان ما كان، وإلا
فإنه ما كان يخرج عن آراء الجماعة وشوراها.فإذا كان في أكثر الأحوال من قوة الرأي
والشخصية ما يستطيع أن يقنع الأكثرية برأيه فهل هذه سلبيه.وإذا كان يعد لكل جلسة
عمل برنامجاً كاملاً واقتراحاتها الكاملة وأدلتها الكاملة فهل سلبية … إلا أنه في حالات نادرة كان للجماعة توجهات تختلف عن رأيه اضطر
معها مثلاً أن يقدم استقالته أو يعمل على تغيير القرار من خلال المؤسسات لما يراه
من خطر أو مخالفة شرعية.وهو في ذلك كله ضمن إطار الاجتهادات الشرعية التي يقبل
الاختلاف فيها ومن حق الإنسان أن يستقيل من عمل يعتقد عدم صوابه ولا يريد أن يتحمل
مسؤولية ذلك.
ـ
اتهم الشيخ أنه كان وراء الحركة الجهادية في سوريا _وهي في نظري ليست تهمة _ في
الوقت الذي لم تمتلك الجماعة أهلية ذلك والواقع أن هذه قضية ذات شعب كثيرة لكن
أقول بإيجاز:_بدأ العمل العسكري في سوريا والشيخ في السجن 73_78.
ـ
دفع الإخوان دفعاً للدفاع عن أنفسهم بعد إعلان الجهات الرسمية الحرب عليهم، إثر
عملية المدفعية التي لم يكن الإخوان طرفاً فيها وأنكروا ذلك.
ـ
توصلت القيادة في ذلك الوقت إلى قرار جماعي بالدفاع عن النفس يتحمل مسؤولية ذلك كل
أعضاء القيادة وإن كان الشيخ رحمه الله كان عاملاً مؤثراً فيه لكن أين عقول الرجال
والقادة الآخرين.
ـ
اتهم الشيخ أنه كان سبب انشقاق خطير وقع في الجماعة عام 1986. يكفي هنا أن نقول إنه
استقال من قيادته الجماعة بعد الانشقاق 87، وكان يلح على ضرورة الوحدة حتى توفي
عام1989، معتبراً أن هذا الانشقاق ساقت إليه ظروف وأسباب كثيرة.
يقول
الشيخ رحمه الله :لعل أخطر انقسام واجهته جماعة الإخوان المسلمين في سوريا الذي
حدث في سنة1986.والأمل معقود بفضيلة المرشد العام الجديد- بعد الله تعالى – في تدارك هذا الأمر، ولكن قد يكون من المفيد أن نشير إلى بعض
الأسباب التي أدت لهذا الانقسام.إن الأسباب الجوهرية التي أدت إلى هذا الانقسام تكمن
في ثلاثة أمور:
أولاً:
خرق الأنظمة المعتمدة.
ثانياً:
تعطيل المؤسسات.
ثالثاً:
الاختلاف في التوجه السياسي.
وقد
حسم هذا الموضوع أخيراً وذلك يساعد على العلاج وتوضعت حول الأسباب الجوهرية أسباب
ثانوية :كنمو الروح الإقليمية والمماحكات الشخصية والآراء السلبية لبعض الإخوان
ببعض، وفهم بعض الأمور فهما مغلوطاً، وعدم الوضوح في النظرية التنظيمية الصالحة
لحزب إسلامي معاصر([1])
.
ويقول
الدكتور أحمد جواد محللاً هذه القضية :
(والشيخ
رحمه الله تعالى نشأ وانتهى وهو صاحب مبدأ لا يساوم عليه ولا يحيد عنه، حتى مع أقرب
المقربين منه، وكان موقفه من الخلاف الذي أدى بالجماعة إلى الانقسام نابعاً من
تمسكه بالمبدأ الذي آمن به والنظام الذي يحكم الجماعة، ماكان موقف هوى ولا حظوظ
نفس، وهو الذي يدرك خطورة مرضه وأنه مقبل على رب كريم، وقد لخص رأيه في كتابه (هذه
تجربتي وهذه شهادتي ) وما أورعه عندما قال لا يمكن أن نجبر كل العاملين في الحقل
الإسلامي على اتخاذ موقف واحد أو انتهاج استراتيجية واحدة فلكل اجتهاده ولكن إن
تعذر الموقف الواحد أو الإستراتيجية الواحدة تجاه الهدف الواحد، فلا يتعذر التعاون
والتنسيق يبن المسلمين سواء كانوا أفراد مع جماعات أو جماعات مع أفراد أو حكومات
مع جماعات أو جماعات مع حكومات، حتى يأذن الله ببلوغ الهدف ووحدة الأمة)([2])
.
فإنه
عندما يكون ثمة اتجاهات متباينة في طبيعة العمل وطريقته تتصل بالأصول
والإستراتيجيات يضطر المرء معها أن يختار طريقا صعبا إذ الكي آخر الدواء، على أنه
كان حريصاً على تلافي هذا الصدع وتلافي آثاره وأن يستطيع كل فيصل أن يحقق ما يراه
من
استراتيجيات
ولما رأى عجز الفريقين أكد على ضرورة تلافي هذا الانقسام.
ويبقى
أن الشيخ لم يكن يحمل في قلبه حقدا على أحد ولا عداوة ولا يضمر شراً ولا مكراً
وعرف
منه الحرص الكامل على مصلحة الدعوة في كل حال.
ـ
ولعل أخطر اتهام وجه للشيخ رحمه الله أنه كان مسؤولاً عن أحداث حماة سنة1982.
والإجابة
عن هذا الاتهام يحتاج إلى شرح طويل، فأقول بإيجاز :لقد كتب الشيخ رحمه الله في
الجزء الثاني من مذكراته بياناً مفصلاً لحقيقة ما جرى، يبين فيه الجهة التي استجرت
قيادة الداخل إلى عمل عسكري لم تكن الجماعة في الخارج على علم به كما لم يكن لديها
أي توجه لمثله في المستقبل، كما يبين حدود مسؤوليته فهو لم يستلم قيادة الجهاز
العسكري إلا قبل المعركة التي فوجئ الجميع فيها _بقليل.
ويكفي
لدحض هذا الاتهام أن الشيخ كان أحد أعضاء القيادة التي حاولت منع ذلك، ولم تستطع، ولعله
إذا يسر الله نشر مذكراته في جزئها الثاني تضع النقاط على الحروف.
والحمد
لله رب العالمين.
([1]) هذه تجربتي، ص 162 - 163.
([2]) مجلة النذير، العدد 113، ص 26.