أسباب
اهتمام الشيخ سعيد حوى بالتزكية
كتبه
ولده: د. معاذ سعيد حوى
الإسلام
فكر وعقيدة وإيمان، ومنهج وشريعة وفقه، وتربية وتزكية، ودعوة وجهاد، وقد أعطى
الوالد رحمه كل هذه الجوانب اهتمامه، كما هو ظاهر في مؤلفاته جميعاً، ودعا
المسلمين والدعاة أن يهتموا بجميع هذه الجوانب وأن يعطوا كل واحد منها قدره الذي
أعطاه الله إياه في هذا الدين، وأن لا يجعلوا شيئاً منها على حساب الآخر.
والله
تعالى قد جعل للتزكية أهمية خاصة، إذ جعلها مدار الفلاح، حيث قال سبحانه: (قد أفلح
من زكاها) أي من طهر نفسه وارتقى بها، فلو أن إنساناً كان عالماً بالشريعة ولم يكن
يبتغي بذلك وجه الله ولا قام بحق العلم، فإن علمه لا يعطيه نجاة بدليل قول النبي r بأن ممن تسعر بهم
النار: عالم تعلم العلم ليقال عالم.
ورب عامل
يتقن أعمال الشريعة وعباداتها ومعاملاتها، لكنه لم يزك عمله بالإخلاص، فلا قيمة
لعمله ولا ينجيه عند الله (ألا لله الدين الخالص) (وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين).
ورب رجل
عابد لا يحمل أخلاق الإسلام وآدابه الرفيعة، ولم يتطهر من الغرور والكبر والكذب
والغيبة وأمثالها من أمراض القلوب وذنوب الجوارح، فيكون ممقوتاً عند الله.
وهذه
الأمور وغيرها إنما يتم إصلاحها من خلال التزكية، فلَمّا كان للتزكية هذا المحل
العظيم في الشريعة؛ وجب على كل داعية أن يعطيها هذه الاهتمام الذي اهتم به والدي
رحمه الله، خاصة وأننا نجد افتقاراً في شعوب المسلمين بل والإسلامين منهم إلى كثير
من أمور التزكية وأخلاقها.
وقد دخل علمَ
التزكية كثيرٌ من الدخن والانحراف عبر التاريخ، وأُدْخِلَ فيه مسائل كثيرة بنيت
على أدلة ضعيفة وأحاديث موضوعة وقصص مصنوعة، فاحتاج هذا العلم إلى تجديد بترك
الاعتماد على هذه الأمور، ورد العلم إلى أصوله من الكتاب والسنة، ليبقى صافياً
نقياً، مقبولاً عند كل مسلم، وهذا مما دفع الشيخ سعيد رحمه الله أن يهتم بالتأليف
في هذا العلم، رغبة في تحرير هذا العلم مما دخله من الدخن والانحراف.
إن بُعْدَ
الأمة عن أخلاقياتها وتزكيتها يجعلها مذمومة عند الأمم الأخرى، فتنفر منها وتظن
إسلامها مثلها مذموماً، فلو تزكت نفوسنا وحسنت أخلاقنا لكان ذلك وحده سبباً داعية
إلى دخول الناس في ديننا من غير كلام.
والتزكية
من أعمال النبي r ووظائفه التي أرسل بها: (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ
إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مُّبِينٍ)، فكل داعية يحمل ميراث النبي r ينبغي أن يكون مهتماً بالتزكية، ونائباً عن رسول الله r في تزكية المسلمين، فإذا كان الداعية يفتقر إلى تزكية نفسه في بعض
الجوانب فكيف سيكون قادراً على تزكية غيره.
كل ذلك جعل
الوالد رحمه الله يعطي هذا الجانب اهتماماً بالغاً في حياته ومؤلفاته، وقد أدركنا
ذلك فتابعناه في هذا الاهتمام، خاصة وأن الإنسان إذا بدأت عنده التزكية طلب صحة
الاعتقاد، وحرص على التفقه في الدين، وحرص على الدعوة وحمل همها، وكان أهلاً
للجهاد الذي يرضي الله.
وقد كتب
الشيخ سعيد رحمه الله ثلاثة كتب متخصصة في التزكية: (تربيتنا الروحية) و(المستخلص
في تزكية الأنفس) و(مذكرات في منازل الصديقين والربانيين).
ولم يقصر
كلامه وتوجيهاته التربوية والتزكية على هذه الكتب، بل إن كتابه (الأساس في التفسير)
و(الأساس في السنة وفقهها) مليئان بمسائل من التزكية وتوجيهات تربوية ثمينة.
وقد كان
هذا الجانب من اهتمامات الشيخ محل تقدير طلاب العلم، فقد قُدِّمت عدد من الرسائل
الجامعية التي تَدْرُس هذا الجانب عند الشيخ سعيد حوى، في جامعات العراق والجزائر ومصر
واليمن وماليزيا، فيما علمنا، ومنها :رسالة بعنوان منهج الشيخ سعيد حوى في التربية
والسلوك للباحث : حسين علي أحمد، مقدمة إلى مجلس قسم العقيدة والفكر في جامعة صدام
في بغداد عام 2001م،